الياس الرحباني شاهد على حلو لبنان ومرّه
أخر الأخبار

الياس الرحباني شاهد على حلو لبنان ومرّه

المغرب اليوم -

الياس الرحباني شاهد على حلو لبنان ومرّه

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

ليست وفاة الفنان الياس الرحباني، ثالث منصور وعاصي واصغر الاخوة الثلاثة، حدثا عاديا، على الرغم من ان في الإمكان وضع الياس الرحباني في خانة المبدعين العرب واللبنانيين. هذا يعود، قبل ايّ شيء، الى توقيت الوفاة فيما لبنان يحتضر على كلّ صعيد وبات مهدّدا بالزوال عن خريطة المنطقة.

مع رحيل الياس الرحباني في ظلّ الوضع اللبناني الراهن، يمكن استعادة شريط كامل لرحلة صعود بلد في ظلّ انتشار ثقافة الحياة فيه وافول نجمه شيئا فشيئا مع انتصار ثقافة الموت والذين يروجون لها بوسائل عدّة من بينها القضاء نهائيا على بيروت ودورها في المنطقة.

لا يدري هؤلاء ان الانتصار على لبنان ليس انتصارا على إسرائيل وان كلّ ما يفعلونه من خلال افراغ لبنان من ثقافة الحياة، بحجة الوقوف في وجه إسرائيل، انّما لا يقدم خطوة واحدة في اتجاه إيذاء الدولة العبرية. على العكس من ذلك، تتفرّج إسرائيل من بعيد الى الاهتراء اللبناني وتعتبر نفسها غير معنية بما يحدث بين لبنانيين يريدون الخير لبلدهم وآخرين يرون في لبنان ورقة إيرانية ولا شيء آخر غير ذلك.

لعب لبنان منذ ستينات القرن الماضي دور الواحة العربيّة، خصوصا في ظلّ تحولّه الى مكان مختلف في ضوء الانقلابات العسكرية التي غيّرت طبيعة الحياة في مصر وسوريا والعراق، أي في القاهرة والإسكندرية والمدن المصرية الكبيرة الأخرى وفي دمشق وحلب وبغداد والبصرة. قبل ذلك، كان لبنان، عبر التاريخ، ظاهرة مختلفة في المنطقة، اذ لا يمكن تجاهل ان اول مطبعة كانت في دير مار قزحيا في شمال لبنان في العام 1585 ثم قامت مطابع أخرى، عربيّة وغير سريانية، بينها مطبعة دير الخنشارة في منطقة المتن.

مع مرور الزمن، عوضت بيروت عن كلّ ما حل بالمدن العربية التي تعرّضت لهجمة اهل الريف وصولا الى ما وصلت اليه اليوم في ظلّ هيمنة الفكر الديني المتخلّف الذي لعب دوره في تغيير طبيعة المجتمعات نحو كلّ ما هو متخلّف، في المشرق العربي.

قبل ستينات القرن الماضي، كان على كلّ فنان لبناني يسعى الى الشهرة الذهاب الى مصر. صحيح ان مصر لم تفقد، بعد الانقلاب العسكري في 23 تموز – يوليو 1952، كلّ ما تركه لها النظام الملكي من تراث حضاري وراق على صعيد الفن والادب، لكن الصحيح أيضا ان لبنان تحوّل شيئا فشيئا الى محطة لا بد من التوقف فيها لكلّ صاحب شهرة عربية، بما في ذلك العملاقان ام كلثوم ومحمّد عبدالوهاب. كان ظهور ام كلثوم في مهرجانات بعلبك حدثا عالميا وكان مجيء محمّد عبدالوهاب الى لبنان وتمضيته الصيف في ربوعه وبين اهله بمثابة امر اكثر من طبيعي.

كان لبنان الذي عرفناه، في جزء كبير منه، صناعة منصور وعاصي الرحباني ومعهما فيروز وذلك قبل ان ينضمّ اليهما الشقيق الأصغر الياس الذي ابدع بدوره. لم يكن الفنّ اللبناني وانتشاره وليد مرحلة معيّنة بمقدار ما كان تتويجا لدور لعبته بيروت ومعها لبنان منذ قرون عدّة. لا يمكن تجاهل ان الجامعة الأميركية في بيروت التي تتعرّض حاليا لهجمة من قوى ظلامية اكثر من معروفة، تأسست في العام 1866، قبل سنوات قليلة من تأسيس الجامعة اليسوعية المرتبطة بالثقافة الفرنسية.

يرحل الياس الرحباني وترحل معه رموز عدّة ميزت لبنان، بل هي في أساس وجود لبنان. لم يعد لبنان الذي عرفناه موجودا. لا وجود للمصرف، ولا للفندق، ولا للملهى، ولا للسينما والمسرح... ولا للصحيفة اللبنانية التي كانت تهزّ المنطقة. صار لبنان خاليا من كلّ مقومات وجوده. صار لبنان خاليا من المستشفى والجامعة والمقهى، من شارع الحمراء والوسط التجاري الذي أعاد اليه رفيق الحريري الحياة، مثلما اعاد وضع لبنان على خريطة المنطقة. صارت مهرجانات بعلبك جزءا من الماضي البعيد بعدما عمدت ايران عبر ادواتها الى تحويل احدى اجمل مدن المنطقة الى ارض جرداء ومدينة بائسة لا ثقافة فيها سوى ثقافة السلاح.

فوق ذلك كلّه، ذهب ميناء بيروت وذهب معه دوره في المنطقة. ذهبت، مع تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020 احياء عريقة قديمة جدا سيصبح من الصعب إعادة بنائها وإعادة الحياة اليها.

كان مطار بيروت في ستينات القرن الماضي سابع اهمّ مطار في العالم. اين صار مطار بيروت في السنة 2021؟

تحمل وفاة الياس الرحباني الكثير من المعاني. تنطوي بين ما تنطوي عليه على النهاية المأساوية للبنان الذي عليه الاكتفاء بان يكون مجرّد ورقة إيرانية بعدما كان يوزّع السعادة والفرح والحب في المنطقة. كانت الاغنية اللبنانية في كلّ مكان. هل كان لبنان الذي ساعد الاخوان الرحباني ومعهما فيروز والياس الرحباني مجرّد وهم جرى تسويقه في المنطقة والعالم؟

الأكيد انّه لم يكن كذلك. الاكيد اكثر انّه استطاع ان يقاوم وان يصمد طويلا، لكن الهجمة عليه كانت كبيرة ومستمرّة منذ العام 1969 عندما اجبر على توقيع اتفاق القاهرة برعاية من جمال عبدالناصر الضابط الريفي الذي اخذ العرب الى كارثة 1967 التي لا تزال آثارها تتفاعل الى يومنا هذا في المنطقة كلّها.

عاش الياس الرحباني حياته (83 عاما) بحلوها ومرّها. كان شاهدا على ما يستطيع لبنان عمله من زاوية المساهمة في نشر الحب والفرح والذوق في المنطقة، كما كان شاهدا على السقوط اللبناني في فخّ السلاح غير الشرعي الذي كان فلسطينيا حتّى العام 1982 ثم صار إيرانيا بعد ذلك. كان شاهدا على الانتشار اللبناني في المنطقة والعالم وصولا الى تفجير لبنان من داخل. يقول شخص عرف الياس الرحباني انّه مات في الوقت المناسب في عصر كورونا الذي سيقوم منه العالم فيما من المشكوك فيه ان يقوم منه لبنان. كان شاهدا على الحلو اللبناني والمرّ اللبناني... على صعود لبنان ومأساته!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الياس الرحباني شاهد على حلو لبنان ومرّه الياس الرحباني شاهد على حلو لبنان ومرّه



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 18:13 2023 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بلينكن يُعلن دعمه المستمر لكييف في الحرب الروسية الأوكرانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib