أولوية الأوليات الأميركية في سوريا

أولوية الأوليات الأميركية في سوريا

المغرب اليوم -

أولوية الأوليات الأميركية في سوريا

خيرالله خيرالله


كلام برينان كلام حقّ يراد به باطل. اللهم إلا إذا كان الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت سوريا، بالتعاون مع إيران، وليس إنقاذ المؤسسات والحكومة.

يخفي كلام جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي) عن سوريا رغبة واضحة في مسايرة إيران.

قال برينان أخيرا في نيويورك أمام “مجلس العلاقات الخارجية” الذي هو من أهمّ مراكز الدراسات الأميركية، إنّ الولايات المتحدة وحلفاءها، كذلك روسيا ودول المنطقة “لا تريد انهيارا للحكومة والمؤسسات الرسمية في دمشق”. هل هدف مدير الـ”سي. آي. إي”، بالفعل، حماية المؤسسات السورية، أم المطلوب إطالة الحرب الداخلية في البلد من أجل التأكّد من أنّه لن تقوم له قيامة في يوم من الأيّام؟

هناك، أقلّه ظاهرا، ما يبرّر مثل هذا الكلام الصادر عن مدير الاستخبارات الأميركية الذي لديه تجربة طويلة في الحرب على الإرهاب. هناك التجربة العراقية، العالقة في ذهن الرجل والقرار المثير للجدل الذي اتخذته الولايات المتحدة بحلّ الجيش العراقي. اتخذ القرار بول بريمر الذي كان حاكم العراق في ظلّ الاحتلال الأميركي وذلك بعيد غزو العراق في العام 2003 وإسقاط نظام صدّام حسين العائلي_البعثي.

كانت حجة بريمر أنّ الأكراد كانوا يصرّون على حلّ الجيش من أجل البقاء في إطار العراق الموحّد. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأحزاب والقوى الشيعية التي كانت تعتبر الجيش العراقي والأجهزة الأمنية بمثابة جزء لا يتجزّأ من النظام العراقي المطلوب التخلّص منه. أكّدت هذه الأحزاب رفضها أي تعاون مع المحتلّ الأميركي في حال لم يحلّ الجيش.

كانت النتيجة سقوط العراق في حال من الفوضى بعد غياب المؤسسة العسكرية القادرة على منع تمدّد الميليشيات الشيعية في كلّ اتجاه وسيطرتها، بصفة كونها مجرّد واجهة لإيران، على مؤسسات الدولة العراقية. وقد شكا الأكراد من هذه التصرّفات الميليشياوية، ووجدوا أن أفضل ما يمكن لهم القيام به يتمثّل في ترتيب أوضاع منطقتهم في إطار حكم ذاتي يؤمن حدّا أدنى من الاستقرار في كردستان.

هناك بالفعل ما يدعو إلى تفادي التجربة العراقية في سوريا. لكنّ المشكلة التي تعبّر عنها تصريحات مدير الـ”سي. آي. إي” تكمن في أنّ واشنطن تأخرت سنوات عدّة، في سعيها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المؤسسات الرسمية السورية ومن سوريا.

كانت الحجة الأساسية التي استند إليها برينان أنّ التركيز يجب أن يكون في هذه المرحلة على المواجهة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو يقول في هذا المجال “إنّ آخر ما نريده هو زحف داعش على دمشق. ولذلك، علينا دعم القوى المعتدلة”. هل نسي مدير الـ”سي. آي. إي” أن تنظيم “الدولة الإسلامية” لم يظهر بالشكل الذي ظهر فيه إلا في العام الماضي، في حين كانت القوى المعتدلة تواجه النظام السوري وتعمل على إسقاطه في ظلّ غياب أميركي؟ هل نسي أنّ الإدارة الأميركية لم تدعم هذه القوى عندما كان عليها أن تدعمها، خصوصا عندما استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي صيف العام 2013. وقتذاك، تجاوز النظام “الخط الأحمر” الذي شدّد عليه الرئيس باراك أوباما غير مرّة.

تبيّن أن أوباما يرى كلّ الألوان باستثناء اللون الأحمر، فإذا به يضع مستقبل سوريا في يد أعداء الشعب السوري المشاركين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في ذبحه، أي في يد روسيا وإيران. بدل أن يقدم على خطوة تحافظ على مؤسسات الدولة السورية، تراجع الرئيس الأميركي صيف العام 2013 عن تعهداته التي قطعها للشعب السوري وتهديداته الصريحة والواضحة للنظام، وتبيّن أنّ كلامه ليس سوى كلام فارغ في أحسن الأحوال.

ما يطرحه برينان كلام تجاوزه الزمن.
كان هذا الكلام منطقيا وقابلا للتطبيق في بداية الثورة السورية وقبل ظهور “داعش” التي استثمر فيها النظامان الإيراني والسوري، وصولا إلى ما وصل إليه الوضع. كان في الإمكان إنقاذ المؤسسات السورية، بما في ذلك مؤسسة الجيش، لو أقدمت الولايات المتحدة على خطوة تؤدي إلى التخلّص من النظام ورموزه في الأشهر التي تلت اندلاع الثورة السورية، التي هي ثورة شعبية حقيقية تعبّر عن تطلّعات الأكثرية الساحقة للسوريين.

كلّ ما بات يمكن قوله الآن أنّ النظام السوري و”داعش” وجهان لعملة واحدة. والأكيد أن برينان يعرف ذلك قبل غيره. لا يمكن محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” دون محاربة النظام السوري والانتهاء منه. الأهمّ من ذلك كلّه أنّ كلّ كلام يميّز بين النظام السوري و”داعش” يخدم النظام الذي لم يعد أمامه، بعدما أصبح تحت رحمة إيران وميليشياتها المذهبية اللبنانية والعراقية والأفغانية، سوى وضع يده على جزء من سوريا. هناك الآن تركيز خاص من النظام، والقيمين عليه، على الشاطئ وعلى ممرّ يربط هذا الجزء من سوريا بمناطق يسيطر عليها “حزب الله” في سهل البقاع اللبناني. تعتبر هذه المناطق البقاعية امتدادا للدويلة التي أقامها الحزب في لبنان على حساب الدولة اللبنانية وسيادتها المفترضة على كلّ شبر من البلد.

كلام برينان، في ضوء التطورات السورية، كلام حقّ يراد به باطل. اللهمّ إلا إذا كان الهدف الحقيقي للإدارة الأميركية تفتيت سوريا، بالتعاون مع إيران والتنسيق معها، وليس إنقاذ المؤسسات والحكومة. فما ينفع في المرحلة الراهنة إدراك أنّ الأولوية المعطاة لمحاربة “داعش” لا يمكن فصلها عن إسقاط النظام السوري. لا وجود لأولوية على حساب أولوية أخرى في أيّ شكل.

كلّ ما تبقى تفاصيل وأوهام وهرب من واقع ترفض الإدارة الأميركية الاعتراف به. فمثلما أخطأ الأميركيون في العراق، نراهم اليوم يخطئون بمقدار أكبر في سوريا، خصوصا في ظلّ اعتقادهم أنّ لإيران هدفا آخر غير تدمير العراق وسوريا، وصولا إلى احتلال لبنان.

يبقى سؤال: هل الأولوية الحقيقية للإدارة الأميركية استعادة العلاقة بإيران، حتّى لو كان ذلك على حساب كل الأولويات الأخرى؟ يبدو طرح هذا السؤال منطقيا. ففي معرض كلامه أمام “مجلس العلاقات الخارجية” في نيويورك، اعترف برينان بوجود “بعض المصالح المشتركة مع إيران”. قال بالحرف الواحد “نعمل عن كثب مع الحكومة العراقية، كذلك إيران”.

كيف يمكن لمسؤول أميركي في هذا المستوى تجاهل أن “داعش” ما كان لينتعش ويتمدد لولا السياسات التي تتبعها الحكومة العراقية، بمن في ذلك الحكومة الحالية… ولولا ذلك التعاون الذي يجري “عن كثب” بين بغداد وطهران؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أولوية الأوليات الأميركية في سوريا أولوية الأوليات الأميركية في سوريا



GMT 19:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 19:33 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:29 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 19:26 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 19:25 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

GMT 19:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

خطيب العرابيين!

GMT 19:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

روشتة يكتبها طبيب

GMT 19:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أنجيلا ميركل؟!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib