الأمكنة أيضا تموت

الأمكنة أيضا تموت!

المغرب اليوم -

الأمكنة أيضا تموت

بقلم - جمال بودومة

هناك حرب شرسة وسط العاصمة الرباط، منذ أكثر من خمسين عاما، ارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة: حرب البشاعة!

البنايات ذات المعمار الكولونيالي البديع، تنقرض رويدا رويدا، أو تتعرض للتفسخ والتهدم والسقوط. بعضها لم يمسس الجير جدرانه من أيام المارشال ليوطي…

مركز العاصمة تحول تدريجيا إلى حي الرياض، حيث انتقلت معظم الوزارات والإدارات والبنايات الحيوية، وتوسع العمران بشكل لافت، فيما الجمال يلفظ أنفاسه الأخيرة وسط المدينة، وفي نواحيها العريقة، ويترك مكانه للقبح والفوضى والحقارة!

الأمكنة تبدل سكانها. «ليزورانجي» و»حسان» وكل الأحياء المجاورة للبرلمان ومحطة القطار، التي كانت آهلة بالطبقة المتوسطة والبورجوازية، صارت اليوم، «أحياء شعبية». عندما تتجول  قرب «المسرح الوطني» وفي شارع علال بن عبدالله ومولاي سليمان ومحمد الخامس والحسن الثاني، يُخيّل إليك أنك في «العكاري» أو «التقدم» أو «يعقوب المنصور»، النماذج البشرية نفسها تتجول في الشوارع، تعرفهم من ملابسهم وطريقة مشيهم وكلامهم. أبناء الطبقات الشعبية يبسطون نفوذهم على وسط المدينة، فيما تنسحب الطبقة الوسطى تدريجيا في اتجاه أگدال وحي الرياض.

أما «ديور الجامع»، جنب الحي الإسباني العتيق، الذي يسمى اليوم بـ»المحيط»، فقد أصبح «جوطية» مفتوحة، تعج بالباعة الجائلين والبضائع الصينية والتركية، من تلفزيونات و»بارابولات» وثلاجات وآلات غسيل وأثاث منزلي، بالإضافة إلى «لحم الراس» و»الشوارما» و»القطبان»، التي يتصاعد دخانها حتى ساعات متأخرة من الليل.

الأمكنة تبدل سكانها. ليس في الرباط وحدها. أحيانا تعود إلى حيك ولا تعرفه. تجد أن المباني تكاثرت حوله كالفطر، وأن بنايات اختفت وأخرى نبتت، وتحس بالغربة في مسقط رأسك وبين أهلك وذويك، لأن المكان الذي كنت تعرفه مات. كثير من الأحياء هُدّمت أو شُوهت أو مُسخت أو مُسحت، لدرجة ما عدنا نعرفها. بعضها يتقهقر إلى الوراء، يفقد طابعه الأنيق والفخم، ويتدحرج من «حي راق» إلى «حارة شعبية»، كما حدث لوسط العاصمة الرباط.

هناك مدارس أهدرنا بين فصولها أجمل سنوات العمر، وقذفتنا الأيام بعيدا عنها، وحين رجعنا – ذات حنين- نفتش بين جدرانها عن الذكريات والخربشات التي حفرنا على الحيطان والأشجار، وجدنا أنها اندثرت ونبت مكانها فندق أو مصنع أو محلات تجارية أو تجزئة سكنية أو مزبلة فسيحة يرمي فيها الناس فضلاتهم الوسخة أو فيلا فخمة سطا عليها أحد الأثرياء الطارئين… أجل، الأمكنة، أيضا، تموت أو يكون مصيرها مأساويا، مثل البشر تماماً!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأمكنة أيضا تموت الأمكنة أيضا تموت



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib