إسرائيل في أسر المستوطنين

إسرائيل في أسر المستوطنين

المغرب اليوم -

إسرائيل في أسر المستوطنين

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

لم يتغيّر شيء في إسرائيل كي ينعقد مؤتمر في العقبة من أجل محاولة وقف التصعيد في الضفّة الغربيّة. في أساس التصعيد استمرار الاحتلال الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه غير آخذة في الاعتبار أنّها لا تستطيع التحكم بحياة نحو سبعة ملايين ونصف المليون فلسطيني يعيشون بين البحر المتوسط ونهر الأردن.

هؤلاء شعب موجود على الخريطة الجغرافية للمنطقة ولا مفرّ من أن يكون موجوداً على خريطتها السياسيّة. هذا يعني أن وجود دولة فلسطينيّة مستقلة ضرورة. لا تستطيع إسرائيل الاستفادة من غياب القيادة الفلسطينية إلى ما لا نهاية.

هناك شعب لابدّ أن يجد قريباً قيادة في مستوى طموحاته ومستوى نضالاته على الرغم من التهرّب الدائم لرئيس السلطة الوطنيّة محمود عبّاس (أبو مازن) من استحقاق الانتخابات التشريعية والرئاسيّة...

يكمن لبّ المشكلة، التي تبرز من خلال التصعيد في الأرض المحتلة، في غياب المشروع السياسي الإسرائيلي. لا وجود لأي مشروع لدى الحكومة الإسرائيلية، وهي السادسة التي يشكلها بنيامين نتنياهو، غير مشروع المستوطنين الذين تحولوا إلى مجرّد عنصريين لا يمكن سوى مقارنتهم بالنازيين والفاشيين.

لا يستطيع رئيس الحكومة الإسرائيلية التخلي عن هؤلاء. مجرّد التخلي عن ممثلي المستوطنين في الحكومة يعني سقوط الحكومة. سيؤدي ذلك بالتالي إلى مثول «بيبي» أمام القضاء. يظلّ المثول أمام القضاء آخر ما يريده نتنياهو. يعرف المستوطنون وممثلوهم في الحكومة ذلك. يعرف هؤلاء «بيبي» معرفة جيدة وهم على استعداد لجرّه إلى ما يريدونه في كلّ ساعة.

من هذا المنطلق، يبدو «بيبي»، ومعه إسرائيل، في أسر المستوطنين. ليست عودته إلى موقع رئيس الوزراء سوى عودة لرجل ضيّق الأفق يراهن على عامل الوقت من أجل فرض أمر واقع على الأرض. ليس هذا الرهان سوى رهان على وهم أكثر من أي شيء آخر.

يعكس هذا الرهان لدى الرجل التحوّل نحو اليمين داخل المجتمع الإسرائيلي الهارب دائماً من السؤال الأساسي المرتبط بالوجود الفلسطيني، وهو وجود لا يمكن التعاطي معه بالاتكال على عامل الوقت. إنّه وجود مرتبط بشعب موجود على الأرض، لكنّه فوت فرصاً كثيرة من أجل نقل هذا الوجود السياسي إلى حقيقة تجسدها دولة مستقلة قابلة للحياة تعيش بسلام مع محيطها. هناك ضيق أفق إسرائيلي، لكنّ هناك تقصيراً فلسطينياً أيضاً.

لعلّ أكثر ما يستفيد منه «بيبي» الانقسامات الفلسطينيّة في الداخل الإسرائيلي، إضافة في طبيعة الحال، إلى غياب الإستراتيجيّة الفلسطينيّة.

هذا ما كشفته الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي كان في استطاعة الفلسطينيين، الذين يمثلون نحو عشرين في المئة من سكان دولة إسرائيل، الحصول على عدد أكبر من النواب في الكنسيت.

فشلوا في ذلك بسبب التناحر في ما بينهم. معنى ذلك أن التناحر بات يشمل الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل، مثلما يعاني منه الفلسطينيون المقيمون أيضا في الضفّة الغربيّة وغزّة.

المؤسف في الوقت الراهن غياب أيّ رغبة إسرائيلية، في البحث في كيفية التعاطي مع هذا الواقع الذي لا يمكن إلّا أن يؤدي إلى بداية انفجار، هو ما نشهده اليوم انطلاقاً مما يجري في نابلس.

هناك هبوط في مستوى السياسيين الإسرائيليين. ليست عودة «بيبي» إلى موقع رئيس الوزراء سوى تعبير عن هذا الهبوط. كلّ ما يفعله «بيبي» هو تجاهل وجود شعب فلسطيني، علما أنّ هذا الشعب حيّ يرزق ولا يمكن محوه من الوجود.

شكل «بيبي» حكومة جديدة. حصل الإرهابي، بشهادة الولايات المتحدة، ايتمار بن غفير على موقع وزير الأمن القومي. لكنه لن يتمكن في أي وقت من الإفلات من قضيّة وجود شعب فلسطيني. إلى متى يستمر الهروب من الشعب الفلسطيني؟ إلى متى يبقى غياب الإستراتيجية إسرائيلية التي تصب في الاعتراف بهذا الشعب؟

في غياب الإستراتيجية الإسرائيلية، يبقى الرهان الوحيد لدى اليمين الإسرائيلي على الانقسام الفلسطيني وعلى أنّ «حماس» لا يمكن أن تتغيّر. لن تتغيّر «حماس» يوماً. ستستفيد إلى أبعد حدود من ترهّل السلطة الوطنيّة الفلسطينية التي لم تعد لديها أي وظيفة سوى الوظيفة الأمنيّة التي تحددها لها إسرائيل.

في المقابل، لن يتغيّر «بيبي» كونه أسير المستوطنين. إضافة إلى ذلك، أنّه رجل جامد وتلميذ نجيب لمدرسة اسحق شامير الذي كان رئيساً للوزراء لدى انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في خريف العام 1991. وقتذاك، جرّت الإدارة الأميركية، إدارة جورج بوش الأب وجيمس بايكر (وزير الخارجيّة) وبرنت سكاوكروفت (مستشار الأمن القومي) إسرائيل إلى المؤتمر جرّاً.

في مدريد كان نتنياهو الناطق باسم الوفد الإسرائيلي وكان شامير يقول ما معناه إننا سنفاوض الفلسطينيين عشر سنوات وسنستغل هذه المفاوضات من أجل فرض أمر واقع على الأرض. لم يخرج «بيبي» يوماً عن خطّ شامير. لا يؤمن سوى بالمماطلة والجمود... والاستيطان.

لم يزح نتنياهو يوماً عن هذا النهج الشاميري القائم على متابعة الاستيطان. لن يجد مشكلة في صعود «حماس». لا لشيء سوى لأنّ صعودها يخدم استراتيجية الجمود. سيردّد «بيبي» ما كان يردده ارييل شارون عن أن لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه...

تبقى الحقيقة الوحيدة، التي لن يتمكن «بيبي» من تجاوزها، حقيقة وجود الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أن يبقى ضحيّة عجز السلطة الوطنيّة وتآمر «حماس» عليه وعلى مشروعه الوطني... وحال التناحر في الداخل الإسرائيلي، وهي حال تناحر ظهرت واضحة من خلال الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

لا تستطيع إسرائيل مواجهة التحدي النووي الإيراني ومتابعة التصعيد في الضفّة الغربيّة والاتكال على الولايات المتحدة في الوقت ذاته.

كان عليها الاستماع منذ البداية إلى رجل عاقل وبعيد النظر هو الملك عبدالله الثاني الذي يعمل منذ سنوات على تأكيد أن الاستقرار في المنطقة مرتبط بوجود دولة فلسطينيّة مستقلة. مثل هذا الموقف هو موقف الإدارة الأميركية أيضاً.

هل لا يزال في إسرائيل مكان للعقل والمنطق؟ الجواب، بكل أسف، لا كبيرة تترك مجالاً واسعاً للتصعيد في الضفّة الغربيّة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل في أسر المستوطنين إسرائيل في أسر المستوطنين



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
المغرب اليوم - الكشف عن قائمة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية

GMT 15:10 2018 الإثنين ,13 آب / أغسطس

شركة دودج تختبر محرك سيارتها تشالنجر 2019

GMT 19:15 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

يوسف النصري علي ردار فريق "ليغانيس" الإسباني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib