الواقعيّة الأميركية التي لا يوقفها الفشل

الواقعيّة الأميركية التي لا يوقفها الفشل

المغرب اليوم -

الواقعيّة الأميركية التي لا يوقفها الفشل

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

ليس الانسحاب الأميركي من أفغانستان سوى تعبير عن قرار شجاع يعبّر عن الاعتراف بالهزيمة امام "طالبان"، وهي هزيمة امام بلد غير قابل للحياة، كبلد طبيعي، في الوقت ذاته.إنّه تجسيد للواقعية الأميركية المبنيّة على سياسة الحدّ من الخسائر عندما لا يكون هناك مجال لتحقيق انتصار. كان الانتصار الوحيد الذي في استطاعة اميركا تحقيقه في أفغانستان يتمثّل في القضاء على نفوذ "طالبان" وليس في بناء دولة. لم يتحقّق ذلك على الرغم من كلّ الجهود التي بذلت والأموال التي صرفت بعد 11 أيلول – سبتمبر 2001. في النهاية، انتقلت اميركا، في سياق مواجهتها للمعضلة الافغانيّة من سياسة إعادة بناء الدول الى سياسة الحدّ من الخسائر بعد الاعتراف بالفشل.

يشبه الانسحاب من أفغانستان، في جوانب معيّنة، الانسحاب من فيتنام في نيسان - ابريل 1975. كلّ ما تريده إدارة بايدن في الوقت الحاضر هو تفادي انسحاب فوضوي من كابل شبيه بذلك الذي ساد يوم الانسحاب من سايغون قبل 46 عاما.

تعرف إدارة جو بايدن انّ لا مفرّ من اتخاذ قرار بقضي بالانسحاب عسكريا من أفغانستان. فشلت الولايات المتّحدة في عشرين عاما في بناء نظام قابل للحياة في أفغانستان. لم يصمد الجيش الذي بناه الاميركيون وحلفاؤهم امام الزحف "الطالباني" الجديد على المدن والولايات الافغانيّة.

يعبّر الانسحاب من أفغانستان عن واقعيّة أميركية، قبل ايّ شيء آخر. يوجد في أفغانستان حاليا جيش يضمّ نحو 300 الف مقاتل، يفترض انّهم خضعوا لتدريب جيّد. كانت النتيجة يوم توجّب على هذا الجيش مواجهة الحقيقة، أي حقيقة الانسحاب الأميركي، أنّ عناصره لم تصمد. يبدو بلوغ "طالبان" كابول مسألة وقت ليس الّا.

ليست هذه المرّة الأولى التي يعتمد فيها الاميركيون سياسة الحدّ من الخسائر في مواجهة حرب لا يستطيعون الانتصار فيها. حاولوا في فيتنام تحقيق نجاح حيث فشل الفرنسيون الذين هزموا في معركة ديين- بيين – فو عام 1956. كان الفشل الأميركي في فيتنام ذريعا. كان فشلا عسكريا وسياسيا في الوقت ذاته، خصوصا ان الـ"فييتكونغ" كانوا مدعومين من الصين والاتحاد السوفياتي اللذين ارادا تمريغ انف اميركا بالوحل في عزّ الحرب الباردة.

عندما انسحبت اميركا من فيتنام، لم تأخذ في الاعتبار وضع الموالين لها والمتعاونين معها الذين تركتهم خلفها في سايغون. يبدو، هذه المرّة انّها تتصرّف بطريقة اكثر انسانيّة في تعاطيها مع المواطنين الأفغان الذين وضعوا نفسهم في خدمة القوات الأميركية والبريطانيّة في السنوات العشرين الماضية.

احتاجت الولايات المتحدة الى سنوات طويلة كي تتخلّص من عقدة فيتنام التي لازمت الإدارات الديموقراطية بوجه خاص. لا يعني ذلك، أنّ الجمهوريين لم يعانوا من هذه العقدة. يؤكّد ذلك انّ إدارة رونالد ريغان انسحبت من لبنان وتركته لمصيره بعد تفجير مقرّ المارينز قرب مطار بيروت في تشرين الاوّل – أكتوبر 1983. كانت ايران وراء التفجير الذي اودى بحياة نحو 250 عسكريّا اميركيا. استسلمت إدارة ريغان لإيران في لبنان. لا يزال لبنان يدفع ثمن هذا الاستسلام الى الآن...

ستترك إدارة بايدن أفغانستان لمصيرها. اكتشفت بعد حرب استمرّت عشرين عاما انّ ليس لديها ما تستطيع عمله لافغانستان التي ستصبح تحت حكم "طالبان" مرّة أخرى. سيعاني الشعب الافغاني من الظلم والتخلّف والجهل. ستعود المرأة الى سجنها. أي الى البيت المنزلي. لن يعود في أفغانستان مكان ولو ضيّق لثقافة الحياة. لا موسيقى بعد الآن في أفغانستان... لا مدارس للبنات.

هل يستطيع الافغان مقاومة "طالبان" وفكرها الأسود؟ سيصعب عليهم ذلك، خصوصا انّ النسخة "الطالبانيّة" الجديدة ليست نسخة محسّنة عن النسخة القديمة عندما كانت الحركة تحت سيطرة الملّا عمر الذي رفض تسليم الإرهابي أسامة بن لادن الى الاميركيين بعد "غزوتي نيويورك وواشنطن" في 2001.

ما الذي يمكن توقّعه بعد الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان؟ الأكيد ان هناك قوى اقليميّة عدّة ستشعر بالقلق، بما في ذلك روسيا الصين وتركيا والهند التي تعرف الكثير عن عمق العلاقة بين "طالبان" وباكستان. تخشى الهند من استغلال باكستان هذه العلاقة كي تستخدم "طالبان" في الحرب السرّية المستمرّة منذ سنوات بينها وبين هذا البلد واجهزته الامنيّة التي كانت في الأصل وراء قيام "طالبان"...

لكنّ السؤال المهمّ الذي سيطرح نفسه عاجلا ام آجلا، هل تعتبر ايران ان الانسحاب الأميركي من أفغانستان دليل ضعف تستطيع الاستفادة منه؟ الثابت الى الآن، انّ من الصعب الإجابة عن هذا السؤال. يعود ذلك الى ان الكثير سيعتمد على ما اذا كان هناك من تحسّن طرأ على العلاقات بين النظام الإيراني من جهة و"طالبان" التي باتت على حدود "الجمهوريّة الإسلامية" من جهة أخرى.

مثل هذا التحسّن وارد، خصوصا ان العلاقات بين النظام الإيراني وبقايا "القاعدة" التي لا تزال تستفيد من احتضان "طالبان" ليس سرّا. ولكن، ليس سرّا أيضا ان ايران لعبت دورا في هزيمة "طالبان" واخراجها من كابول في 2001 عندما قرّرت الولايات المتحدة في عهد جورج بوش الابن اجتياح أفغانستان...

سيزيد الانسحاب الأميركي من أفغانستان الوضع فيها تعقيدا. الأفغان ليسوا فيتناميين. الفيتناميون استفادوا من الانسحاب الأميركي واعادوا توحيد بلدهم وبناءه. اكثر من ذلك، اقاموا علاقات اكثر من ودّية مع الإدارات الأميركية المتلاحقة واستقبلوا اكثر من رئيس أميركي في هانوي.

هناك أسئلة كثيرة اخرى ستطرح نفسها في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان وعودة "طالبان" المتوقّعة الى كابول... هذا اذا لم تحصل مفاجأة تعيق هذه العودة. الامر الوحيد الأكيد انّ اميركا تثبت مرّة أخرى انّها تتبع سياسة واقعيّة. ليس الفشل عائقا في وجه تنفيذ هذه السياسة، خصوصا انّ إدارة جو بايدن مهتمّة بالداخل الأميركي والاقتصاد وبالتحدّي الصيني اكثر من ايّ شيء آخر... امّا الافغان، فيستطيعون العيش مئة سنة أخرى في ظلّ "طالبان" بعدما عجزوا عن استغلال فرصة الوجود العسكري الأميركي لبناء نظام مختلف قابل للحياة بعيدا عن الظلام والظلم والظلاميّة والتخلّف!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواقعيّة الأميركية التي لا يوقفها الفشل الواقعيّة الأميركية التي لا يوقفها الفشل



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib