بين وطني دائما على حق… ولبنان أولا

بين 'وطني دائما على حق'… و'لبنان أولا'

المغرب اليوم -

بين وطني دائما على حق… ولبنان أولا

خير الله خير الله

مهّد سليمان فرنجية الجدّ لوصوله إلى رئاسة الجمهورية اللبنانية في العام 1970 بمقال نُشر له في الصفحة الأولى من جريدة “النهار” تحت عنوان “وطني دائما على حقّ”.
في السنة 2015، التي تشارف على نهايتها تحدّث سليمان فرنجية الحفيد عن “لبنان أوّلا” ووضعه مصلحة البلد وأبنائه “فوق كلّ مصلحة أخرى”. استهدف سليمان الحفيد، عبر الحديث التلفزيوني الذي أدلى به إلى الزميل مرسيل غانم تأكيد أنّه صار مرشّحا جديّا، وأنّ على “حزب الله” إيجاد طريقة لسحب النائب ميشال عون من سباق الرئاسة، وذلك عن طريق إقناعه بأن لا أمل له بتحقيق حلمه الذي كلّف لبنان واللبنانيين الكثير وذلك منذ العام 1988.

في النهاية ليس ميشال عون سوى أداة مسيحية استخدمها الحزب من أجل تحقيق أغراض معيّنة مستغلا نقاط الضعف في شخصية قائد الجيش السابق. على رأس هذه النقاط جهله بطبيعة “حزب الله” والسياسة الإيرانية في المنطقة من جهة، وهوسه الدائم برئاسة الجمهورية من جهة أخرى.

في ضوء الحديث التلفزيوني لسليمان الحفيد، الذي حاول من خلاله طمأنة اللبنانيين على أنّه سيكون “رئيسا للجميع”، صار الخيار الذي يواجه المواطن العادي هذه الأيّام في غاية الصعوبة.

إنّه خيار بين الوثوق بسليمان فرنجية رئيسا للجمهورية وتصديق ما قاله في الحديث التلفزيوني، وبين البقاء من دون رئيس للجمهورية مع ما يمثله ذلك من تهديد لمستقبل البلد.

يطرح هذا الخيار نفسه في وقت تمرّ فيه المنطقة بمرحلة انتقالية. هناك دولتان مهددتان بالزوال، أو التقسيم في أحسن الأحوال، هما العراق وسوريا. هناك، بكل بساطة، إعادة نظر في حدود العراق وبالكيان نفسه، كما ليس معروفا ما الذي سيحل بسوريا وهل يبقى شيء منها في ظل التجاذب الرباعي الإيراني ـ التركي ـ الروسي ـ الإسرائيلي.

تبقى شخصية سليمان فرنجية الحفيد موضع أخذ ورد طويليْن. توجد نقاط لمصلحة الرجل، ظهرت من خلال المقابلة التلفزيونية الأخيرة. كان سليمان فرنجية في غاية الصراحة. لم يتنكر لماضيه ولكونه “صديقا” لبشّار الأسد ولعلاقته بـ”حزب الله”.

قال الأشياء كما هي واعدا بأن يكون “رئيسا لجميع اللبنانيين” مركّزا على عبارة “لبنان أوّلا” المحببة لدى جمهور “الرابع عشر من آذار” الذي أخرج القوات السورية من لبنان، لكنّه اضطر، لاحقا، إلى العيش تحت التهديد اليومي لسلاح “حزب الله” الإيراني. هل يكفي الكلام الجميل لمواجهة الواقع الذي يعيش في ظلّه لبنان، بما في ذلك انخراط “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري بكلّ فئاته من منطلق مذهبي صرف؟

خرج الجيش السوري من لبنان في السادس والعشرين من نيسان ـ أبريل 2005 بعد احتلال استمرّ نحو ثلاثة عقود، ليحل مكانه سلاح “حزب الله” الذي سارع إلى دخول الحكومة اللبنانية، بحياء وخفر في البداية، تمهيدا لممارسة دور معطّل لكل مؤسسات الدولة اللبنانية.

قبل خروج الجيش السوري من لبنان، كان “حزب الله” مطمئنا إلى الوصاية التي تمارسها دمشق على لبنان واللبنانيين وعلى مؤسسات الدولة، بما في ذلك رئاسة الجمهورية. في عهد إميل لحود بين 1998 و2007، لم يعد رئيس الجمهورية اللبنانية أكثر من موظّف برتبة مدير عام في رئاسة الجمهورية السورية!

في ظلّ المستجدات السورية، حيث لم يعد بشّار الأسد سوى أداة تجاذب بين الروسي والإيراني، هناك لغز يواجه اللبنانيين. كيف سيتعامل سليمان فرنجية مع “حزب الله”؟ هل يستطيع لعب دور في التخفيف من وطأة تلك الميليشيا المذهبية التي عطّلت الحياة السياسية والعمل الحكومي، كما عزلت لبنان عن محيطه العربي وجعلت أهل الخليج ينأون بأنفسهم عن لبنان؟

لم يخدم عهد سليمان الجدّ لبنان واللبنانيين، كما وعد في مقاله “وطني دائما على حق”. في عهده بدأت الحرب الأهلية وحروب الآخرين على أرض لبنان. كان ذلك في العام 1975. في أساس فشل سليمان الجدّ ثقافته السياسية المتواضعة وعدم معرفته بالتوازنات الإقليمية والدولية، فضلا عن إحاطة نفسه بعدد لا بأس به من المستشارين الفاشلين من أشباه المثقّفين. فضلا عن ذلك، لم يكن يدرك المعنى الحقيقي لوصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا واحتكاره لها وأطماعه في لبنان. كان الرئيس السوري الراحل الذي نفّذ انقلابه في تشرين الثاني – نوفمبر 1970، أي بعد أقل من شهرين من دخول سليمان فرنجية الجدّ قصر بعبدا، يعتبر الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على إسرائيل، وكان يستخدم الوجود الفلسطيني المسلّح في لبنان لتأكيد أنّه يمتلك الورقة الفلسطينية. رفع شعار “القرار الفلسطيني المستقلّ بدعة”. دفع لبنان ثمنا غاليا نتيجة رفعه هذا الشعار.

لا شكّ أن صلاحيات رئيس الجمهورية اللبنانية في 2015 تختلف تماما عن تلك التي كان يمتلكها المقيم في قصر بعبدا في 1970. هناك فارق 45 عاما بين انتخاب الجدّ رئيسا، بفارق صوت واحد في مجلس النوّاب، واحتمال وصول الحفيد إلى هذا الموقع، بفضل تفاهم مع رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.

في أيام الجدّ، لم يكن أي طرف يمتلك القدرة على تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية. في أيّام الحفيد، ليس واردا انتخاب رئيس دون ضوء أخضر من إيران. لم يحسن الجدّ التعاطي مع النظام السوري. هل يحسن الحفيد التعاطي مع إيران ممثلة بحزبها المذهبي المسلّح الذي أقام دويلته على حساب الدولة اللبنانية، ووضع يده على المؤسسات الرسمية، واستباح الحدود بين لبنان وسوريا جاعلا الرابط المذهبي يعلو على كلّ ما عداه، بما في ذلك السيادة اللبنانية، أو ما بقي منها؟

من حسنات سليمان الحفيد أنّه لم يكذب على أحد في المقابلة التلفزيونية. قال الأشياء كما هي من دون مواربة. كشف حتّى الحجم المتواضع لمعرفته بما يدور حول لبنان. هل يُعتبر ذلك كافيا للوصول إلى قناعة بأن ليس أمام لبنانيين كثيرين غير الرهان عليه، على الرغم من أن رفع إيران الفيتو الذي تمارسه على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية ليس مضمونا مئة في المئة بعد؟

الخيار أمام اللبنانيين صعب، بل صعب جدا. لم يكن خيارهم على سليمان الجدّ في محلّه بأي شكل. لم ينفّذ أي كلمة من تلك التي وردت في مقال “وطني دائما على حق”.

يبدو خيار سليمان الحفيد خيارا إجباريا، على الرغم من أنّ في الإمكان إيجاد من يتمتّع بمواصفات تليق برئيس للجمهورية اللبنانية القادر على استيعاب المعادلات الداخلية والإقليمية والدولية بشكل أفضل.

يبقى في نهاية المطاف هل يعتبر الفراغ الرئاسي خيارا… حتّى في وقت لا وجود سوى لضمانة وحيدة هي أن سليمان الحفيد أفضل بمراحل من شخص مثل ميشال عون جعله هوسه برئاسة الجمهورية يتحوّل إلى “جندي لدى الوليّ الفقيه”، بعدما قبل في الماضي أن يكون “جنديا صغيرا في جيش حافظ الأسد”.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين وطني دائما على حق… ولبنان أولا بين وطني دائما على حق… ولبنان أولا



GMT 18:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 18:50 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 18:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 18:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 18:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 18:38 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 18:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib