الانفصام الذي تعاني منه الجزائر

الانفصام الذي تعاني منه الجزائر

المغرب اليوم -

الانفصام الذي تعاني منه الجزائر

خير الله خير الله

أن يجد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وقتا للقاء مع الأمين العام لجبهة “بوليساريو”، فهذا يعطي فكرة عن حال الانفصام التي تعاني منها الجزائر. إنّه انفصام مع الواقع، بل هرب من هذا الواقع في وقت تبدو الحاجة أكثر من أيّ وقت للاهتمام بالداخل الجزائري من جهة، والحرب على الإرهاب من جهة أخرى.
يفرض مثل هذا الاهتمام الظروف الدقيقة التي يمرّ بها البلد في ضوء الظروف الصحّية التي يعاني منها بوتفليقة الذي فقد القدرة على الكلام بشكل جيّد. يستطيع بوتفليقة الخروج بجمل قصيرة، لكنّه لا يستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك في التعبير عمّا يدور في ذهنه، الذي لا يزال سليما في اعتقاد عدد من المسؤولين الغربيين الذين التقوه في الأشهر القليلة الماضية.

مرّة أخرى، هناك السؤال الذي يفرض نفسه بعد لقاء بوتفليقة زعيم “بوليساريو” محمّد عبدالعزيز الذي ليس سوى ابن لمواطن مغربي كان ضابط صف في الجيش الملكي. هذا السؤال هو من المريض؟ هل الجزائر مريضة أم بوتفليقة المريض؟ ما ذنب الجزائر إذا كان الرئيس مريضا وهناك مجموعة حوله ترفض، بأي شكل، الاعتراف بذلك، بل تصرّ على ممارسة مهمات رئيس الجمهورية من دون أن يكون هناك رئيس فعلي للجمهورية؟

قبل فترة قصيرة، طلبت مجموعة من الشخصيات الجزائرية المعروفة بقربها من بوتفليقة وبعلاقتها القديمة به، مقابلة الرجل، أقلّه لمعرفة حقيقة ما يدور في كواليس الرئاسة. جوبه الطلب بالرفض. كانت بين هذه الشخصيات زعيمة لحزب يساري صغير تدعى لويزة حنون لا يشكّ أحد في إخلاصها للجزائر، على الرغم من أن الأفكار التي يطرحها حزبها لا علاقة لها بالقرن الواحد والعشرين، بل حتّى بمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة في العام 1989، عندما سقط جدار برلين.


لا تزال حنون تعيش في مرحلة ما قبل سقوط جدار برلين، لكنّها كانت في الماضي القريب والبعيد على علاقة طيّبة ببوتفليقة. كلّ ما أرادته من خلال طلبها مع مجموعة من الشخصيات الأخرى التأكد من أنّ في الجزائر رئيسا يمارس صلاحياته وليس مجموعة محيطة به تمارس هذه الصلاحيات. هل بوتفليقة مؤهل ليكون في موقع رئيس الجمهورية؟ هل تكفي شهادات صادرة عن شخصيات غربية للتأكد من أنّه لا يزال صافي الذهن، وقادرا على أن يكون رئيسا؟

تجاوز النظام الجزائري كلّ هذه المعطيات. بالنسبة إليه لا معركة تعلو على المعركة مع المغرب. هذا يشير، بكلّ بساطة، إلى أن عقدة المغرب ما زالت تتحكّم بالنظام الجزائري الذي يرفض أن يتعلّم من تجارب الماضي القريب، بما في ذلك أن قضية الصحراء المغربية لم تعد مطروحة كما كانت عليه في الماضي. كلّ شيء تغيّر على الأرض منذ ربح المغرب حرب الصحراء، ومنذ بدأ مواطنوه في الأقاليم الصحراوية يعون أن “بوليساريو” ليست سوى أداة تستخدمها الجزائر للمتاجرة بهم لا أكثر ولا أقل. لو كانت الجزائر صادقة في التعاطي مع الصحراويين وتريد بالفعل أن يكون لديهم “الحق في تقرير المصير”، لماذا لا تقيم لهم دولة في أراضيها. أليس المواطنون في المناطق الجزائرية، التي على تماس مع الساحل الصحراوي، صحراويين؟

بعد مرور أربعين عاما على “المسيرة الخضراء”، تجاوز المغرب القضية المفتعلة التي اسمها قضيّة الصحراء. هناك، كما يقول المثل الأميركي، لعبة وحيدة في المدينة هي الحكم الذاتي الموسّع في إطار السيادة المغربية الذي طرحه الملك محمّد السادس. أكّد الملك في خطاب ألقاه في ذكرى “المسيرة الخضراء” أن الطرح المغربي هو “أقصى” ما يمكن الذهاب إليه من تنازلات.

مثل هذه التنازلات تصبّ في نهاية المطاف في خدمة سكان الصحراء الذين هم مواطنون مغاربة ينعمون بكل ما ينعم به المواطن المقيم في المملكة أو خارجها من حقوق يعترف بها دستور السنة 2011.

ما الذي يريده النظام في الجزائر من خلال استقبال بوتفليقة لمحمد عبدالعزيز الذي تحدّث بعد ذلك عن الدعم “اللامشروط” للجزائر لجبهة “بوليساريو”؟.

من الصعب الجواب عن هذا السؤال باستثناء الاعتراف بأنّ هناك عنادا جزائريا وإصرارا على ابتزاز المغرب إلى أبعد حدود عن طريق إبقاء جرح الصحراء مفتوحا، علما أن المغرب يعتبر أن الجرح التأم منذ اليوم الذي فرض سيطرته على الصحراء وأمّن كل ما من شأنه حمايتها عبر الجدران التي بناها من أجل تثبيت حقوقه الوطنية في تلك المنطقة التي استعادها من الاستعمار الأسباني في مثل هذه الأيّام من العام 1975.

إذا كان من عبرة يمكن استخلاصها من لقاء بوتفليقة – محمد عبدالعزيز، فإنّ هذه العبرة تتلخّص بأن الجزائر في أزمة عميقة. إنّها في أزمة عميقة مع نفسها أوّلا. لا يمكن الهرب من الأزمة بأي شكل، لا عبر استخدام “بوليساريو” ولا أدوات أخرى من هذا القبيل. أضف إلى ذلك أن إثارة موضوع الصحراء المغربية قبل أيام من جولة يقوم بها في المنطقة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، كريستوفر روس، الذي سيزور الرباط والجزائر، لا تقدّم ولا تؤخّر.

الجزائر في أزمة عميقة مع نفسها أوّلا. لا يمكن الهرب من الأزمة بأي شكل، لا عبر استخدام {بوليساريو} ولا أدوات أخرى من هذا القبيل
كل ما يمكن فهمه من اللقاء أن الجزائر عاجزة عن التعاطي مع أزمتها، ولا تزال تعتقد أن المتاجرة بقضية الصحراء والعداء للمغرب يمكن أن يوفّرا مخرجا، ولو مؤقتا، من هذه الأزمة.

بكلام واضح كلّ الوضوح، تلعب الجزائر في الوقت الضائع. مثل هذا اللعب لا يمكن أن يؤجل الاستحقاقات الداخلية والإقليمية.

على الصعيد الداخلي، هناك حاجة إلى رئيس يستطيع القول للمواطنين إنّه يحكم فعلا، لا عن طريق شقيقه ولا عن طريق مجموعة محيطة به يسعى أفرادها إلى حماية أنفسهم من ملاحقات قضائية مستقبلا.

على الصعيد الإقليمي، هناك حاجة إلى دور جزائري في مجال الحرب على الإرهاب التي تهدّد كل دولة من دول المنطقة، بما في ذلك الجزائر نفسها، خصوصا في ظل تدهور الوضع في ليبيا ومالي وتونس، وفي طول الشريط الصحراوي وعرضه.

الأكيد أنه ليس بالدخول في مواجهة جديدة مصطنعة مع المغرب، تستطيع الجزائر تجاوز أزمتها. الحاجة قبل أي شيء آخر إلى مقدار قليل من الشجاعة يؤدي إلى التعاطي مع الواقع بدل الهرب منه. الواقع يقول، أوّل ما يقول، إن ملفّ الصحراء المغربية صار جزءا من الماضي وأن الدعم “اللامشروط” لجبهة “بوليساريو” ليس سوى مساهمة في تكريس اللااستقرار في المنطقة، وتشجيع الإرهاب في الساحل الصحراوي وفي المنطقة كلّها وفي مجال حيوي يتجاوز المنطقة.

هل هذا ما تحتاج إليه منطقة شمال أفريقيا في هذه الظروف بالذات، وهي ظروف تعاني فيها أوروبا من الإرهاب الذي كان أفضل تعبير عن وحشيته ما شهدته باريس يوم الجمعة الأسود؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الانفصام الذي تعاني منه الجزائر الانفصام الذي تعاني منه الجزائر



GMT 18:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 18:50 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 18:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 18:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 18:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 18:38 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 18:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib