موسكو ـ حلب وعقدة برلين

موسكو ـ حلب وعقدة برلين

المغرب اليوم -

موسكو ـ حلب وعقدة برلين

بقلم : مصطفى فحص

لم يعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معنًيا بمواقف الدول الكبرى ومؤسساتها الدولية والإقليمية٬ إن كانت متواطئة معه في حربه على ثورة الشعب السوري٬ وقبولها ا لوجهة نظر الكرملين٬ أو إن كان جز ًءا من هذا الصمت العالمي عما يجري الآن في حلب لا يخلو من الخبث والتآمر على موسكو من أجل الضمني في إنهاء النزاع وفقً ج ّرها إلى مزيد من الغرق في المستنقع السوري٬ فالرئيس الروسي بكل ما يملك من قوة عسكرية بحرية وجوية وبرية٬ لن يتوقف تدخله في سوريا قبل أن يتمكن من إخراجه.

آخر مقاتل للمعارضة السورية من مدينة حلب٬ حًيا كان أو ميتً فقد التقط بوتين الإشارة باكًرا منذ أن تخلى باراك أوباما عن معاقبة الأسد على استخدامه السلاح الكيماوي ضد مواطنيه٬ وأيقن أن العالم ترك السوريين يواجهون وحدهم مصيرهم المجهول٬ وأن الرأي العام الدولي المنشغل في تحديد أولوياته الاستراتيجية بين الإرهاب والاستبداد٬ لن يخرج رأسه من الرمال قبل إعلان موسكو انتصارها في حلب٬ فبعض ما تكتبه الصحف الأميركية والأوروبية٬ إضافة إلى بعض التصريحات المتفرقة الخجولة٬ لن تدفع بوتين إلى التريث أو التفكير بتخفيف اندفاعه أو خفض مستوى نيرانه٬ فحتى اللحظة٬ لا توجد أي مؤشرات إيجابية من موسكو تجاه ما كشفته صحيفة «واشنطن بوست» عن مساعٍ حثيثة يجريها وزير الخارجية الأميركي جون كيري٬ من أجل التوصل إلى تسوية تفضي إلى إخراج مقاتلي جبهة فتح الشام من المدينة٬ وفك الحصار عن مناطق المعارضة٬ والتوصل إلى تسوية ميدانية تقطع الطريق على الروس
في استغلال التقدم في حلب لإقناع ترامب بالتخلي عن دعم المعارضة٬ إلا أن القيصر المستمتع بأصوات مدافعه وغارات طيرانه٬ ما ٍض في استغلال فرصة ذهبية٬ من المستحيل أن تتاح مرة أخرى في ملء الفراغ الأميركي خلال مرحلة انتقالية بين إدارتين متناقضتين٬ تحول لأول مرة في التاريخ الأميركي إلى ضياع في القرارات والسياسات.

فبوتين المنشغل بالتجربة السوفياتية٬ يضغط من أجل السيطرة على الشطر الشرقي من مدينة حلب قبل دخول دونالد ترامب البيت الأبيض٬ ويتصرف من موقع القوي الذي يمتلك زمام المبادرة٬ غير مستعد أن يعطي خصومه الغربيين الفرصة كي يتمكنوا من عرقلة تقدمه العسكري الحاسم في الصراع السوري٬ والضغط عليه من أجل إبقاء أجزاء من المدينة خارج سيطرته٬ تتحول إلى موطئ قدم يستغلها بعض الصقور في إدارة ترامب والحزب الجمهوري وبعض من حلفائهم الأوروبيين الرافضين للتقارب مع موسكو٬
من أجل إضعاف موقع الكرملين التفاوضي.

فعلى الرغم من التقدم الميداني الحاسم٬ لا تخفي موسكو قلقها من خلفيات التصريح الأخير لوزير الخارجية البريطاني٬ بوريس جونسون٬ عن ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في حلب وتجنب كارثة إنسانية٬ الذي تزامن مع قيام أكثر من 120 عضًوا في مجلس العموم البريطاني بتقديم طلب إلى رئيسة الوزراء٬ تيريزا ماي٬ بإسقاط المساعدات

الإنسانية جًوا فوق مناطق حلب المحاصرة٬ وجاء في نص الطلب أن «وقت الأعذار قد انتهى٬ وليس من المقبول أن نقف لنشاهد أكثر من 100 ألف طفل يواجهون موتً ا قاسًيا٬ لأننا لا نستطيع أن نوفر لهم الإمدادات الطبية والغذائية»٬ حيث بات من غير الوارد في قناعات فلاديمير بوتين الاستراتيجية التراجع عن حلب والقبول ببرلين بطيئً

جديدة٬ فبالنسبة للقيادة الروسية الحالية من غير الممكن الوقوع بالفخاخ نفسها التي نصبها الحلفاء للسوفيات في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية٬ عندما كان الجيش الأحمر المنتصر على الجبهة الشرقية على مسافة 60 كلم من عاصمة الرايخ الرابع برلين٬ بينما كانت قوات الحلفاء على الجبهة الغربية تبعد مسافة 400 كلم عنها٬ لكن القيادة السوفياتية أوقفت الزحف ووافقت على لقاء في يالطا 4 فبراير (شباط) 1945 يضم الرئيس الأميركي روزفلت٬ ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل٬ والديكتاتور السوفياتي ستالين٬ الذين اتفقوا على رسم خريطة جيوسياسية جديدة للعالم ما بعد النازية٬ حيث كانت برلين أول ضحاياها بعد أن تحولت إلى خط التماس الذي قسم العالم طوال الحرب الباردة إلى معسكرين.

في يالطا٬ تعمد السوفيات ترك المخلفات العسكرية للجيش الألماني مرمية على جانبي الطريق المؤدي إلى قصر ليفاديا الذي عقد فيه الاجتماع الثلاثي٬ كي يظهروا للأميركيين والبريطانيين قوة الجيش السوفياتي٬ وانتشاره الواسع على كل جبهات أوروبا الشرقية٬ وهو ما يحاول الكرملين إعادة تمثيله٬ فهو يستعرض في حلب أضخم وأهم ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الروسية٬ ويعمل على إظهار ضعف المعارضة وتقهقرها٬ لكنه لن يتردد في دخول المدينة٬ فهي باعتقاده المعبر الوحيد إلى يالطا جديدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موسكو ـ حلب وعقدة برلين موسكو ـ حلب وعقدة برلين



GMT 11:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

قاليباف... عن ثنائية الكيان والصيغة في لبنان

GMT 17:50 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ذاكرة لأسفارنا الأليمة

GMT 18:41 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إيران... بين الثابت والمتحول داخلياً وخارجياً

GMT 17:46 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

طهران ــ تل أبيب... مسار التصعيد

GMT 13:06 2024 الجمعة ,27 أيلول / سبتمبر

إيران لا تريد الحرب

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 21:24 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 09:02 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib