أربيل ــ بغداد ــ واشنطن في اليوم التالي للانسحاب

أربيل ــ بغداد ــ واشنطن... في اليوم التالي للانسحاب

المغرب اليوم -

أربيل ــ بغداد ــ واشنطن في اليوم التالي للانسحاب

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

افتراضياً، يُكمل المسؤول الأميركي الكبير إجاباته عن أسئلة الصحافيين في نهاية مؤتمره الصحافي بعد خروج آخر جندي لبلاده من العراق، ويرد على سؤال مُحرج حول مستقبل العلاقة بين واشنطن وأصدقائها العراقيين خصوصاً الأكراد، فيقول: «يُحتمل أن القيادة الأميركية ستتحرك إذا استدعت الحاجة لحماية مصالحها في العراق»، ولكن من دون أي تفسير لكلمة «مصالح» الفضفاضة، ويضيف: «إننا نؤكد للأصدقاء والشركاء في كردستان وفي بغداد أننا جاهزون إذا اقتضت الحاجة». في نهاية أجوبته يعلّق مخضرم كردي خاض عقوداً من الكفاح من أجل القضية الكردية بأنه في الشرق الأوسط الكبير، وبعد تجربة عقود مريرة مع واشنطن، أدرك الجميع أنها ليس لديها أصدقاء حقيقيون أو شركاء دائمون، فهي تتعامل مع الجميع «بالقطعة» ووفقاً لمصالحها، وحتى طهران تدخل ضمن قائمة شركائها في بعض الأحيان، أما الحلفاء فليس لديها في منطقتنا إلا حليف واحد هو إسرائيل.

انحياز واشنطن الدائم إلى تل أبيب دفعت ثمنه أربيل أكثر من مرة، وهو الذريعة التي تستخدمها طهران وفصائلها المسلحة للضغط على واشنطن عراقياً عبر أربيل، فيما واشنطن التي تُلوّح بفكرة الدفاع عن الأصدقاء والشركاء لم تُحرك دفاعاتها الجوية للتصدي للصواريخ والمسيّرات التي ضربت كردستان ما دام هدفها غير أميركي، وهنا يُعلق الزعيم الكردي الرئيس مسعود بارزاني قائلاً: «إيران تبرر هذه الجرائم بأن هناك مراكز استخبارات دولية وتحديداً (الموساد)، وأنا متأكد من أنه لو كان هناك مقر للموساد لما تجرأوا على ضربه».

لذلك فإن طهران المرابطة على حدود الإقليم لا تنظر إلى احتمال الانسحاب الأميركي من العراق بمنظور عسكري فقط بل سياسي بامتياز، فخروج العدد القليل المتبقي من الجنود الأميركيين سيُطلق يدها سياسياً في العراق، ويُنهي التوازن الذي كانت تفرضه واشنطن، حيث ستبدأ الجماعات المسلحة في بغداد بفرض إرادتها حتى على أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والتيارات السياسية العائلية، ومن ثم على الإقليم والمناطق الأخرى بمختلف مكوناتها، ضمن استراتيجية عاصمة المقاومة المركزية.

مشروع عاصمة السلطة المركزية بالنسبة إلى الفصائل وطهران لا يتناسب مع ما قاله وزير الخارجية الأميركي أمام الوفد الكردي برئاسة رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني الذي زار واشنطن مؤخراً، تحت ضغوط احتمال الانسحاب الأميركي ولو افتراضياً، فقد أغدق بلينكن كثيراً من وعوده التي لا تضمن تحركاً أميركياً عاجلاً إذا استدعت الحاجة الكردية، فتقدير أربيل للخطر يختلف عن تقدير واشنطن حتى لو كانت تنظر إلى أربيل على أنها حجر الأساس في علاقتها مع العراق، فإلى الآن لا تتعامل واشنطن مع الفصائل المسلحة التي تقيّد عمل حكومة بغداد، وتطمح إلى تقويض عمل حكومة كردستان بوصفها خطراً حقيقياً، لذلك ماذا سيصدق الكردي؛ كلاماً أميركياً أم واقعاً إيرانياً؟

يعود المخضرم الكردي إلى ما سمعه من قادته ومن الأميركيين، ويطرح تساؤله الغريب عن مصالح واشنطن العراقية والكردية، وهل تتضارب أو تتقاطع مع قرارات المحكمة الاتحادية الأخيرة، التي تحمل في طياتها تقويضاً للحكم الذاتي وتقييداً لاستقلالية مؤسسات الإقليم المالية والتشريعية، وفتح أزمة الميزانية العامة وعائدات النفط والمعابر، فالتسوية بين بغداد وأربيل ضرورية، إلا أن هناك شكوكاً في قدرة حكومة بغداد على تنفيذ التزاماتها بسبب ضغوط الفصائل عليها.

أما المحكمة الاتحادية ومَن يقف خلفها فبحاجة إلى إقناع الأكراد بالتوطن في بغداد وليس بتوطين رواتبهم، وحماية انصهارهم الوطني، فأكراد بغداد، أي الذين تبغددوا، على أعتاب العودة الجماعية إلى الجبال بعد محاولة اغتيال أحد رموزهم صاحب مؤسسة «المدى» الثقافية فخري كريم، وهي رسالة واضحة لأربيل، وخصوصاً لمسعود بارزاني، أن بغداد لم تعد تحتمل حتى أصحاب الهويات المركّبة؛ فخري كريم العراقي اليساري الكردي الشيعي بات ثقلاً على بغداد بكتبه وصحيفته ومعارضته، فالمدينة يراد لها أن تقرأ بكتاب واحد وأن ترتدي زياً واحداً وتتحدث بمنطق واحد.

يسأل عضو في الوفد الكردي الموجود في واشنطن أحدَ المهتمين الأميركيين بالشأن العراقي عن تفسيره لمحاولة اغتيال فخري كريم، فيسأل بدل أن يجيب: هل لدى السيد كريم مجموعة مسلحة أو مكتب اقتصادي أو حصة حكومية؟ فمن الممكن أن يكون هذا خلافاً على مكاسب. يصمت السياسي الكردي عميقاً ويتذكر حين سأل أحد كبار الأميركيين كاكا مسعود عن صورة والده الزعيم التاريخي الملا مصطفى بارزاني: من هو؟ يتساءل العراقيون جميعاً: هل التعاطي الأميركي مع العراق بهذه السذاجة أم أنه تساهُل مقصود؟ وللحديث بقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أربيل ــ بغداد ــ واشنطن في اليوم التالي للانسحاب أربيل ــ بغداد ــ واشنطن في اليوم التالي للانسحاب



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib