بعض من التفاؤل بعودة لبنان…

بعض من التفاؤل بعودة لبنان…

المغرب اليوم -

بعض من التفاؤل بعودة لبنان…

خيرالله خيرالله

المؤتمر البحثي الذي استضافه المقر الجديد لـ'بيت المستقبل' كشف أن لبنان يعود تدريجيا إلى لعب دوره على الصعيد الإقليمي، أقله من زاوية أنه مكان تتفاعل فيه الأفكار بكل ما فيها من تنوع.

قبل أيام، يوم السبت الماضي تحديدا، عادت الحياة إلى “بيت المستقبل” الذي أسسه الرئيس أمين الجميّل. ما شهدناه يشكّل جزءا من ورشة عمل كبيرة يقوم بها الشعب اللبناني تُختصر في كلمة مقاومة. مقاومة الشعب اللبناني ليست كلاما فارغا، خصوصا أنّ اللبنانيين يدركون في العمق أنّ عليهم ممارسة مقاومة لـ“مقاومة” من نوع آخر ذات طابع مذهبي يحتكرها “حزب الله” بارتباطاته الإقليمية.

تلك “مقاومة” أخرى، لا علاقة لها بما يطمح إليه اللبنانيون. إنّها “مقاومة” تندرج في سياق استبدال الوصاية الإيرانية بالوصاية السورية – الإيرانية التي انتهى عهدها في العام 2005 مع خروج القوات السورية من لبنان إلى غير رجعة.

من هذا المنطلق، تبدو المقاومة اللبنانية في جانب منها مقاومة لـ“المقاومة” التي لا هدف لها سوى إلحاق لبنان بالمحور الإيراني – السوري الذي تتحكّم فيه طهران، التي تحوّلت إلى صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في دمشق.

صار لـ“بيت المستقبل” مقرّ جديد في سرايا بكفيا التي تجسّد التراث اللبناني وحقيقة باتت ثابتة في آن. تجسّد السرايا أنّ لبنان ليس دولة عابرة، بل هو ركن من أركان النظام الإقليمي وتركيبته، بغض النظر عن التغييرات التي ستطرأ على خارطة المنطقة.    

ما يكشفه المؤتمر البحثي الأول الذي استضافه المقر الجديد لـ“بيت المستقبل” أنّ لبنان يعود تدريجيا، وإن ببعض الحياء، إلى لعب دوره على الصعيد الإقليمي، أقلّه من زاوية أنّه مكان تتفاعل فيه الأفكار بكل ما فيها من تنوع. إنّه تفاعل إيجابي بين أفكار مختلفة، بحثا عن حلول للمشاكل المعقّدة التي يعاني منها الشرق الأوسط حيث لم يعد سرّا أن المواجهة أخذت، للأسف الشديد، بعدا مذهبيا في إطار ما يسمّى الإسلام السياسي بشقّيه السنّي والشيعي…

كان عنوان المؤتمر الأول لـ“بيت المستقبل” في مقرّه الجديد: مشروع مارشال العربي، شراكة وتعاون من أجل مستقبل أفضل للشرق الأوسط. ومشروع مارشال، باسم جورج مارشال وزير الخارجية الأميركي وقتذاك، هو مشروع المساعدات الأميركية لإعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. نجح هذا المشروع في إعادة الحياة إلى أوروبا، بما في ذلك ألمانيا من جهة، ومواجهة الخطر الشيوعي من جهة أخرى. لعلّ المقاربة الأهم في المؤتمر، هي في تلك المقارنة بين الفكر التوتاليتاري للنازية والشيوعية، الذي شكّل تهديدا للمجتمعات الأوروبية قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها وبعدها، والفكر المتطرف الذي يهدّد الشرق الأوسط حاليا. أكان هذا الفكر، فكر “داعش” وأخواته، أو فكر الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.

هناك مقطع في الخطاب الذي افتتح به أمين الجميّل المؤتمر يقول كلّ شيء، تقريبا، عن هدف المؤتمر. قال الرئيس اللبناني السابق “إنّ بيت المستقبل راغب وقادر على احتضان مبادرة لبنانية – عربية – دولية تقتبس تجربة مشروع مارشال، الاقتصادي الإنمائي، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. إنّ هذا المشروع أنقذ أوروبا وأعاد إعمارها وساهم في نهوضها من تحت الركام. ومنطقة الشرق الأوسط، بواقعها الأليم وكيانها المهدوم واقتصادها المأزوم، لن تقوم لها قيامة إلا بمشروع شبيه ومماثل. وفي البعد السياسي لهذا المشروع، أنّ إعادة الإعمار وضخّ الأمل في نفوس أبناء المنطقة من شأنهما المساهمة في الحدّ من الفكر التكفيري والمشاريع السلطوية، تماما كما واجه مشروع مارشال الفكر العقائدي التوتاليتاري في حقبة الحرب العالمية الثانية وما تلاها”.

أشار أمين الجميّل، بين ما أشار إليه، إلى أنّ “الأزمات والحروب أثرت بشكل كبير على التنمية في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، وأنّ إعادة إعمار سوريا والعراق وغزّة تحتاج إلى ما يقارب سبعمئة وخمسين مليار دولار، وفق تقرير للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) وذلك خلال العاميين 2013 و2014. وهذا الرقم غير نهائي كون العمليات العسكرية مستمرّة…”.

كانت هذه أفكار عامة ساهمت في رسم إطار للمؤتمر الذي تميّز بالذين تحدّثوا فيه طوال يوم كامل. من بين هؤلاء، إضافة إلى الرئيس اللبناني السابق، كلّ من بيتر ريمليه الممثل المقيم لمؤسسة كونراد أديناور في لبنان، وجو خوري أستاذ علم النفس الاجتماعي في الجامعة اللبنانية، وسليم الصايغ وزير الشؤون الاجتماعية السابق في لبنان، وسامي عون الأستاذ في كلية السياسة التطبيقية في جامعة شيربروك الكندية، وغونتر بكشتاين رئيس الوزراء السابق في مقاطعة بافاريا الألمانية، وجون بل مدير برنامج الشرق الأوسط والمتوسط في مركز توليدو في مدريد، وفيليب كراولي مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون العامة سابقا، وعبدالعزيز بن صقر رئيس مركز الخليج للأبحاث (أناب من تحدث عنه)، واندرز وينبوش الشريك الإداري لمؤسسة ستيت فاريوس، وبدر الحميضي وزير المال والنفط في الكويت سابقا، ونجيب ساويرس الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا القابضة، ورؤوف أبوزكي الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال، وحسن منيمنه مدير مؤسسة ميدل إيست الترناتيف في واشنطن دي. سي. كذلك، كانت هناك مداخلة قيّمة لوزير الاقتصاد السوري السابق الدكتور غسّان الرفاعي.

أفكار كثيرة طرحت خلال المؤتمر، من أهمّها ما يتعلّق بالتحول الجذري في الإطار الإستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط. ظهرت أفكار ملفتة للنظر تساعد إلى حدّ كبير في فهم السياسة الأميركية بالمنطقة، والتي يشكو عرب كثيرون من قصورها. هناك من شرح للحضور التركيز الأميركي الجديد على الصين وعلى مناطق أخرى في العالم بدل الشرق الأوسط، وعن صعود قوى لديها اهتمام أكبر من الاهتمام الأميركي بالمنطقة. على رأس هذه القوى تأتي الصين والهند. والبلدان يبنيان قوة عسكرية، خصوصا في المجال البحري.

كان هناك تركيز أيضا على ضعف روسيا التي لن تعود قادرة على منافسة القوى العالمية الأخرى في المدى الطويل. كان هناك أيضا عرض للأسباب التي تدعو إلى عدم الرهان على أوروبا.

بالنسبة إلى لبنان، فكانت أسئلة من نوع ما الثمن الذي سيدفعه الوطن الصغير عندما ينسحب “حزب الله” من سوريا وهذا سيحصل عاجلا أم آجلا؟ وما النتائج التي ستترتب على هذا الانسحاب في الداخل اللبناني وفي ظل الانقسامات التي يعاني منها البلد؟

العشرات من الأسئلة طُرحت في مؤتمر بكفيا. لكنّ الثابت أن هناك انطباعا عاما بات قناعة. هذا الانطباع هو أن إيران ستوقع اتفاقا مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشأن ملفّها النووي. أي دور ستلعبه إيران وأين موقعها في ظل التحول الجذري الذي ستتعرض له التوازنات في الشرق الأوسط؟ كان هناك ثابت آخر وهو أن النظام السوري انتهى، وأن الحديث الآن عن مرحلة ما بعد سقوط الأسد الابن.

بشكل عام لم يكن هناك قلق كبير على لبنان، على الرغم من كل الأعباء التي يتحمّلها نتيجة تدفّق اللاجئين السوريين عليه. هل مؤتمر بكفيا بداية عودة لبنان إلى لعب دور ما على الصعيد الإقليمي بعدما تبيّن أن تركيبته أقوى بكثير ممّا يعتقد؟

كان هناك ميل إلى بعض التفاؤل في ظل متابعة الوطن الصغير مقاومته المستمرّة منذ ما يزيد على خمسة وأربعين عاما، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969 من القرن الماضي. كان مؤتمر بكفيا بمثابة إعلان عن عودة ثانية لـ“بيت المستقبل” الذي يشرف عليه الصديق سام منسّى. كان كمن يضيء شمعة في الظلام الدامس الذي يعمّ الشرق الأوسط. كان كمن يضيء شمعة من أجل لبنان… من بكفيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعض من التفاؤل بعودة لبنان… بعض من التفاؤل بعودة لبنان…



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib