إيران والعبادي خيارات محدودة

إيران والعبادي... خيارات محدودة

المغرب اليوم -

إيران والعبادي خيارات محدودة

بقلم - مصطفى فحص

في الثاني عشر من شهر مايو (أيار) المقبل، يخوض العراق انتخابات برلمانية هي الأكثر تأثيراً على مستقبل العملية السياسية ما بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003، فقد فرضت ظروفها الداخلية والخارجية على القوى السياسية العراقية، خصوصاً الشيعية، إعادة القراءة لمواقفها وموقعها في خريطة التوازنات السياسية الداخلية، حيث من المرجح أن تفرض نتائجها إعادة تشكيل الواقع السياسي العراقي العام، ضمن ضوابط جديدة متصلة بتحولات إقليمية ودولية ستؤثر على العراق وجواره العربي والإقليمي.

لذلك تمارس طهران أعلى درجات ضبط النفس، الذي تطلق عليه عادة مصطلح الصبر الاستراتيجي، الذي ستستمر في تطبيقه حتى ما بعد إعلان نتائج الانتخابات، إلى أن يتم تكليف رئيس جديد للوزراء. فالمرحلة المقبلة تفرض عليها العمل من أجل الحفاظ على مكاسبها الجيوسياسية الضخمة التي مكنتها من السيطرة على قرار الدولة العراقية لأكثر من 10 سنوات، وسمحت لها بإحاطة ملفات إقليمية، من خلال الممر الذي أمنه لها العراق باتجاه شرق المتوسط حتى البادية السورية.

فطهران التي فشلت في تشكيل ائتلاف انتخابي واسع يفوز بأكبر عدد من المقاعد، في مواجهة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، تحاول الوصول عبر من تبقى لها من حلفاء في ائتلاف الفتح (الحشد الشعبي) وكتلة دولة القانون (نوري المالكي) إلى كتلة برلمانية وازنة تؤمن لها حضوراً قوياً على طاولة المفاوضات لاختيار رئيس جديد للوزراء، والمشاركة في توزيع الحصص داخل الحكومة.

والمفارقة أن طهران التي تتلمس يوماً بعد يوم ترهل دورها في العراق، وعجزها في فرض أجندتها، أرسلت مندوبها السامي الجنرال قاسم سليماني منذ أسابيع إلى بغداد، في مهمة استطلاعية لمرحلة ما بعد الانتخابات، بغض النظر عن الأرقام التي ستحصل عليها الكتل الشيعية المتنافسة، للبحث مع الحلفاء الموثوقين في كيفية منع حيدر العبادي من الوصول إلى دورة ثانية.
فمخطط طهران لإقصاء العبادي كان يعتمد أولاً على حصول قائمة «الفتح» و«دولة القانون» على قرابة 70 مقعداً لكي يشكلا العمود الفقري للائتلاف الوطني الجديد، ويتمكنا من إقصاء حزب الدعوة عن قيادته، ومن ثم إبعاده عن العملية السياسية، من خلال طرح أسماء بديلة للعبادي من خارج الصندوق، بالتزامن مع إضعاف دور السيد مقتدى الصدر، وحصار السيد عمار الحكيم، باعتبارهما حليفين مفترضين للعبادي، إلا أن مهمة سليماني فشلت لأسباب كثيرة؛ أولها وضع إيران الداخلي، وسقوط هيبة النظام، التي أثرت على هيبة سليماني العراقية، حيث حدّت من قدرته على التأثير على القوى السياسية الشيعية، إضافة إلى عجزه عن حل الخلافات بين قيادات قائمة الفتح (المهندس والعامري)، وتمسك الأخير بالترشح لمنصب رئاسة الوزراء.

ومن الطبيعي أن تنعكس هذه الخلافات على خيارات الناخب العراقي، حيث من المتوقع ألا تتجاوز مقاعد هذا التحالف 55 مقعداً، إضافة إلى غياب الأسماء المقنعة لتولي منصب رئاسة الوزراء، ما يجعل مهمة سليماني شبه مستحيلة، خصوصاً أن بلاده تبلغت إنذاراً أميركياً من عواقب الاستمرار في تنفيذ مشروع الهيمنة على الدولة العراقية؛ تحذيرات حملها أكثر من دبلوماسي كبير زاروا طهران في الفترة الأخيرة، وقاموا بنقل رسائل شديد اللهجة من وزارة الدفاع الأميركية المعنية مباشرة باستقرار العراق إلى القيادة الإيرانية، تحذرها من مغبة تجاوز الخطوط الحمراء في العراق، ومن محاولة تغيير معادلات الخريطة السياسية العراقية الجديدة.

في المقابل، يدخل العبادي السباق الانتخابي وفي جعبته الانتصار على «داعش»، واستعادة كركوك، والانفتاح على المحيط العربي، ويعتمد على ثلاثية (السلطة والجيش والمرجعية): فالأولى تؤمن له حضوراً لدى الرأي العام العراقي الذي يرتبط دائماً بحركة السلطة، ونظام المصالح والخدمات التي توفرها؛ وأما الجيش الذي يقوده، فبات المؤسسة الوحيدة التي تحظى بإجماع كل العراقيين، ورمزاً لوحدتهم الوطنية ولهيبة الدولة؛ فيما تؤمن المرجعية حماية مشروطة لبقائه في منصبه حفاظاً على استقرار العملية السياسية، فأوراق القوة هذه لم تعد متوفرة في أي من الشخصيات التي قد تطرحها طهران كبديل للعبادي الذي يحظى بقبوله داخلياً، خصوصاً لدى سنة العراق، ورعاية خارجية استثنائية.

في الثاني عشر من مايو المقبل، المفترض أن يتابع قاسم سليماني الأحداث الإقليمية والعالمية عبر شاشتين: واحدة ترصد سير الانتخابات البرلمانية العراقية، والأخرى تتابع جلسة الكونغرس الأميركي حول مستقبل الاتفاق النووي مع إيران، وهو يعلم جيداً مدى انعكاس الثاني على المتغيرات الداخلية العراقية، والتحولات الإقليمية والدولية في التعاطي معه، ما يفرض تأقلماً إيرانياً مع تحولات العراق وثوابته، حيث لا خيار أمام طهران إلا القبول مجبرة بالعبادي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران والعبادي خيارات محدودة إيران والعبادي خيارات محدودة



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 00:09 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الأوروبي ... أوهام ديغولية

GMT 04:42 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

عن التيار المدني، بشقية المحافظ والعلماني

GMT 04:40 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اليمن بين الإنسانية والسياسة

GMT 11:28 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن الإقليمى و«مصالح أهل المنطقة»

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib