بيروت علامَ تراهن باريس

بيروت... علامَ تراهن باريس؟

المغرب اليوم -

بيروت علامَ تراهن باريس

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

حتى الآن لا يبدو أن باريس مستعدة للقيام بخطوة إلى الوراء والتراجع عن طرحها الرئاسي، ففي كواليسها لم يزل مرشحها الممانع الوزير سليمان فرنجية، ثابتاً حتى الآن، ورغم الرسائل المحلية والخارجية التي تلقّتها عن صعوبة وصوله إلى قصر بعبدا فإن المقيمين في قصر الإليزيه لم يفقدوا الأمل ويصرّون على خوض المعركة حتى النهاية، فإصرار باريس على التمترس خلف مرشح الثنائي الشيعي دفع أغلب الفرقاء اللبنانيين إلى استهجان موقفها والتساؤل عمّا تراهن.

في تبنيها لمرشح لا يحظى بالإجماع المسيحي الرئيسي ولا بقبول من أغلب الجماعات الأخرى، تتصرف باريس بعكس موقفها التقليدي تجاه مسيحيي لبنان أولاً وطبيعة علاقتها مع اللبنانيين جميعاً ثانياً، فالواضح خلف العناد الفرنسي أن باريس تراهن على أن يعطيها الثنائي الشيعي مساحة نفوذ أوسع في لبنان، بعد تراجع الدور المسيحي في العقود الأخيرة، والذي أثّر في بعض جوانبه في دورها، لذلك يبدو أن الرهان الفرنسي على استعادة الدور والنفوذ في لبنان وفي الشرق الأوسط بات عبر ربط مصالح باريس بقوى عقائدية مسلحة في لبنان، والذي في اعتقادها أو رهانها أنه سيساعدها على توسعة دائرة مصالحها الإقليمية، حيث من الممكن أن يقوم الراعي الإقليمي للثنائي الشيعي بتوسيع دائرة مصالحها النفعية في بيروت ودمشق وبغداد وصولاً إلى طهران.

فعلياً الخفة الفرنسية بالانحياز الرئاسي قد تصطدم مستقبلاً بأي توتر إيراني - غربي بخصوص ملف طهران النووي إذا لم تُستأنف المفاوضات بين إيران وبين مجموعة دول (5+1) مجدداً، وإذا لم تساعد الدول الأوروبية المشاركة في المفاوضات على التخفيف من الضغوط الأميركية على المفاوض الإيراني، فإن طهران المعنية برفع العقوبات الأميركية عنها والتي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، ليست بوارد منح الأوروبيين وخصوصاً الفرنسيين أدواراً سياسية واقتصادية في مناطق نفوذها، وهذا ما لم تدركه باريس، أن المعركة التي تخوضها في بيروت نيابةً عن الثنائي الشيعي ستبقى ممسوكة من طهران التي تضع شروطها وتسيطر على مسارها، لذلك فإن رهانها في العودة إلى المنطقة عبر لبنان ولكن من بوابة الثنائي الشيعي ستبقى موقتة مهما كانت منافعها.

ما لم تدركه باريس بسياستها اللبنانية منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2021 حتى الاستحقاق الرئاسي، أن اللاعبيْن الإقليمييْن الكبيريْن (السعودية وإيران) يسيران بخطوات ثابتة نحو مصالحة دائمة، وهذا يعني أنهما مَن سيحددان مساحات عمل الآخرين في مناطق حضورهما المشتركة، وأن طهران في مرحلة انتقالية صعبة معنية بتعزيز تقاربها مع الرياض أكثر من أي عاصمة أخرى، لذلك ستأخذ في حساباتها اللبنانية مستوى القبول السعودي لأي تسوية رئاسية على الرغم من أن الرياض ترفض الدخول في لعبة الأسماء وتصر على المواصفات والمعايير في اختيار المرشحين واعتبار الاستحقاق الرئاسي شأناً لبنانياً داخلياً.

أما على الضفة الأخرى فإن المسايرة الفرنسية لطهران في محاولة لتعزيز مصالحها الإقليمية، خصوصاً الاقتصادية، وتعويض الغياب الأميركي الموقت عن السوق الإيرانية، لن تدوم طويلاً، إذ داخل مراكز صنع القرار الإيراني هناك من يتعامل مع الأوروبيين كتعويض عن غياب الولايات المتحدة، وفي حال نجحت المفاوضات النووية فإن طهران معنية برفع العقوبات الأميركية عنها وإعادة ترميم علاقتها مع واشنطن على مستوى ما كانت عليه في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما يعني أن عيون طهران الدائمة على واشنطن وليست على باريس، كما أن هناك من يهيّئ الأرضية في طهران أمام القيادة الجديدة حتى لو كانت متشددة لعلاقة طبيعية مع واشنطن قائمة على نظام المنافع المتبادلة وهذا على الأرجح سيكون على حساب المصالح الفرنسية.

وعليه فإن باريس الغارقة في أوهام المصالح والمنافع من المحتمل أن تخرج خالية الوفاض لبنانياً وإقليمياً أو بقدر محدود من المكاسب لا تتناسب مع حجمها ودورها، كونها راهنت على المكان الخاطئ في زمن التحولات الكبرى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيروت علامَ تراهن باريس بيروت علامَ تراهن باريس



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 17:27 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة
المغرب اليوم - النوم الجيد مفتاح لطول العمر والصحة الجيدة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023

GMT 11:08 2023 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

بلينكن يشيد بـ«الصمود الاستثنائي» للأوكرانيين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib