بانتظار أن يذوب ثلج آستانة

بانتظار أن يذوب ثلج آستانة

المغرب اليوم -

بانتظار أن يذوب ثلج آستانة

بقلم : مصطفى فحص

فيما يشبه التطبيق الحرفي لما يعرف «بمتلازمة استوكهولم»٬ فضل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ارتداء سترة مصنوعة من فروة دب روسي٬ تقيه ونظامه من موجة صقيع روسية٬ لم تكن متوقعة٬ تسيطر حالًيا على المناخات السياسية الدولية٬ التي فرضت على بلاده التنقل بين موسكو وآستانة٬ وهما من العواصم السياسية الأكثر برودة في العالم. فبعد اجتماع موسكو الثلاثي الذي عّبد الطريق أمام الأتراك إلى العاصمة الكازاخية٬ حيث ارتضت أنقرة الاختباء خلف ما تسميه ضرورات حماية أمنها القومي ومصالحها الجيوسياسية٬ كي تتمكن قدر المستطاع من التخفيف من حدة الخسائر التي تتعرض لها منذ عام٬ بعد أن ضربت منطقة شرق المتوسط عاصفة تدخل روسية في سوريا أشبه بموجة برد سيبيرية أدت إلى تجمد جميع مشاريع الحلول التي قدمها المجتمع الدولي لإنهاء الصراع السوري٬ مما انعكس بمزيد من البرودة على العلاقة بين أنقرة وحلفائها التقليديين في الـ«ناتو» التي وصلت إلى مستوى التجمد.

ليس من المتوقع أن يخرج من قمة آستانة ما يرضي أطرافها الثلاثة «موسكو٬ أنقرة٬ طهران»٬ الذين حولتهم الوقائع الميدانية الأخيرة في سوريا إلى لاعبين حصريين بعد الانكفاء الأميركي والغياب الأوروبي والانحصار العربي٬ فقد كشف لقاء موسكو منذ أيام عن حجم من التناقضات يصعب تجاوزها٬ خصو ًصا بين أنقرة وطهران٬ فالأخيرة التي ذهبت للمشاركة في لقاء موسكو من موقع المنتصر في حلب٬ كانت تنتظر من الروس أن يتعاملوا معها على طاولة المفاوضات من موقع الحليف الشريك في صنع الانتصار٬ إلا أن صدمة الوفد الإيراني المشارك كانت واضحة عندما ارتأى المهندس الروسي للاجتماع المساواة بينهم وبين الأتراك على الطاولة٬ ووضعهما في جهة واحدة جنًبا إلى جنب٬ حيث تحول المشهد إلى اجتماع اثنين مقابل واحد٬ بينما كانت طهران تطمح إلى أن يكون ثلاثي الأطراف أو أقله أن يجلس وزير خارجيتها إلى جانب نظيره الروسي مقابل وزير الخارجية التركي٬ فمما لا شك فيه أن الكيفية التي تم فيها تحديد أماكن جلوس الوفود على الطاولة إضافة إلى ما سرب ا التصرف الروسي ولا المنطق الذي استند إليه.

من نقاشات٬ انعكس تجهًما واض ًحا على وجه الوزير الظريف الذي لم يستسغ ضمنً وعليه٬ تتعامل طهران بريبة مع الإصرار الروسي على ضرورة إنجاح مؤتمر آستانة٬ الذي يتطلب ضرورة الاعتراف بالدور التركي في سوريا والقبول بما تمثله أنقرة على المستويين الإقليمي والإسلامي٬ وهو ما يؤرق قادة النظام في طهران٬ الذين يشككون في النيات التركية باعتبار أن أنقرة لم تتخ َل فعلًيا حتى الآن عن فكرة رحيل الأسد ولو في مرحلة متأخرة من المفاوضات٬ أو عن طريق انتخابات حرة برعاية أممية٬ كما أن طهران المصرة على اعتبار كل من يحمل السلاح بوجه نظام دمشق إرهابًيا٬ عبرت عن استيائها من نجاح أنقرة في انتزاع اعتراف ولو شبه محدود من الروس بالجيش الحر٬ حيث كشفت المعلومات عن قيام عسكريين روس بلقاء ضباط ممثلين عنه في أنقرة٬ فسعي موسكو وأنقرة إلى التوصل لوقف شامل لإطلاق النار فوق كل الأراضي السورية٬ قبل انعقاد مؤتمر آستانة يقابله ميل إيراني إلى ضرورة الاستمرار بالهجوم على المعارضة بهدف إنهائها عسكرًيا٬ مما سيجعل أنقرة الطرف الأضعف على طاولة الحل٬ ويجعل موسكو أكثر اتكالاً عليها ميدانًيا مما يعزز مواقعها في أي تسوية جدية٬ وهي تتخوف من توجه روسي نحو العرب٬ وخصو ًصا الدول الخليجية ودعوتهم إلى الشراكة في التسوية٬ مما يخفف عن موسكو أعباء انحيازها إلى إيران وسياستها المذهبية في سوريا والمنطقة.

فيما تبدو موسكو المفتونة بعضلاتها أكثر حر ًصا على التوصل إلى اتفاق ما في آستانة٬ فهي لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي تمتلك زمام المبادرة وتحاول أن تفرض أجندتها على المجتمع الدولي وانتزاع اعتراف أميركي في انتدابها على الشرق الأوسط٬ ولكنها تتخوف من استدارة أوروبية تعيد تقييم الوضع السوري بعد ارتفاع أصوات أوروبية مؤثرة خصو ًصا في لندن وباريس وبرلين٬ تعتبر أن سوريا باتت خط الدفاع الأول عن أوروبا بوجه الأطماع الروسية٬ وبأنها تحاول إقناع واشنطن بالمقايضة بين سوريا وأوكرانيا.

يشرح علماء الاجتماع «متلازمة استوكهولم» بأنها حالة نفسية تصيب الفرد عندما يتعاون مع خصمه أو من أساء إليه٬ أو يظهر بعض علامات الولاء له٬ وهذا ما يفسر السلوك التركي في التعاطي غير المنطقي مع الرغبات الروسية في سوريا٬ لكنها تبقى مرحلية محدودة التأثير٬ بانتظار أن تتضح معالم السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة٬ وخياراتها الاستراتيجية٬ فإن مقررات اجتماع آستانة مجمدة كغيرها من المقررات الدولية السابقة٬ بانتظار أن يذيب ارتفاع درجة حرارة السياسة الدولية في الأشهر المقبلة ثلج آستانة ليظهر المرج.

المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بانتظار أن يذوب ثلج آستانة بانتظار أن يذوب ثلج آستانة



GMT 11:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

قاليباف... عن ثنائية الكيان والصيغة في لبنان

GMT 17:50 2024 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

ذاكرة لأسفارنا الأليمة

GMT 18:41 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

إيران... بين الثابت والمتحول داخلياً وخارجياً

GMT 17:46 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

طهران ــ تل أبيب... مسار التصعيد

GMT 13:06 2024 الجمعة ,27 أيلول / سبتمبر

إيران لا تريد الحرب

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib