أربيل والقضاء في اليوم التالي للانسحاب

أربيل والقضاء... في اليوم التالي للانسحاب

المغرب اليوم -

أربيل والقضاء في اليوم التالي للانسحاب

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

افتراضياً، يكمل المسؤول الأميركي الكبير إجابته على أسئلة الصحافيين في نهاية مؤتمره الصحافي بعد الإعلان عن خروج آخر جندي لبلاده من العراق، من دون أن يحدد كيفية تعاطي واشنطن المستقبلي مع العراق، دولة ومكونات؛ إذ يبدو أن هذه المكونات العرّقية أو الطائفية منقسمة أفقياً في ما بينها وعمودياً، أي داخل كل مكون؛ ما يعني أن الجماعات العراقية الكردية والسنية والشيعية هي بحالة تشظي وتفكك داخلي وقابلة للاشتعال في ما بينها أو من داخلها، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها فشل المصالحة الوطنية بعد 21 سنة على سقوط نظام صدام حسين، وفشل العلاقة ما بين المركز والأطراف، وفشل تطوير عمل مؤسسات الدولة وتطويق عمل سلطاتها التنفيذية والتشريعية وأخيراً القضائية.

المتحول الجديد في العلاقة ما بين المركز، أي الحكومة المركزية في بغداد، والأطراف، أي حكومة إقليم كردستان في أربيل، هو قدر الأخيرة في المواجهة بينها وبين القضاء العراقي، أي المحكمة الاتحادية وقراراتها، التي دفعت أربيل إلى التلويح بالانسحاب من العملية السياسية، وهنا يعلق مناضل كردي مخضرم شارك في أغلب المعارك السياسية والقتالية التي خاضها الأكراد في الستين سنة الأخيرة بوجه من حكم بغداد أو ضد الغزاة، إنه حتى قبل خروج الأميركي افتراضياً، فإن هناك مجهولاً معلوماً يدفع بالمحكمة الاتحادية إلى إخضاع طرف كردي تسود علاقته ببغداد منذ سنوات كثيرة التوترات وهي تسوء يوماً بعد يوم، وهذا يجعل من المحكمة ذات الشأن الدستوري الكبير بنظر الكرد إحدى أدوات قمعهم السياسي، وتعيدهم بالذاكرة إلى زمن القضاء الثوري المؤدلج الذي كان يصدر أحكاماً ظالمة بحقهم أفراداً أو جماعات.

ترفض سلطات بغداد بشكل قاطع الاتهامات بأن قرارات الاتحادية مسيّسة، فقد أصدر الإطار التنسيقي الحاكم والذي تسوده خلافات حادة داخلية، بدأت تعيق عمل حكومة السوداني، بياناً يوم الخميس الفائت بأنه «ينظر بعين الاحترام إلى المحكمة الاتحادية ورئيسها»، ولكن هذا البيان ليس كافياً لتغطية خلافات الإطار حتى حول قرارات الاتحادية، خصوصاً موقف الفاعل السياسي الشيعي التقليدي المرتبط بالنجف الذي يسعى دائماً للحفاظ على العلاقة التاريخية مع الأكراد وخصوصاً بيت البارزاني.

في المقابل، تستثمر بغداد الانقسام الكردي - الكردي غطاءً لقرارات الاتحادية، بأن هناك طرفاً كردياً فاعلاً لم يعترض على قراراتها، بل أعلن التزامه بها، وهذا ما يدفع أربيل إلى إعادة حساباتها الكردية - الكردية، والكردية - العربية، وهنا يأتي الموقف المرن الأخير للزعيم الكاكا مسعود بارزاني حول إمكانية المشاركة في الانتخابات، وارتباطه بتحولات تشهدها بغداد قد تعيد خلط الأوراق السياسية بشكل تام، حيث لا يمكن للحزب الديمقراطي الكردستاني الانسحاب من العملية السياسية في الوقت الذي يتهيأ الجميع لعودة التيار الصدري إلى العملية السياسية، وفي الوقت الذي تتسع الهوة بين الإطارين التقليديين والقوى الحديثة بالسياسة والحكم، ويتخذ نوري المالكي كل دفاعاته بوجه من يلوح ضده بالإزاحة الجيلية ومطالبته بالتقاعد، فيما حكومة السوداني التي تسير بين ألغام الإخوة الأعداء بدأت تتحمل أعباء قرارات الاتحادية تجاه الفاعل السياسي الكردي والسني.

في السابق، أي ما قبل 2003 كان الأكراد يتعاملون مع فاعل سياسي واحد بيده السلطات كافة، أما ما بعد التغيير فقد خاض الأكراد معارك عديدة مع مؤسسات وسلطات مختلفة وفي أغلب ظنهم أن هناك في الداخل والخارج من يدفعها أو يحركها؛ لذلك فإن موقف أربيل المتشدد من المحكمة الاتحادية وقراراتها التي تُعدّ بنظرهم تقويضاً ممنهجاً لسلطة الحكم الذاتي ومفاهيم الفيدرالية، جاءت نتيجة فاعل سياسي مُستجد على العملية السياسية يخطط إلى تفكيك العملية السياسية وفقاً لحساباته الداخلية وارتباطاته الإقليمية؛ ما يجعل الأمور تصل إلى حد الطلاق بين المكونات العراقية إذا استمر هذا الفاعل الحديث بالسياسة في مشروعه. لذلك؛ قدر أربيل الجغرافي يهندس حدود قدرتها ويفرض عليها التعايش مع قضاء باعتباره أجلها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أربيل والقضاء في اليوم التالي للانسحاب أربيل والقضاء في اليوم التالي للانسحاب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib