مذكـرة الأحـزاب الأربـعـة

مذكـرة الأحـزاب الأربـعـة

المغرب اليوم -

مذكـرة الأحـزاب الأربـعـة

محمد الساسي


رفعت أحزاب المعارضة الأربعة (حزب الاستقلال – الأصالة والمعاصرة – الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية – الاتحاد الدستوري) مذكـرة إلى الملك، مؤرخـة بـ 26 مارس 2015، تطلب تحكيمه إثر تصريحات لرئيس الحكومة اعتبرتها المذكرة منافية للدستور، وخاصة التصريح الذي أدلى به في الراشيدية يوم 15 مارس 2015، والذي ورد فيه أن الملك تعرض لضغوطات كادت تسقط الحكومة، ولكنه صمد في وجهها. واتهمت المذكرة عبد الإله بنكيران بإقحام المؤسسة الملكية في الصراع الحزبي وبإشاعة معلومات خاطئة تقدم حزبه كحزب مميز لدى الملك، مما ينتهك مبدأ المساواة بين الأحزاب ويعرقل الاختيار الديمقراطي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.

وأشارت المذكرة إلى أن طلب التحكيم جاء لتجنب مواجهة علنية لن تخدم مصالح البلاد ونبل العمل السياسي (؟ !)

ورغم أن بنكيران، حين أقحم الملك في صراعه مع خصومه، صنع ذلك في سياق استحسان الموقف الملكي، فإن الكثير من خطابات رئيس الحكومة يطرح، بكل تأكيد، مشكلة حقيقية؛ فالرجل يلمح، أو يشير صراحة، إلى وقائع جنائية خطيرة يقول إنها تحصل في البلاد بدون أن يربط ذلك بإثارة الواجب الملقى على حكومته والقاضي بفتح مساطر وتحقيقات وتتبعات ومُساءلات (علاقة خصومه بتجارة أو تجار المخدرات مثلاً).

معارضو بنكيران، أيضاً، يلعبون اللعبة، ذاتها، ويمعنون في محاولات الإيحاء بأنهم يحظون أكثر من غيرهم برضى الملك ويتحدثون كما لو كانوا ناطقين رسميين باسمه؛ فبعد تقديم المذكرة، صرح أحد موقعيها بأن “جلالة الملك، من خلال تكليف مستشاريه بالإنصات لقادة الأحزاب الأربعة، استجاب فوراً لأنه حريص على ألا يُستغل شخصه في الصراعات الحزبية” و”لم يسبق في تاريخ المغرب أن حصل مثل هذا التفاعل الفوري مع المذكرات”. وللتذكير، فالأستاذ عبد الرحمان اليوسفي واجه معارضيه، كذلك، بشعار “حكومة صاحب الجلالة” رغبة منه في ترتيب نتيجة مفادها أن كل ما تصنعه الحكومة يوافق الإرادة الملكية.

ويظهر أن مصدر قلق وانشغال المعارضة الرباعية لا ينحصر في محاولة بنكيران إظهار حزبه بمظهر الحزب الذي يحظى بأفضلية ملكية، بل يمتد ليشمل مجمل خطاباته ونبرته الهجومية الحادة ككل. لقد اعتبر لشكر أن تصريحات بنكيران تستوجب متابعته جنائياً لأنها تصف معارضيه بالفاسدين و”الشفارة”؛ لكن خطابات قادة الأحزاب الأربعة لا تقل عنفاً، فهي اتهمت بنكيران بالولاء لـ “داعش” والعمالة للموساد وشَبَّهَتْهُ بهتلر، وذهبت إلى أن الملك غاضب عليه وأن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى زعزعة استقرار البلاد، لكن “المغرب زاوية بها إمارة المؤمنين، ولذلك لن تنجح مساعي زعزعته”.

المذكرة تطلب تحكيم الملك في قضية لا تستدعي، ربما، مثل هذا التحكيم؛ فوظيفة الملك كحكم بين المؤسسات، المنصوص عليها في الفصل 42 من الدستور، تعني، إجمالاً، حق تدخل الملك في حالة قيام نزاع بين المؤسسات، أي بين الحكومة والبرلمان، أساسًا، لمعالجة الوضع بالشكل الذي يضمن دوام الدولة واستمرارها وحسن سير المؤسسات.ونحن، اليوم، أمام تصريحات لرئيس الحكومة،تقدم معلومات،ولسنا أمام تضارب في القرارات، مثلاً، أو تنازع في الصلاحيات أو اصطدام أو أزمة أو اختلال في السير المؤسسي وفي أسس التعايش بين المؤسسات.

المعارضة الرباعية تشعر بأنها مُسَّتْ في صورتها لدى الرأي العام وأصابها ضرر معنوي، لكن أحداً لم يمنعها من ممارسة حق الرد، وما الذي يجعلها تعتقد أن الناس ستصدق كلام رئيس الحكومة ولن تصدق كلام قادتها؟

والمذكرة لا يُستشف منها، بوضوح، نوع الإجراء الذي تنتظر من الملك أن يباشره.. هل “التحكيم” الذي ينتظره محررو الوثيقة هو صدور إشارة “توبيخ” من الملك إلى بنكيران أو نقطة نظام ملكية تتولى التذكير بأن القصر يقف على المسافة نفسها من جميع الأحزاب؟ وهل يعتبرون أن الوضع السياسي في البلاد محتاج إلى هذا التذكير في مرحلة التحضير للانتخابات، وأنه سينفعهم انتخابياً وسيكون بمثابة رسالة إلى رجال ونساء الإدارة الترابية؟ لقد أبدى إدريس لشكر مخاوفه من “وجود مؤامرة على صناديق الاقتراع” !

والمذكرة تكاد تفترض أن الملك لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، بينما هو موجود في الميدان، يواكب ما يجري بدقة، وحكم المباراة لا يحتاج إلى من يطالبه بالتدخل فهو يمكن أن يوقف اللعب أو يطرد لاعباً، تلقائياً، بدون انتظار التوصل بشكوى. وقد سبق لبنكيران أن اعتذر إلى الملك وإلى مستشاريه علناً، ومعنى ذلك أن رئيس الحكومة تلقى، ربما، إشارة تفيد بأنه تجاوز الحدود وأخل بالأصول والقواعد المرعية، أي أن النظام يتوفر على ما يكفي من أجهزة للتلقي والالتقاط وأجهزة للإرسال وبث الإشارات.

والمذكرة تـنم عن شعور محرريها بنوع من الضعف وعدم الثقة في النفس، والخوف من أن تتدنى نتائجهم في الانتخابات المقبلة، فهم يحسون بأن تصريحات بنكيران تقويه انتخابياً، وهذا ما يفسر الإلحاح في المذكرة على مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة بين الأحزاب.

لا شك أن المعارضة الرباعية تستحضر ما تكشفه استطلاعات الرأي العام من استمرار شعبية بنكيران، وحشود الجماهير التي تشارك في تجمعاته، ونزوله شخصياً لتأطير تظاهرات حزبه، ومحدودية الأثر الذي خلفته المسيرات المنظمة ضده والإضراب العام والاحتجاجات القطاعية.

الأحزاب الأربعة لا تتبين، بالقدر الكافي، ملامح المرحلة المقبلة. هي تعلم أن هناك تحالفاً بين النظام وحزب العدالة والتنمية لترتيب وضع ما بعد “الربيع”، ولكنها لا تريد لهذا التحالف أن يعمر طويلاً وأن يؤدي إلى المزيد من تهميشها.

والمذكرة تقدر قيمة ووزن الشخص، داخل التحالف المشار إليه، وتدرك أنه لولا بنكيران لاتخذ هذا التحالف شكلاً آخر، ولولا بنكيران لحملت الحياة السياسية اليوم في المغرب طعماً آخر. يمكن أن يعيب البعض على المذكرة شخصنتها للصراع السياسي وتركيزها على الشخص عوض الانكباب على التجربة ككل، ولكن الجميع يعلم بأنه لا يمكن الحديث عن هذه التجربة دون الحديث عن مركزية دور بنكيران فيها.

والمذكرة لا تندرج، بالضرورة، في سياق الاستقلالية عن النظام، بل في سياق إسداء خدمة ثمينة له ومساعدته على تلبية الحاجة، التي قد يستشعرها الآن، إلى الحد من نفوذ حزب العدالة والتنمية،رغم التحالف معه، وتمنح النظام ، ولو بدون إذن مباشر منه ربما، فرصةً أو أساساً لبذل حركة أو القيام بتدخل في اتجاه لجم الاندفاع البنكيراني وتقليص حظوظ حزبه في حصد المزيد من المكتسبات.

قد يستفيد النظام من وجود المذكرة بواسطة استخدامها في لعبة ضبط التوازنات، ولكن ذلك لن يغير شيئًا من جوهر الحقيقة القائمة اليوم في البلاد، وهو أنه ليس هناك حزب آخر في المغرب قادر على أن يقدم إلى النظام الخدمات التي يقدمها إليه حزب العدالة والتنمية، وخاصة بفضل رصيد المصداقية التي يتمتع بها الحزب حتى الآن؛ ذلك أن حزب بنكيران دَعَّمَ النظام في خطته لإطفاء جذوة الحراك بالشارع، وفتح السبيل نحو إجراء العمليات المؤلمة التي لم يكن بمستطاع الحكومات السابقة إجراؤها (المقاصة – التقاعد)، ووجه ضربة قاصمة إلى دينامية الإضرابات في القطاع العام من خلال الاقتطاعات، وكاد أن يخلي الشارع من مظاهرات الخريجين العاطلين بدون تقديم بدائل مقنعة لحل مشكلتهم، وترك الأجهزة النافذة تفعل ما تشاء بدون حسيب ولا رقيب، وضمن استمرار الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية في البلاد، وأسهم في خطط قص أجنحة المجتمع المدني غير المنصاع وفي التضييق على النشطاء الحقوقيين وقمع الرموز والتنظيمات المتحركة في الحقل السياسي المضاد، وشارك بحيوية ملحوظة في تأسيس وتزيين الأطروحة القائلة بأن هاجس الحفاظ على “الاستقرار الذي ننعم به” وكسب الحرب على الإرهاب أهم من إرساء ديمقراطية حقة وإنجاز الإصلاحات البنيوية الكبرى.

إلى متى سيستمر تحالف النظام مع بنكيران؟ هذا سؤال يؤرق محرري المذكرة ولا يتوفرون، بصدده، على جواب !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذكـرة الأحـزاب الأربـعـة مذكـرة الأحـزاب الأربـعـة



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 06:07 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صادرات الحبوب الأوكرانية تقفز 59% في أكتوبر

GMT 06:23 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

صندوق النقد يتوقع نمو اقتصاد الإمارات بنسبة 5.1% في 2025

GMT 06:50 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح لتحديد أفضل وقت لحجز رحلاتكم السياحية بسعر مناسب

GMT 04:32 2020 الإثنين ,23 آذار/ مارس

ستائر غرف نوم موديل 2020

GMT 15:48 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتسرّع في خوض مغامرة مهنية قبل أن تتأكد من دقة معلوماتك

GMT 05:27 2015 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تشن حملة ضد ممثلة نشرت صورها دون الحجاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib