وضوح إيراني يقابله وضوح لبناني

وضوح إيراني يقابله وضوح لبناني

المغرب اليوم -

وضوح إيراني يقابله وضوح لبناني

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

هناك بكل بساطة وضوح إيراني ليس بعده وضوح. هناك في المقابل وضوح لبناني ليس بعده وضوح أيضا. عبّر عن ذلك المطران عودة رجل الدين الاستثنائي الذي يعرف تماما طبيعة التحديات التي تواجه لبنان.

مضت أيام على كلام العميد مرتضى قرباني مستشار قائد “الحرس الثوري” الإيراني الذي قال: “في حال ارتكبت إسرائيل أصغر خطأ تجاه إيران، سنسوّي تل أبيب بالتراب انطلاقا من لبنان”. الملفت في الكلام وضوحه، خصوصا عبارة “انطلاقا من لبنان”. ما هو ملفت أكثر صدور توضيح من “الحرس الثوري” لا يوضّح شيئا. معنى ذلك أنّ كلام قرباني يمثل بطريقة أو بأخرى وجهة النظر الرسمية لـ”الجمهورية الإسلامية” التي ترى في لبنان مجرّد ورقة. تُستخدم الورقة اللبنانية في خدمة مشروع توسّع إيراني. يختزل هذا المشروع الشعور بالفخر الذي راح يظهره مسؤولون إيرانيون بعد وضع الحوثيين، “أنصار الله”، يدهم على صنعاء في الواحد والعشرين من أيلول- سبتمبر2014. وقتذاك، تبجّح غير مسؤول في طهران بأن “الجمهورية الإسلامية” صارت تتحكّم بأربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.

في 2019، على الرغم من مرور ستة عشر عاما على تسليم أميركا العراق على صحن من فضّة إلى إيران، أظهرت بغداد أنّها عصيّة على طهران. يظهر العراقيون بكلّ انتماءاتهم الطائفية والمذهبية يوميا أنّهم يرفضون الرضوخ للاستعمار الإيراني. يتحدّون آلة القمع الإيرانية المتمثّلة في ميليشيات مذهبية دخلت بغداد في نيسان- أبريل من العام 2003 على ظهر دبابة أميركية!

بالنسبة إلى دمشق، سيتبيّن يوما أن الثورة التي اندلعت في آذار- مارس 2011 مستمرّة، وأنّه ليس طبيعيا أن تتحوّل عاصمة الأمويين إلى مدينة تحكمها إيران، مهما ذهبت بعيدا في الاستثمار في عملية تغيير التركيبة السكانية للمدينة والمناطق المحيطة بها.

بالنسبة إلى صنعاء، لا يمكن للمدينة العريقة إلا أن تستفيق يوما. هناك ظلم تاريخي لحق بالعاصمة اليمنية، خصوصا بعد إصرار الحوثيين في مثل هذه الأيّام من العام 2017 على اغتيال علي عبدالله صالح بدم بارد، وذلك كي لا يكون لديهم شريك في حكم العاصمة والمناطق الواقعة تحت سيطرتهم والتحكّم بها على نحو مطلق. ليس منطقيا بقاء صنعاء في أسر التخلّف والبؤس وشعار “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود” وذلك من أجل تنفيذ سياسة إيرانية تستهدف، انطلاقا من اليمن، كلّ دولة من دول الخليج العربي، في مقدّمها المملكة العربيّة السعودية.

تبقى بيروت التي ترفض أن تكون مدينة بلا حياة وتحت سيطرة ثقافة الموت التي يسعى “حزب الله” إلى فرضها عليها. بيروت ما زالت تقاوم. كان آخر تأكيد على ذلك عظة للمطران إلياس عودة، مطران بيروت للروم الأرثوذكس. كانت العظة في ذكرى استشهاد الأخ والزميل والحبيب جبران تويني قبل أربعة عشر عاما. كان المطران عودة شديد الوضوح في وصف ما يعاني منه لبنان، خصوصا أن الجميع يعرف من وراء اغتيال جبران تويني ولماذا اغتيل رجل آمن بلبنان وبثقافة الحياة فيه، رجل استطاع تحويل جريدة “النهار” العريقة إلى أداة مقاومة من أجل استعادة لبنان حريته وسيادته واستقلاله. قال المطران عودة بالحرف الواحد “هل نعيش في جمهورية أصنام أم جمهورية دمى؟ هذا البلد يُحكم اليوم من شخص تعرفونه جميعكم ولا أحد يتكلّم. ويحكم من جماعة بقوة السلاح. المسؤولون خائفون من صوت الحق والحقيقة، خافوا من هذا الصوت ولم يحترموه”.

هناك بكل بساطة وضوح إيراني ليس بعده وضوح. هناك في المقابل وضوح لبناني ليس بعده وضوح أيضا. عبّر عن ذلك المطران عودة رجل الدين الاستثنائي الذي يعرف تماما طبيعة التحديات التي تواجه لبنان، وتلك التي تواجه الكنيسة الأرثوذكسية بالذات أيضا. يوجد من يريد جرّ الكنيسة إلى أن تنضمَّ إلى المدافعين عن “حلف الأقلّيات” الذي تقف إيران خلفه. لا حاجة بالطبع إلى الدخول في تفاصيل متعلّقة بـ”حلف الأقلّيات”، الذي يخدم في المدى الطويل دولة عنصرية هي إسرائيل. ولا حاجة إلى توصيف الجهود التي يبذلها النظام السوري، وهو نظام أقلّوي، من أجل تحويل هذا الحلف إلى حقيقة بمشاركة إيران ورعايتها. لكنّ الأكيد أن “حلف الأقلّيات” هو مقبرة للمسيحيين المشرقيين، بما في ذلك الموارنة. وهذا ما يدركه رجل انفتاح مثل المطران عودة الذي اضطر أخيرا إلى تسمية الأشياء بأسمائها متفاديا ذكر أسماء العَلم التي لا تبدو في حاجة إلى من يذكرها لشدّة ما هي معروفة.

مثل هذا الوضوح اللبناني في مقابل الوضوح الإيراني يعوّض إلى حدّ كبير عن تقصير الدولة التي تمرّ في أزمة عميقة على كلّ المستويات، أزمة من نوع لا سابق له منذ قيام لبنان الكبير قبل نحو قرن. صحيح أن ما يجري في لبنان يبقى تفصيلا مقارنة مع ما يجري في العراق حيث سيتحدد مستقبل النظام الإيراني والمعالم المقبلة للمنطقة، لكنّ الصحيح أيضا أن لبنان مصرّ على المقاومة من جهة، وعلى أن يبقى فيه من هو قادر على قول الحقيقة في أحلك الظروف وأقساها من جهة أخرى.

هناك في لبنان من يعرف تماما أنّه لو كانت إيران قويّة بالفعل ومرتاحة إلى وضعها، لما وجدت نفسها مضطرة لقول كلام من النوع الذي صدر عن مستشار قائد “الحرس الثوري”. مثل هذا الكلام عن “تسوية تل أبيب بالأرض انطلاقا من لبنان” يؤكد الضعف الإيراني. إنّه ضعف في القدرة على مواجهة الحقيقة بدل الهرب منها.

تقول الحقيقة بكل بساطة إن إيران عانت وتعاني من العقوبات الأميركية، وأن لبنان يعاني أيضا من هذه العقوبات التي جلبها على مصارفه إصرار واشنطن على ملاحقة الأذرع الإيرانية في المنطقة، من بينها “حزب الله”. لقد آن أوان الإفراج عن لبنان الأسير الذي تعتبره إيران مجرّد “ساحة”. آن أوان أن تظهر إيران أنّها لا تسعى سوى إلى نشر البؤس في المنطقة. لديها مخرج كي تؤكّد أنّها تغيّرت فعلا، وأنّها تعلّمت من تجربة العقوبات الأميركية. يظلّ لبنان نقطة البداية التي تستطيع الانطلاق منها في حال كانت لديها رغبة في استيعاب أن مشروعها التوسّعي إلى تراجع، وأن لا مستقبل لها لا في العراق ولا في سوريا ولا في لبنان، ولا حتّى في اليمن حيث لا أفق سياسيا أو اقتصاديا للمشروع الحوثي.

من هذا المنطلق، من الأفضل لإيران تقبّل وضوح المطران إلياس عودة، وأن تفرج عن الحكومة اللبنانية الجديدة عن طريق ضبط أدواتها وأدوات أدواتها من المسيحيين. فحكومة لبنانية معقولة ومقبولة من المجتمع الدولي ومن العرب تبقى الطريق الأقصر لمنع انهيار البلد.

هل تؤدي “الجمهورية الإسلامية” هذه الخدمة للبنان، أم تبقى أسيرة أوهام من نوع كلام مستشار قائد “الحرس الثوري” الإيراني الذي حاولت توضيحه من دون أن تنجح في ذلك؟

 

قد يهمك ايضا
الجزائر والعسكر
الحرب العراقية - الإيرانية المستمرّة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وضوح إيراني يقابله وضوح لبناني وضوح إيراني يقابله وضوح لبناني



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"

GMT 10:50 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دب بني عملاق يشارك فى حفل زفاف روسى ويلتقط السيلفي

GMT 08:20 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ماي تؤكد تقدم مفاوضات "بريكست" ودعم الفترة الانتقالية

GMT 11:58 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دنيا عبد العزيز ضيفة نيرة شريف على نغم إف إم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib