من عقدة فيتنام الى عقدة أفغانستان

من عقدة فيتنام... الى عقدة أفغانستان

المغرب اليوم -

من عقدة فيتنام الى عقدة أفغانستان

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

ما بدأ بخطأ لا يمكن الّا ان ينتهي بخطأ آخر اكثر فظاعة. لم يكن من خيار آخر لدى إدارة جو بايدن سوى الانسحاب من أفغانستان وإن في ظروف اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها في منتهى الفوضى. ستترك نتائج الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان وطريقة خروجها منها انعكاسات على السياسة الأميركية في المستقبل. ستحلّ عقدة أفغانستان مكان عقدة فيتنام التي عانت منها الإدارات المتلاحقة منذ العام 1975 طويلا.

هناك حرب استمرّت عشرين عاما كلفت اميركا ما يمكن ان يصل الى الف مليار دولار وثمّة من يقول اكثر. فشلت الولايات المتحدة من إقامة نظام قابل للحياة في أفغانستان بعد ازاحتها حكم "طالبان" الذي كان يؤوي أسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة" الإرهابي، هذا التنظيم الذي كان وراء "غزوتي واشنطن ونيويورك" في الحادي عشر من أيلول – سبتمبر 2001. اتخذ بايدن قرارا بالانسحاب نظرا الى انّ ادارته تعرف تماما انّ لا خيار آخر امام اميركا سوى الخروج عسكريّا من أفغانستان يوما. لماذا، اذا، الانتظار ودفع مزيد من الاثمان في حرب يستحيل الانتصار فيها؟

في هذا السياق، يبدو قرار الرئيس الأميركي منطقيّا الى حدّ بعيد. ما ليس منطقيّا هو الخطأ الذي ارتكبته الإدارة عندما عجزت عن تنظيم الانسحاب العسكري. تبيّن بكل وضوح انّ اميركا كانت في أفغانستان طوال عشرين عاما، لكنها بقيت لا تعرف شيئا عنها وعن قوّة "طالبان" ومدى انتشارها. لعلّ اهم ما كانت تجهله اميركا مدى هشاشة النظام الذي على رأسه اشرف غني خليفة حامد كرزاي. سارع اشرف غني الى الفرار من كابول. تبيّن بكلّ بساطة انّ عشرين عاما لم تكن كافية لبناء جيش أفغاني يستطيع الصمود لايّام قليلة امام "طالبان". لم تكن عشرون عاما كافية لمعرفة خبايا أفغانستان وخبايا "طالبان" التي تحاول حاليا تغطية تخلّفها عبر حملة علاقات عامة وجد من ينظّمها لها. عاجلا ام آجلا، سيتبيّن ان "طالبان" لا يمكن ان تتغيّر نظرا الى ان لا علاقة لها من قريب او بعيد بايّ سمة حضاريّة في هذا الكون.

في أساس الخطأ الذي ترافق مع الانسحاب العسكري في أفغانستان، خطأ آخر ارتكبته اميركا في العام 2003 عندما قرّرت إدارة جورج بوش الابن الذهاب إلى العراق قبل الانتهاء من حرب أفغانستان والانتهاء من "طالبان" والتنظيمات الارهابيّة الأخرى المنتشرة في أفغانستان بحماية "طالبان". في مقدّم هذه التنظيمات كان تنظيم "القاعدة" الذي لم يستطع إيجاد موقع له في مناطق افغانيّة مختلفة فحسب، بل استطاع ايضا إقامة علاقات مع ايران.

لم يكن طبيعيا دخول اميركا حربا أخرى في وقت لم تنته من حرب أفغانستان ومن دون الذهاب الى لبّ المشكلة، أي العلاقة بين الاستخبارات العسكريّة الباكستانيّة من جهة و"طالبان" من جهة أخرى. بدل التركيز على باكستان التي لعبت دورا مهمّا في ولادة "طالبان" والذهاب الى أساس المشكلة... ذهبت اميركا الى العراق من دون أيّ دليل على وجود علاقة بين نظام صدام حسين و"القاعدة". لا يعني ذلك ان الدفاع عن النظام العراقي السابق ممكن بمقدار ما يعني ان التخلّص منه جرى بالطريقة الخطأ والتوقيت الخطأ. هذا ما دفعت اميركا ثمنه في أفغانستان وما زال تدفعه الى اليوم.

لم يتضح بعد، وقد لا يتّضح يوما، من اخذ اميركا الى حرب أخرى في وقت لم تكن انتهت من حربها على الإرهاب في أفغانستان. كلّ ما تسرّب عن الامر أنّ بول ولفويتز نائب وزير الدفاع في عهد بوش الابن سارع الى المناداة بالانتقام من "القاعدة" في العراق. بادر إلى ذلك بعد ساعات من "غزوتي نيويورك وواشنطن" في اجتماع لكبار المسؤولين الاميركيين في منتجع كامب ديفيد بعيدا عن العاصمة. تصدّى كولن باول وزير الخارجية، وقتذاك، لولفويتز مؤكّدا ان ليس ما يثبت وجود علاقة بين نظام صدّام حسين و"القاعدة". لم يكن لدى نائب وزير الدفاع من ردّ. لكن ولفويتز قال بعد ذلك في سياق مقال طويل نشرته في حينه مجلة "فانيتي فير": "زرعت البذور"، أي انّه زرع بذور فكرة الذهاب الى العراق الذي عانى بدوره من نتائج حرب اميركيّة غير مدروسة أدت الى فشل ذريع بتكاليف مادية وانسانيّة باهظة، إضافة الى خلل في التوازن الإقليمي صب في مصلحة ايران إن في منطقة الخليج او في الشرق الأوسط.

لا يمكن للخطأ سوى ان يجرّ الى خطأ آخر. ما حصل من فشل في أفغانستان بدأ بخطأ الذهاب الى العراق لأسباب ما زالت مجهولة. مثلما لم تفهم الإدارات الأميركية، من ادارة جورج بوش الابن... الى إدارة جو بايدن، مرورا طبعا بإدارة باراك أوباما العراق، لم تفهم أفغانستان. لم تدرك كلّ هذه الإدارات معنى تقديم العراق على صحن من فضّة الى ايران. لم تدرك أيضا ما هي حركة "طالبان" وانّ "طالبان" لا يمكن ان تتغيّر مهما وضعت من المساحيق على وجهها وبغض النظر عن وجود من يقدّم لها النصائح كي تبدو وكأنّها تغيّرت. يظلّ الموقف من المرأة من خلال اجبارها على ان تكون مواطنا من الدرجة الثانية او الثالثة او الرابعة المقياس الاهمّ في الحكم على أي نظام او تنظيم سياسي.

ستمضي سنوات قبل أن تخرج الولايات المتحدة من عقدة أفغانستان... هذا اذا خرجت، مع فارق كبير بين فيتنام وأفغانستان. في فيتنام هناك شعب أعاد بناء بلده بعد الانسحاب الأميركي الفوضوي من سايغون في نيسان- ابريل 1975. اقامت فيتنام علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة. في السنوات الثلاثين الأخيرة، زار رؤساء اميركيون هانوي، آخرهم كان دونالد ترامب.

تطلّع الفيتناميون الى المستقبل. في المقابل، يبدو مستقبل أفغانستان على كفّ عفريت بوجود حركة تتطلّع فقط الى الماضي والى تكريس التخلّف. لكنّ القاسم المشترك بين فيتنام وأفغانستان يبقى العقدة التي ولدت من الانسحابين الاميركيين. إنّها عقدة أميركية بامتياز ستجعل أي حليف للولايات المتحدة يشعر مجدّدا بانّ الرهان على الإدارة الموجودة في واشنطن رهان غير مضمون، بل رهان خاسر سلفا!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من عقدة فيتنام الى عقدة أفغانستان من عقدة فيتنام الى عقدة أفغانستان



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib