الأزمة الفلسطينية كم هي عميقة

الأزمة الفلسطينية... كم هي عميقة

المغرب اليوم -

الأزمة الفلسطينية كم هي عميقة

خيرالله خيرالله

من أفضل ما يعبّر عن الأزمة العميقة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية، كلام الدكتور محمود الزهار القيادي في حركة “حماس”. تحدّث الزهار قبل أيام خلال احتفال في قطاع غزّة بمناسبة إنهاء نحو ثلاثمئة فتاة تدريبهنّ على استخدام السلاح. قال إن “حماس” باتت تمتلك جيشا يمكنّها من تحرير فلسطين “كلّ فلسطين”.
تحدّث أيضا عن “الهزيمة” التي لحقت بإسرائيل في العام الماضي عندما خاضت مع “حماس” حربا أدّت إلى تدمير جزء لا بأس به من غزّة. قُتل في تلك الحرب ما يزيد على ألفي فلسطيني ونحو سبعين إسرائيليا. لم تحقّق “حماس” أيّا من أهدافها. الحصار مستمرّ وكلّ شيء على حاله. على الرغم من ذلك، لا يزال الدكتور الزهّار يتحدّث عن “انتصار” يمكن أن يتّخذ شكل هدنة طويلة مع إسرائيل الساعية إلى التخلّص من همّ غزّة من جهة، والعمل على ابتلاع جزء من الضفّة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية من جهة أخرى.

مشكلة الزهّار في غاية البساطة. لا يدرك أنّ كلّ كلمة يقولها تصبّ في خدمة إسرائيل. كلّ ما تقوم به “حماس” يخدم الاحتلال، لا أكثر ولا أقلّ. من يعتقد أنّ في الإمكان تحرير فلسطين من النهر إلى البحر ومن البحر إلى النهر من غزّة، إنّما يقدّم أكبر خدمة للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي يقوم على رفض خيار الدولتين. كلّ ما لدى “حماس” أن تقدّمه للقضية الفلسطينية يتمثّل في توفير مبرّر لبنيامين نتانياهو كي يقول أنّ لا شريك فلسطينيا يمكن التفاوض معه.

هناك كلام مباشر يفترض أن يسمعه الزهّار، ومن على شاكلة الزهّار من الذين يخدمون الاحتلال الإسرائيلي، كلّ على طريقتهم. الجيش الذي شكّلته “حماس” في غزّة ليس قادرا على تحرير فلسطين ولا الذهاب إلى القدس. كلامه عن القدس يشبه كلام حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” في لبنان الذي يقول إن “طريق القدس تمرّ بالزبداني”، البلدة السورية التي تتعرّض لكلّ أنواع القصف الهمجي بسبب كونها، من وجهة النظر الإيرانية، أحد الحواجز في طريق قيام الدويلة العلوية في سوريا. هذه الدويلة، التي لن تقوم يوما، تحتاج إلى ممرّ يربطها بمناطق تحت سيطرة إيران في لبنان. ولذلك، صارت الزبداني من ضحايا المشروع التوسّعي الإيراني، وهو مشروع ذو طابع مذهبي قبل أيّ شيء آخر، لا علاقة له بالقدس من قريب أو بعيد.

يتاجر الزهّار ومن يقف خلفه بالقدس. تماما كما يتاجر بها “حزب الله” الذي ليس في نهاية المطاف سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. كلّ ما تبقّى تفاصيل لا قيمة لها، لكنّها تكشف حقيقة “حماس” والمهمّة المرسومة للجيش الذي أنشأته في غزّة من دون أي اعتراض إسرائيلي من أيّ نوع كان.

مهمّة هذا الجيش الحمساوي محصورة في إطار معيّن، تماما مثل مهمّة “حزب الله” في لبنان الذي لا هدف له سوى تهديد الشعب اللبناني، وتدمير ما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى، والمشاركة في الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي في سوريا على شعبه. بكلام أوضح، مهمّة الجيش الحمساوي ضرب المشروع الوطني الفلسطيني عن طريق إطلاق شعارات غير قابلة للتحقيق تخدم الاحتلال الإسرائيلي. هذا جانب فقط من مهمّة هذا الجيش. هناك جانبان آخران للمهمّة. الأوّل قمع أهل غزّة وإبقاؤهم تحت الحصار، والآخر تكريس غزّة قاعدة خلفية للمجموعات الإرهابية التي تعمل في سيناء خدمة للمشروع الذي يستهدف مصر والاستقرار فيها.

مسكينة القضية الفلسطينية. هناك من يريد تحرير القدس من غزّة، وهناك سلطة وطنية شاخت تخوض حربا مع الدكتور سلام فيّاض والسيدّ ياسر عبدربّه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي يمتلك تاريخا نضاليا لا يحتاج إلى شهادة من أحد. ميزة عبدربّه المتّهم بالإعداد، مع فيّاض وآخرين لانقلاب على السلطة الوطنية، أنّه يعرف حجمه. كذلك يعرف حجم ما بقي من السلطة الوطنية. يعرف، أوّل ما يعرف، أن الضفّة الغربية ما زالت تحت الاحتلال، وأنّ دورية إسرائيلية تستطيع إحضاره من منزله، بمجرّد المناداة عليه من مكبّر للصوت. أكثر من ذلك، إنّه يعرف تماما أنّ السيّد محمود عبّاس (أبو مازن) رئيس السلطة الوطنية ورئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لا يستطيع مغادرة رام االله، إلى أيّ مكان، من دون إذن إسرائيلي!

بات حجم المأساة الفلسطينية كبيرا. ليس معروفا كيف يمكن لـ“حماس” تحرير القدس انطلاقا من غزّة، فيما هناك غزّاويون ما زالوا يعيشون في الخيام منذ حرب أواخر 2008 وبداية 2009. لا يزال هناك للأسف من يسعى إلى بيع الفلسطينيين الأوهام، تماما مثلما هناك من يحاول تغطية المشاركة في ذبح الشعب السوري عن طريق القول أنّ الهدف النهائي هو الوصول إلى القدس، عبر الزبداني…

آن أوان التوقّف عن الكذب على الفلسطينيين. قضيّة “حماس” لا علاقة لها بالانتهاء من الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلّة تضمّ الضفة الغربية وغزة، عاصمتها القدس الشرقية. كلّ ما تريده “حماس” هو تغيير طبيعة الشعب الفلسطيني كي يكون على صورتها. على صورة الملثّم الذي يحمل السلاح ويرهب شعبه. من قال إنّ إسرائيل تعترض على مثل هذه الصورة ما دامت “حماس” تعمل على تكريس الشرخ القائم بين الضفّة وغزّة من جهة، وعلى تحويل غزّة “إمارة إسلامية” تشكّل تهديدا للأمن المصري من جهة أخرى.

هناك أزمة عميقة تعاني منها القضية الفلسطينية. تصرّفات محمود الزهّار تعبّر عن جانب من هذه الأزمة التي بدأت تأخذ منحى خطيرا في غياب الحدّ الأدنى من الوعي لما يعنيه بقاء الوضع في غزّة على حاله. هذا الوضع الذي من سماته سماح قيادي من “حماس” بإطلاق شعارات لا تمت إلى الواقع بصلة، يشكّل أفضل خدمة يمكن تقديمها لإسرائيل… إضافة إلى أنّه يعني، قبل أي شيء آخر، أنّ الانقسام الفلسطيني صار واقعا لا يمكن تجاوزه، أقلّه في المدى المنظور.

بدل الدولة الواحدة، ستكون للفلسطينيين دولتان، أو على الأصحّ كيانان، في يوم من الأيّام.

“حماس” ستنتصر. انتصارها سيكون على الشعب الفلسطيني وقضيته وعلى المشروع الوطني الفلسطيني الذي يصلح وحده قاعدة، يمكن الانطلاق منها، لمواجهة أكثر الحكومات تطرّفا في تاريخ إسرائيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة الفلسطينية كم هي عميقة الأزمة الفلسطينية كم هي عميقة



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib