أبو لهب

أبو لهب!

المغرب اليوم -

أبو لهب

بقلم - جمال بودومة

عندما تتأمل ما يحدث في المملكة السعيدة، خلال السنوات الأخيرة، تكاد تقتنع أن هناك شخصا يريد إشعال «العافية» في البلاد، لكنه يفشل. كل مرة يقدح عود ثقاب ويرميه على كومة تبن، لكن اللهب لا يسعفه لحسن الحظ، ويعيد الكرة بالاستهتار نفسه، لعله ينجح في «إشعالها» أخيرا، كي يتفرج على البلاد وهي تحترق، كما فعل نيرون بروما… ليس هناك تفسير آخر!

مهما فكرتَ وبصّرتَ ونجّمْتَ، من الصعب أن تفهم التصعيد الذي تقوده أطراف في الدولة ضد الصحافيين والحقوقيين والمتظاهرين السلميين، الذين يرفعون مطالب اجتماعية مشروعة، من الريف إلى جرادة، ومن «الجمعية المغربية لحقوق الإنسان» إلى «جذور»، ومن بوعشرين إلى الريسوني… كأن هناك من يصر على استفزاز الشعب كي يخرج إلى الشارع، ويرضي نزعته المجوسية!

الوضع مستتب لحد الآن، لكن إلى متى؟ الضغط يولد الانفجار. ولأن التراجعات خطيرة في المجال السياسي والحقوقي، فإن النار يمكن أن تشبّ في أي لحظة، وحين تتصاعد ألسنة اللهب وتحرق الأخضر واليابس، سيكون من الصعب إخمادها.  وذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين: مضت ثلاث سنوات على الانتخابات التشريعية، التي راهنت فيها الدولة العقيمة، عفوا العميقة،  على إلياس العمري كي يهزم «العدالة والتنمية»، وحين خذلته الصناديق، جمع قادة الأحزاب كي يقنعهم بالانقلاب على بنكيران، لكن شباط تمرد وقلب عليهم الطاولة، ليمروا إلى «الخطة باء»: أعدموا شباط وأخرجوا بنكيران من المشهد. استبدلوه بسعد الدين العثماني، الذي شكل حكومة بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وتتخذ شكل الإناء الذي توضع فيه.

ورغم كل التنازلات التي قدمها من سمّاه البعض بـ»بنعرفة»، ها هو يجد نفسه اليوم أمام الحائط، بعدما نُسبت إليه كل أسباب الفشل، وأصبح مجبرًا على تشتيت أغلبيته، واستبدال حكومته بفريق تكنوقراطي، لا يملك عليه أي سلطة، مما يدق مسمارا جديدًا في نعش دستور 2011.

قبل ثلاث سنوات، خرج الشباب في الحسيمة للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والجغرافية. صحيح أن التظاهرات كانت غير مسبوقة، واستمرت لشهور، دون أن تنجح محاولات احتوائها… لكن السؤال الذي يطرحه كل العاقلين في البلد: هل الحل هو اعتقال العشرات والحكم عليهم بعشرين عاما سجنا؟ حتى كبار أباطرة الحشيش في المنطقة لم ينالوا تلك العقوبة!

توفيق بوعشرين كان يدير هذه الجريدة، التي لا يعجب خطها التحريري مزاج السلطة، وافتتاحياته كانت مزعجة، تدافع عن عبدالإله بنكيران وتشوش على خطة إخراجه من المشهد السياسي، لكن السؤال الذي يطرحه العاقلون في البلد: هل ذلك مبرر للحكم على الرجل باثني عشر عاما، بعد فيلم هوليودي رديء، استبيحت فيه أعراض النساء، ودمرت عائلات بأكملها؟!  وماذا فعلت هاجر الريسوني كي تستحق كل هذه القسوة؟ حالة الإجهاض المؤكدة لحد الآن، هي إجهاض «المشروع الحداثي الديمقراطي»، الذي حبلت به البلاد التي…  في بدايات ما سمي بـ»العهد الجديد». وحتى لو افترضنا جدلًا أن هاجر  أجهضت، الأرقام تفيد أن ما بين ستمائة وثمانمائة امرأة يسقطن جنينهن كل يوم، ألم تجد السلطة إلا الصحافية الشابة كي تنكل بها على هذا النحو؟ هل ذنبها في اسمها العائلي؟ أي جبن أن نعاقب النساء حين نعجز عن مواجهة الرجال؟!

دون الحديث عن المساكين الذين سقطوا «أضرارًا جانبية» في هذه الحرب القذرة: اللاجئ السوداني، والطبيب الحاصل على وسام ملكي، ومسؤول التخدير وسكرتيرة العيادة.

مشكلة «من يصنعون الشمس والمطر» في أجمل بلد في العالم، أنهم لا يتعلمون من التجارب، وإلا ما كانوا تصرفوا كما يتصرفون اليوم. ما أشبه اليوم بالبارحة. «الڤيراج» السياسي الذي دُفِعت إليه البلاد دفعا، قبل أكثر من عشر سنوات، عند تأسيس «الأصالة والمعاصرة»، وتشديد القبضة الأمنية، وتصفية المشاريع الإعلامية الجريئة، هو ما دفع الحشود إلى الشارع في 20 فبراير 2011، بمجرد ما انطلقت شرارة ما سمي بـ»الربيع العربي»، وانتهت القصة بارتباك في قُمرة القيادة، وخطاب التاسع من مارس، الذي أدى إلى إسقاط الحكومة، وعرض دستور جديد على التصويت، وإجراء انتخابات مبكرة أوصلت «العدالة والتنمية» إلى رئاسة الحكومة… والبقية تعرفونها.

اليوم، ها هي الطبقات التكتونية تتحرك مجددا تحت أقدامنا. الزلازل على الأبواب. التظاهرات التي شهدها العالم العربي في 2011، وأسفرت عن سقوط عدد من الأنظمة ونشوب حرب أهلية في سوريا وليبيا واليمن، عادت من جديد. الاحتجاجات تنتقل بالعدوى من بلد لآخر، غير معترفة بالحدود: الجزائريون أطاحوا بعبدالعزيز بوتفليقة ويواصلون التظاهر  احتجاجا على القايد صالح، السودان أسقط البشير، المصريون عادوا إلى الشارع احتجاجا على السيسي، والجماهير تصرخ في العراق: «الشعب يريد إسقاط النظام… الموجة الجديدة من «الربيع العربي» أصبحت واضحة للعيان (بالشدة على الياء). وفي الوقت الذي تشتعل فيه الحرائق بالجوار، مازال عندنا من يلعب بأعواد الثقاب… تبَّتْ يدا أبي لهب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبو لهب أبو لهب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib