ليس بالهرب إلى أمام تحلّ الجزائر مشاكلها

ليس بالهرب إلى أمام تحلّ الجزائر مشاكلها

المغرب اليوم -

ليس بالهرب إلى أمام تحلّ الجزائر مشاكلها

خيرالله خيرالله

تبدو السلطات الجزائرية في حيرة من أمرها وذلك في وقت يمرّ البلد بمرحلة انتقالية تسبّب فيها وجود رئيس مقعد هو عبدالعزيز بوتفليقة. لا يوجد من يستطيع القول لبوتفليقة إنّ البلد يواجه تطورات مستجدة تفرض أن يكون هناك رئيس قادر على كسر قوالب الماضي التي حوّلت الجزائر إلى بلد مريض على غرار رئيسه.

لم تمض أيّام على تطويق الأحداث التي عصفت بغرداية الواقعة في جنوب البلد، وهي أحداث أدّت إلى سقوط ما يزيد على عشرين قتيلا ودمار كبير ببعض أحياء المدينة، حتّى تمكن إرهابيو “القاعدة” من قتل تسعة جنود في منطقة أخرى لا تبعد أكثر من مئة وأربعين كيلومترا عن العاصمة.

من العمل الإرهابي الذي ارتكبته “القاعدة” إلى ما حدث في غرداية، ثمّة حاجة إلى التفكير في المستقبل بدل ترك الأمور تتردى على كلّ صعيد. ليس كافيا توجيه اتهامات إلى هذا الطرف أو ذاك كي تجد الجزائر حلولا لأزماتها. الأكيد أن الاتهامات الموجّهة إلى المغرب والصادرة عن مسؤول كبير لا تعني سوى رفض مواجهة الواقع، بل الهرب منه، لا أكثر ولا أقلّ.

لنعد إلى ما حدث في غرداية حيث تواجه سنّة وأباضيون. الأباضيون، وهم أمازيغ، معروفون أيضا بالمزابيين، وهم من أنشط التجّار في الجزائر ومن أكثر المواطنين اجتهادا. عاش العرب والأمازيغ سنوات طويلة في ظل وئام تام. لم يطرح في أيّ يوم موضوع الخلافات المذهبية والعرقية. الموضوع مستجد وبدأ يأخذ أبعادا خطيرة منذ اندلعت فجأة الصدامات في غرداية في العام 2008.

تجدّدت الاشتباكات بين العرب والأمازيغ، وهم أباضيون، مرّات عدّة في السنوات الماضية. كانت السلطات الجزائرية تعمل في كلّ مرّة على احتواء الوضع في المدينة، كما في غيرها من المناطق حيث توتر بين العرب والأمازيغ وبين السنّة والأباضيين.

ثمّة حاجة دائمة لدى النظام الجزائري إلى الهرب من الواقع. هناك عبارة واحدة تلخّص هذا الواقع الذي له اسم، إنّه الجزائر المريضة. لم يعد معروفا هل الجزائر هي المريض أم بوتفليقة وحده المريض. كيف يمكن لبلد أن يبقي رئيسا عاجزا في موقعه، بل أن ينتخب هذا الرئيس لولاية جديدة، خصوصا في ظل حاجة الجزائر إلى رأس للدولة يتابع كل صغيرة وكبيرة ويعمل ما لا يقلّ عن اثنتي عشرة ساعة يوميا.

هل يمكن لبلد أن يعمل بشكل طبيعي، بينما رأس الدولة يعاني مما يعاني منه عبدالعزيز بوتفليقة؟

كان يمكن التغاضي عن مرض بوتفليقة لولا أن النظام في الجزائر نظام شبه رئاسي. رئيس الجمهورية يمتلك صلاحيات كبيرة جدا في كل مجال، خصوصا عندما يتطلّب الأمر اتخاذ قرارات خطيرة من نوع كيف التصدي لمشكلة معقّدة، باتت مشكلة مزمنة لها أكثر من بعد، كمشكلة غرداية.

مشاكل الجزائر لا تحصى ولا تعدّ. غرداية جزء صغير من هذه المشاكل. لكنّ هذا الجزء من المشاكل الجزائرية يمكن أن يتطور نحو الأسوأ في سرعة رهيبة وأن يتخذ طابعا وطنيا في غياب البحث عن حلول جذرية تقوم أول ما تقوم على المساواة بين الجزائريين واعتماد خطط للتنمية.. والعمل الجدّي للتصدي لـ“القاعدة”.

هل يعقل أن تكون هناك مناطق جزائرية، بعضها ملاصق للمدن الكبرى، تعاني من فقر مدقع لا وجود لمثيل له حتّى في بنغلادش أو في دول تقع في مجاهل أفريقيا؟ مثل هذه المناطق هي خير حاضنة للإرهاب والإرهابيين، خصوصا لـ“القاعدة” وما شابهه من تنظيمات متوحّشة.

الأكيد أن البحث عن حلّ يبدأ بالاعتراف بوجود أزمة عميقة في غرداية وبأن هناك مشكلة في مجال محاربة الإرهاب. الحل لا يكون عبر توجيه اتهامات مبطنة وغير مبطنة إلى المغرب. الحل بالتساؤل أوّلا لماذا تتكرّر الأحداث في غرداية ولماذا لا يزال تنظيم “القاعدة” نشطا في الأراضي الجزائرية؟

في العام الماضي، انفجر الوضع في غرداية. وقع قتلى وجرحى. لا يزال الأمازيغ يشكون حتّى اليوم من الظلم اللاحق بهم من إخوانهم العرب. هل الجميع مواطنون في بلد واحد؟

بكل بساطة، تبدو أحداث الأسبوع الماضي في غرداية قابلة لأن تتكرّر في غياب الجهد الجدي للغوص في أعماق الأزمة. إنّها قبل كل شيء أزمة ثقة بين المواطن ودولته ومؤسساتها التي لا تزال تعمل بالطريقة المتخلّفة نفسها منذ وصول هواري بومدين إلى السلطة في العام 1965 من القرن الماضي.

لا تزال مجموعة من كبار الضبّاط، من ذوي الامتيازات، تسيطر على مقدرات البلد. دخلت على البلد مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز. شهد عهد بوتفليقة، الذي بدأ في 1999، ارتفاعا هائلا في أسعار النفط والغاز جعل الجزائر دولة غنيّة مجدّدا. صارت الجزائر تمتلك احتياطا ماليا كبيرا فاق المئة وخمسين مليار دولار.

بدل صرف هذه الأموال في التنمية وفي تحقيق العدالة الاجتماعية، استُخدم جزء منها لرشوة المواطنين وتخديرهم وإسكاتهم بدل تعويدهم على العمل المنتج عن طريق مشاريع كبيرة تصبّ في مكافحة البطالة. فالبطالة مشكلة أساسية في الجزائر وتلعب دورا كبيرا في تشجيع التطرّف في بلد يفتقد المدارس والبرامج التعليمية التي تساعد في منع خلق أجيال من الجهلة والمتطرفين الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام الحقيقي وثقافة التسامح والاعتراف بالآخر.

لم يتغيّر شيء في الجزائر على الرغم من سقوط الحزب الواحد بعد الثورة الشعبية في خريف 1988 والتي تسبب فيها هبوط أسعار النفط والغاز. لم تجد الجزائر وسيلة للتخلص من اعتمادها على أسعار النفط والغاز، على العكس من المغرب الذي طوّر نفسه ومواطنيه ومناطقه كافة، من دون تمييز، من أجل بناء اقتصاد متطور ليس رهينة لدى أحد.

بقيت الجزائر تعاني من الفساد والجمود ومن سياسة قائمة على خلق المشاكل في محيطها، لعلّ ذلك يخفف من مشاكلها الداخلية ويبعد الأنظار عن تلك المشاكل. إبعاد الأنظار عن المشاكل شيء والاعتراف بها شيء آخر. الاعتراف بالمشاكل يتطلب جرأة ورجال دولة.

بدل أن تلعب الجزائر دورا إيجابيا في الاستقرار الإقليمي، أكان ذلك في ليبيا أو تونس، نجدها في بحث دائم عن دور ما تعتقد أنّ آخرين ينافسونها عليه. هناك بحث مستمر عن دور بدل الانصراف إلى الوضع الداخلي والتعاون مع دول المنطقة في مكافحة الإرهاب.

هذا ما فهمه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد متأخّرا. إلى أن تبيّن له، في مطلع تسعينات القرن الماضي، أن النظام أقوى منه. إنّه نظام أسير معادلة معيّنة غير قادرة على التطلع إلى أهل غرداية بعيونهم. يؤمن النظام بأنّ النفط والغاز كفيلان بحل مشاكله، وأنّه يكفي توجيه الاتهام إلى هذا الجار أو ذاك، كي لا تعود مشكلة في الجزائر.

عاجلا أم آجلا، سيتوجب على الجزائر التصالح مع نفسها. هذا يعني في طبيعة الحال مواجهة مشاكل البلد كما هي من دون لفّ أو دوران. في مقدّم المطلوب مواجهته أنّ الشعب الجزائري شعب عظيم ولديه رجال سياسة من النوع الاستثنائي. هؤلاء قادرون على التصدي لمشاكل البلد بعيدا عن المزايدات والشعارات والعناد والمزايدات. كلّ المطلوب مواجهة الواقع بدل الهرب منه، عبر الاحتماء خلف رئيس أسير عقده الشخصيّة قبل أي شيء آخر.

لا شكّ أن بوتفليقة كان حاجة للبلد في مرحلة ما، لكنه لم يعد قادرا على ممارسة مسؤولياته بأي شكل من الأشكال.. ولو في الحدّ الأدنى منها. هل لدى الجزائر القدرة على الاعتراف بهذه الحقيقة بدل الالتفاف عليها؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس بالهرب إلى أمام تحلّ الجزائر مشاكلها ليس بالهرب إلى أمام تحلّ الجزائر مشاكلها



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib