حول النزعة الوطنية

حول النزعة الوطنية

المغرب اليوم -

حول النزعة الوطنية

يوسف بلال

من المعروف أن فكرة الوطن، التي تبدو للكثيرين أنها فكرة نبيلة تتطلب في بعض الأحيان التضحية من أجلها، ليست محصنة من الاستغلال من طرف الأنظمة السلطوية أو الأنظمة الديمقراطية على حد سواء. ولنذكر هنا أن النزعة الوطنية ليست «طبيعية»، وإنما هي فكرة حديثة نسبيا ظهرت في أوربا في القرن السابع عشر، وتطورت في القارة العجوز في القرن التاسع عشر، ثم في العالم في القرن العشرين. وتاريخ أوربا، منذ القرن التاسع عشر، حافل بحروب سببتها النزعة الوطنية، حروب بلغت ذروتها في الحرب العالمية الأولى ثم الحرب العالمية الثانية، لأن الأفكار الأوربية النازية والفاشية ما هي إلا امتداد للقومية المتطرفة والعنصرية. وفي كثير من الأحيان، توظيف الحس الوطني في قضايا تحتاج إلى خطة ديبلوماسية حكيمة وإلى مشروع سياسي ذي مصداقية، لا يمكنه إلا أن يؤجج الأوضاع عوض أن يساهم في تهدئتها. وفي هذه الحالة، كثيرا ما يصبح النظام السياسي المستغل للحس الوطني منعزلا في الساحة الدولية، في الوقت الذي يفتقر إلى الموارد الاقتصادية لمتابعة هذا التوجه، بل في اللحظة التي يحتاج فيها إلى دعم المجتمع الدولي. والتسرع في أخذ هذه القرارات ينتج عنه تناقضات في السياسة الخارجية وارتكاب أخطاء تؤدي ثمنها الشعوب.  وبالرغم من أن النزعة الوطنية تسببت، ولا زالت تتسبب في العنف بين الأمم والشعوب، فإنها يمكن لها كذلك أن تعبر عن حس نبيل يسمح، مثلا، للشعوب المستعمرة أن تحرر نفسها من المستعمر، كما أنها تعبر عن الأنا الجماعية التي من دونها لا وجود للأنا الفردية. وإذا أخذنا مثلا كفاح الشعب الفلسطيني، فهو يعبر عن الوجه الشريف للالتزام بالمشروع الوطني في صراع من أجل الحياة والكرامة. والمفارقة هي أن المستعمِر والمستعمَر، المضطهِد والمضطهَد، يتقاسمان لغة مشتركة، ألا وهي لغة الوطنية، التي تولد القمع ومقاومته في آن واحد. وفي الواقع، فكرة الوطن ما هي إلا شكل من أشكال تنظيم المجتمعات الإنسانية ابتدعته البشرية في لحظة من تاريخها،  يمكن تجاوزه في أشكال أخرى. وأطراف النزاع في الصحراء يظلون سجناء الفكرة الوطنية بمعناها الضيق، حيث إنهم يعبرون عن مطالبهم اعتمادا على خطاب يدعو إلى كراهية الآخر أكثر منه إلى بناء السلام والمستقبل المشترك بين الشعوب. وبعبارة أخرى، إنهاء صراع الصحراء يتطلب من جميع الأطراف وبلدان شمال إفريقيا بناء فضاء سياسي جديد يضم جميع شعوب المنطقة ويسمح لها بتجاوز النزعة الوطنية الضيقة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول النزعة الوطنية حول النزعة الوطنية



GMT 06:33 2025 الإثنين ,17 شباط / فبراير

الذروة؟!

GMT 06:32 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

تقرير من أمريكا

GMT 06:28 2025 الإثنين ,17 شباط / فبراير

تعفن الدماغ!

GMT 06:27 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مع أى «ترامب» نتحدث؟

GMT 21:39 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

ذئب ميونيخ... وتعدد الأسباب

GMT 20:42 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

يا مال الشام!

GMT 20:41 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

أزمة المنظمات الدوليّة والإقليمية

GMT 20:38 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

طريق الرياض للسلام العالمي

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:35 2025 الإثنين ,17 شباط / فبراير

رامز جلال يكشف عن اسم برنامجه الجديد في رمضان 2025
المغرب اليوم - رامز جلال يكشف عن اسم برنامجه الجديد في رمضان 2025

GMT 20:42 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 13:39 2023 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

أغماني يُحذر من آثار حرب غزة على قطاع السياحة المغربي

GMT 08:19 2021 الإثنين ,03 أيار / مايو

مواصفات وأسعار فولكس فاجن تيجوان موديل 2021

GMT 01:51 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

شركة جينيسيس تقدم أول إنتاجها من موديلات SUV الفاخرة

GMT 07:40 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة رواية "الخواجا" في نادي التجاريين بالقاهرة الأربعاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib