بعض المسكوت عنه في النقاش حول الإرهاب

بعض المسكوت عنه في النقاش حول الإرهاب

المغرب اليوم -

بعض المسكوت عنه في النقاش حول الإرهاب

احمد عصيد

ثمة أمور تتعلق بظاهرة الإرهاب وبالإسلام في السياق الغربي، لا يستوعبها كثير من المسلمين في المجتمعات الإسلامية، حيث يقومون في غالبيتهم بإصدار أحكام أو اتخاذ مواقف لا تفيد في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، بقدر ما تسقط في تبريرها، وتتسبب بالتالي في استفحالها، مما يهدد مصالح الجالية المسلمة ومستقبلها بشكل كبير، ومن هذه الأمور ما يلي:

ـ أن الإسلام في السياق الغربي ليس هو إسلام المغرب أو الجزائر أو تونس أو الدول الإفريقية جنوب الصحراء، بل هو إسلام معولم وهابي النزوع والتوجّه، مرجعيته مشرقية خليجية أو أفغانية، فلسفته تطبيق النصوص الدينية حرفيا وبدون أية مراعاة للواقع المتجدد، واعتماد كل الوسائل في سبيل ذلك بما فيها العنف المادي المباشر، وهو إسلام مستقوي بشبكات تمويل هائلة، ويعتبر الدين دولة وسياسة وليس شأنا فرديا، كما أنه لا يخصّ المتطرفين والإرهابيين الذين هم قلة، بل يشمل أعدادا كبيرة من أبناء الجالية المسلمة التي تعاني من أزمة هوية خانقة، فتعتبر فقهاء بلدانها عملاء للسلطة، وتشكك في حسن إسلامهم، وتضع ثقتها في خطباء ودعاة التطرف الديني وفي القنوات العربية المروجة لخطابات الغلو الديني المعادي للدول والمجتمعات الغربية.

ـ أن الإسلام عند الغربيين لا يتمثل في نصوص الدين من قرآن وحديث، بل يتجسد في  سلوك المسلمين الذي يفهم على أنه "تطبيق للإسلام"، خاصة وأن المسلمين يظهرون تشبثا كبيرا بدينهم، ولا يفتئون يؤكدون على أنهم حريصون على جعل حياتهم مطابقة للنصوص الدينية، مما يجعل كل سلبيات سلوكاتهم تمثل تجسيدا للإسلام لدى الغربيين.

ـ أن العمليات الإرهابية في الغرب لا تؤدي كما يعتقد المتطرفون إلى شيوع الخوف بين الناس، او تراجع الدولة عن سياستها ومبادئها، بل على عكس ذلك تؤدي إلى التحرّر من الخوف بشكل كبير، وإلى مزيد من الإصرار على ترسيخ الديمقراطية، وسبب ذلك وجود أساس تعاقدي صلب تم الحسم فيه منذ أزيد من قرن، وهو التعاقد الديمقراطي الذي ما زالت تفتقر إليه المجتمعات الإسلامية التي تتطاحن داخلها مشاريع متناقضة.

 ـ أن الدول الغربية مبنية على فكرة الحرية وعلى نزعة عقلانية شديدة الحساسية من استعمال الدين في المجال العام، وأن رغبة المسلمين في فرض مظاهر تدينهم في الفضاء العام وفي القوانين، يؤدي إلى شعور الغربيين بتهديد مكتسباتهم (وخاصة الحريات الفردية) التي بذلوا من أجل تحقيقها تضحيات جسيمة، مما يجعل الخوف يحلّ محلّ فكرة التعايش السلمي.

ـ أن رغبة المسلمين في استثناء دينهم وحده من أي نقاش أو تناول نقدي في الغرب، أو من الإساءة لمقدساتهم الدينية (هذه الإساءة التي علينا أن نقرّ بأنها أمر سلبي)، يقتضي بالمقابل أن يكفوا عن إتيان الأفعال التي تعرض دينهم للنقاش أو التهجم، فالذي يعبر عن مشاعر الكراهية لغير المسلمين ويسميهم "خنازير" مثلا، ويعتبر أن مرجعيته الدينية هي التي أقرت ذلك، أو يطالب مثلا بتطبيق الشريعة في فرنسا احتراما لخصوصيته الدينية، أو الذي يطالب بالفصل بين الجنسين في المؤسسات، ملزم بتحمل كل ردود الأفعال المحتملة والتي منها السخرية، لأن السخرية تصبح رد فعل على سلوكات إسلامية شاذة ومثيرة للاستنكار، وهي سلوكات من المؤكد أنها تسيء إلى الإسلام بشكل كبير..

ـ أن سعي الإسلام السياسي إلى جعل الجالية المسلمة تتخندق في حياة طائفية خاصة تتعارض مع قوانين دولة الاستقبال، يؤدي إلى تضخيم وهم بناء دولة دينية إسلامية داخل الدولة الديمقراطية الحديثة، مما يؤدي إلى مزيد من النفور والكراهية للمسلمين، كما يؤدي إلى تهديد استقرار البلد المذكور وتهديد مصالح جميع مكوناته، بما فيها المكون الإسلامي. وقد أعلن بعض المتطرفين من لندن قبل عام أن "أول دولة غربية ستتحول إلى دولة إسلامية تطبق فيها الشريعة إن شاء الله هي بلجيكا" (كذا!).

أنّ القول إن "الإرهاب غريب عن الإسلام" لا يعفي المسلمين من نقاش فقهي دقيق حول النصوص المعتمدة من طرف المتطرفين، مع فحص المرجعيات الفقهية في تفسيرها وفهمها، والتباحث في كيفيات إيجاد مخارج اجتهادية ممكنة تقطع الطريق أمام استغلال تلك النصوص، وتبين الأسباب الداعية في السياق الراهن إلى عدم إمكان العمل بها.

ـ أن الصيغة الوحيدة الممكنة لتواجد الإسلام في السياق الغربي هي الصيغة العلمانية التي تجعل منه دينا للأفراد الذين يعيشون في ظل دولة علمانية تحمي جميع مواطنيها بغض النظر غن عقيدتهم أو لونهم أو عرقهم أو نسبهم وتساوي بينهم أمام القانون، الذي هو قانون محايد، لا ديني، وقابل للتعديل عند الحاجة.

ـ أن الإرهاب قد تحول إلى سوق وعمل احترافي لا علاقة له بأي دين، حيث أصبح يعمد إلى وسائل الدعاية العصرية للقتل والتفجير والانتحار مثلما تقوم شركات الإنتاج بالدعاية لأية بضاعة سينمائية، وهو ما يغري الشباب الغربي الضائع بالبحث عن المغامرة وعن  فسحة من الوقت يطلقون فيها العنان لنزواتهم الهوجاء ولغريزتهم في التدمير خارج رقابة القانون والدولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعض المسكوت عنه في النقاش حول الإرهاب بعض المسكوت عنه في النقاش حول الإرهاب



GMT 18:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 18:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 18:09 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 18:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 18:00 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 17:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 17:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 17:49 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024
المغرب اليوم - طائرة مغربية بدون طيار تعيد رسم ملامح الصناعة الدفاعية الوطنية

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib