معركة حياة أو موت لـالحرس في إيران

معركة حياة أو موت لـ"الحرس" في إيران

المغرب اليوم -

معركة حياة أو موت لـالحرس في إيران

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

تبدو الأوضاع في "الجمهوريّة الإسلاميّة" الإيرانية مختلفة هذه المرّة، علماً أنّه لا يمكن الجزم بأن التغيير صار في متناول اليد. التغيير بمعنى انتصار ثقافة الحياة التي يؤمن بها الشعب الإيراني على ثقافة الموت المفروضة على المواطن المسحوق منذ العام 1979.

ثمّة عوامل عدّة تدعو إلى التكهن بأن تغييراً في العمق حصل في إيران. في مقدّمة هذه العوامل أنّ ما يحصل منذ مقتل الفتاة الكرديّة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق في طهران تحوّل إلى ثورة حقيقيّة. ستدخل هذه الثورة التي لا تقتصر على طهران والمنطقة الكرديّة شهرها الثاني قريباً.

لعلّ أفضل ما يعبّر عن هذه الثورة كسر المرأة الإيرانيّة هيبة نظام لا يؤمن سوى بترهيب المواطن وقمعه في ظلّ استيلاء "الحرس الثوري" على مواقع القرار. ظهر ذلك جليّاً من خلال فرض إبراهيم رئيسي رئيساً للجمهوريّة واستبعاد أي شخص كان يمكن أن يكون منافساً جدّياً له، بما في ذلك الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. تحوّل أحمدي نجاد، بقدرة قادر، من متطرّف إلى شبه إصلاحي يرى عورات النظام بوضوح.

لم يعد التحرّك الشعبي المستمر منذ 16 أيلول (سبتمبر) الماضي مجرّد حدث عابر، بمقدار ما تحوّل تحرّكاً على صعيد البلد كلّه، خصوصاً في ضوء وجود اعتراض على النظام القائم في مدينتين مثل تبريز وأرومية معقل الأذريين الذين يشكلون عنصراً مهمّاً في نسيج المجتمع الإيراني. "المرشد" علي خامنئي نفسه أذري. يميل الأذريون إلى الفلك التركي، أكثر من ميلهم إلى الفرس. هذا ما يفسر أهمّية التحرك الذي شهدته ولا تزال تشهده تبريز وأرومية مع ما يعنيه ذلك من مسّ بكل ما يمثّله موقع "المرشد" من رمزيّة للنظام القائم على نظرية "الولي الفقيه" التي وضعها آية الله الخميني كي تكون على قياسه.

لدى النظام حساسية زائدة حيال كلّ ما له علاقة بالأذريين. هذا ما جعله يمتنع عن الذهاب بعيداً في دعم أرمينيا في مواجهاتها الأخيرة مع أذربيجان. لا يستطيع النظام الإيراني الوقوف مع الحليف الأرميني عندما يتعلّق الأمر بمواجهة مع دولة مثل أذربيجان تتمتع، إضافة إلى أن شعبها من الأذريين، بتأييد تركي وإسرائيلي في الوقت ذاته.

ليس ما يجري في إيران مسألة بسيطة بأي شكل. المسألة في غاية التعقيد. لبّ المسألة فشل النظام الإيراني في تلبية تطلعات جيل جديد لا علاقة له من قريب أو بعيد بشعارات يطلقها نظام يعتبر الولايات المتحدة الأميركيّة بمثابة "الشيطان الأكبر"، فيما كلّ طموحه عقد صفقة معها. في النهاية، إن المواطن الإيراني، خصوصاً الجيل الشاب، لا يكره "الشيطان الأكبر". على العكس من ذلك، لديه عشق ليس بعده عشق للقيم الأميركيّة، في مقدّمتها أسلوب عيش الأميركيين وحبّ الحرّية، حرّية الجسد لدى المرأة خصوصاً وحرية وضع الحجاب أو عدم وضعه... حرية الانتماء إلى كلّ ما هو حضاري في هذا العالم...

يتوق الشعب الإيراني إلى التخلص من التخلف والبؤس الذي فرضه نظام ليس لديه ما يصدره سوى الاستثمار في إيقاظ الغرائز المذهبية وإنشاء ميليشيات لا هدف لها سوى القضاء على ما بقي من مؤسسات الدولة كما حصل في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

إذا لم ينتصر الشعب الإيراني اليوم، سينتصر غداً أو بعد غد، بعد سنة أو سنتين وربّما أكثر. لن يكون انتصاره سهلاً نظراً إلى أنه يقف وحيداً في مواجهة نظام متخصص بقتل الناس واستخدام وسائل القمع... ليس في الداخل الإيراني فحسب، بل في المنطقة كلّها أيضاً. ما شهده لبنان قبل اغتيال رفيق الحريري وبعده خير دليل على سلوك النظام الإيراني وما يؤمن به حقيقة.

تبقى عقبة أخرى في وجه الإيرانيين، وهي عقبة تتمثّل في الموقف الأميركي المتذبذب من أي ثورة في إيران. يقول غير مسؤول في واشنطن أنّ أميركا لا تريد تغيير النظام في إيران، بل تريد من النظام تغيير سلوكه والتوقف عن ممارسة القمع. ينمّ مثل هذا الكلام المملوء بالتناقضات عن أسوأ ما في السياسة الأميركيّة التي لا تعود ترى سوى بعين واحدة عندما يتعلّق الأمر بدعم ثورة شعبيّة حقيقيّة تقودها المرأة، على غرار ما تشهده "الجمهوريّة الإسلاميّة" في أيامنا هذه.

يدعو مثل هذا الموقف الأميركي، الذي ينسحب على الأوروبيين، إلى إبداء تحفظ عن انهيار سريع للنظام الإيراني أمام الرفض الشعبي الكاسح له. ما سرّ الموقف الأميركي، علماً أن الحلف الإيراني – الروسي في أوكرانيا لم يعد سرّاً؟ هل النظام الإيراني ضرورة أميركيّة؟

يبدو طرح مثل هذا النوع من الأسئلة مشروعاً، مثلما هو مشروع الوصول إلى خلاصة فحواها أن الثورة الشعبيّة في إيران حقيقة... لكن سقوط النظام لن يكون اليوم أو غداً أو في القريب العاجل بوجود "الحرس الثوري" الذي يعتقد أنّه يخوض حالياً معركة حياة أو موت بالنسبة إليه. معركة محورها المرأة، حريّة المرأة بمثابة موت للنظام الإيراني والثقافة التي حاول ولا يزال يحاول فرضها، خصوصاً في شأن كلّ ما يخصّ المرأة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة حياة أو موت لـالحرس في إيران معركة حياة أو موت لـالحرس في إيران



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:50 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود
المغرب اليوم - ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين

GMT 08:25 2024 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

نتائج القسم الثاني لكرة القدم بالمغرب

GMT 07:21 2023 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النجمات اللواتي ارتدين البدلة الرسمية هذا العام
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib