الثابت الوحيد في إسرائيل

الثابت الوحيد في إسرائيل

المغرب اليوم -

الثابت الوحيد في إسرائيل

بقلم: خيرالله خيرالله

شكل بنيامين نتانياهو حكومة إسرائيلية جديدة ام لم يستطع ذلك. المهمّ اخذ العلم بالتغيير الكبير الذي حصل في إسرائيل حيث صارت المنافسة بين اليمين واليمين ومزايدة بينهما على استبعاد ايّ دور للأحزاب العربية. لا يريد الحزبان اليمينيان الكبيران (ليكود وازرق وابيض) السماع بالاحزاب العربية على الرغم من النتيجة الجيّدة التي حققتها في الانتخابات الأخيرة.

من الواضح ان "بيبي"، كما يسمّيه الإسرائيليون، استطاع تعويم نفسه اوّلا وتحقيق انتصار سياسي كبير في الوقت ذاته. حصل تكتل ليكود على 35 او 36 نائبا، من اصل 120، في الكنيست نتيجة الانتخابات الأخيرة، وهي الثالثة في غضون سنة واحدة. لم يعد امام الرئيس الاسرائيلي رؤوفين ريفلين سوى تكليفه تشكيل حكومة نظرا الى ان حزبه حلّ اوّلا... الّا اذا حصل تدخل من القضاء يمنع ريفلين من الاقدام على مثل هذه الخطوة.

يبدو لافتا التوجّه لدى الجمهور الإسرائيلي الى إعادة الثقة بنتانياهو على الرغم من تهم الفساد الموجّهة اليه والتي ستجبره على المثول امام القضاء في غضون أسبوعين. يشير ذلك الى ان الشعب في إسرائيل لم يعد مهتمّا باي قيم ذات طابع أخلاقي. كلّ ما يهمّ الإسرائيلي العادي حاليا متابعة سياسة يمينية تقوم على تحقيق الرفاه والعيش الرغيد وتكريس الاحتلال للضفّة الغربيّة من جهة، في غياب ايّ اهتمام بما كان يسمّى عملية السلام مع الفلسطينيين من جهة أخرى.

ليس مضمونا ان يشكل "بيبي" حكومة. ليس لديه الى الآن سوى 58 صوتا في الكنسيت، فيما حاجته الى 61 صوتا. على الرغم من ذلك كلّه، هناك نقاط عدّة لا مفرّ من التوقّف عندها. مثل هذه النقاط، التي تستأهل بعض الاهتمام، قد تساعد في فهم التحوّل الجذري الذي شهدته إسرائيل في السنوات العشرين الأخيرة وصولا الى تمكين "بيبي" من ان يكون "ملك إسرائيل". حاز على هذا اللقب نظرا الى انّه امضى المدة الاطول من أي سياسي آخر في موقع رئيس الوزراء.

في مقدّم النقاط، التي يستحسن التوقّف عندها، ان من انتصر في إسرائيل هو قاتل اسحق رابين في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1995. اسم هذا القاتل ييغال عمير، وهو شاب يهودي متطرّف من أصول يمنية. قرّر عمير، استنادا الى اعترافاته، قتل رابين بسبب توقيعه اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات في خريف العام 1993. منذ قتل رابين، ماتت عملية السلام وتبيّن انّ هناك إسرائيل أخرى ولدت في اللحظة التي استطاع فيها عمير اطلاق الرصاصة القاتلة التي انهت حياة رجل سياسي بكلّ ما كان يرمز اليه، بما في ذلك دوره كرئيس للاركان في حرب 1967. كان رابين يرمز قبل ايّ شيء آخر الى القدرة على اتخاذ قرار صعب يقضي بعقد اتفاق مع هذا الطرف العربي او ذاك.

مع اغتيال اسحق رابين، لم يعد في إسرائيل قادة سياسيون لديهم تاريخ مرتبط بأحداث مهمّة محدّدة منذ اعلان ديفيد بن غوريون عن قيام الدولة في العام 1948 ثم الحروب التي خاضتها إسرائيل ان في 1956 او 1967 او 1973. بقي شمعون بيريس الذي تبيّن مع الوقت انّه لا يمتلك أي مواصفات قيادية، شخصية عاجزة عن الحسم عندما كانت هناك حاجة اليه. الدليل على ذلك، انّه لم يستطع البقاء حيّا سياسيا في غياب اسحق رابين. نجح في خسارة انتخابات 1996 على الرغم من انّ الإسرائيليين كانوا متعاطفين مع حزب العمل في تلك المرحلة. امّا ارييل شارون فظلّ مجرّد سياسي يميني لا همّ له سوى الدفع في اتجاه قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية وصولا الى يوم لا يعود فيه أي امل بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

يمثل "بيبي" إسرائيل الأخرى التي ولدت يوم اغتيال رابين. يمثّل قبل كلّ شيء التحوّل الذي شهده المجتمع الإسرائيلي. ساعدت "حماس" في حصول هذا التحوّل عن طريق العمليات الانتحارية التي نفذتها في القدس وتل ابيب وغيرهما في تسعينات القرن الماضي وفي مطلع القرن الواحد والعشرين من اجل افشال أي عملية سلام. ففي مثل هذه الايّام من العام 2002 وفيما كانت القمة العربية في بيروت تنهي اعمالها، كانت هناك عملية انتحارية في منطقة قريبة من الحدود اللبنانية قتل فيها مدنيون إسرائيليون. لم يكن من هدف للعملية سوى خنق مبادرة السلام العربية التي اقرّتها القمّة العربية في المهد.

لا يمكن الحديث فقط عن دور "حماس" المدعومة من ايران في تغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي. هناك عوامل أخرى ساهمت في هذا التغيير من بينها الثروة الكبيرة التي بدأت تصنعها الشركات الإسرائيلية التي تعمل في مجال التكنولوجيا المتطورة. صارت بعيدة تلك الايّام التي كانت فيها حياة الكيبوتز ترمز الى المجتمع الإسرائيلي.

تغيّرت إسرائيل من داخل كلّيا. تغيّرت طبيعة العلاقات الاميركية – الإسرائيلية في عهد دونالد ترامب. تغيّرت المنطقة أيضا. شمل التغيير العلاقة الروسية – الإسرائيلية. هناك تنسيق واضح بين الجانبين في سوريا. هناك أيضا علاقة متميّزة بين الرئيس فلاديمير بوتين و"بيبي". ظهر ذلك في مناسبات عدّة كشفت عمق الروابط بين الرجلين.

ما يتجاهله كثيرون انّ تفاعلات الزلزال العراقي الذي وقع في مثل هذه الايّام من العام 2003 مستمرّة. انتهى العراق الذي عرفناه في ضوء الاجتياح الاميركي وقيام نظام جديد ليس قابلا للحياة. انتهت أيضا سوريا التي عرفناها، فيما دخل لبنان مرحلة الانهيار الفعلي. ليس معروفا كيف سيتأقلم "حزب الله"، الميليشيا المذهبية التابعة لإيران والتي تسيطر على "العهد القوي" في لبنان مع هذا الانهيار. فوق ذلك كلّه، هناك رأي عام عربي رسمي وشعبي بات يعتبر، بأكثريته، ان ايران تمثّل الخطر الأكبر على العرب عموما.

ليس مهمّا ان يشكل "بيبي" حكومة، بمقدار ما انّ المهمّ السعي الى رؤية التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة وذلك من خلال ما يحدث في إسرائيل نفسها. اليس مستغربا انّ تدين السلطة الوطنية الفلسطينية "صفقة القرن" وان تقف بعد ذلك موقف المتفرّج؟ اليس مستغربا اكثر الكلام عن استعادة الوحدة الوطنية ردّا على "صفقة القرن"، فيما يشير الواقع الى ان الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني بات اكثر عمقا من ايّ وقت؟

هذه مجرّد ملاحظات على ما نراه من تغييرات في المنطقة كلها وفي إسرائيل نفسها حيث الشيء الوحيد الثابت استمرار الاستيطان وتوسيع رقعة الاحتلال... شكّل "بيبي" حكومة ام لم يشكّل مثل هذه الحكومة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثابت الوحيد في إسرائيل الثابت الوحيد في إسرائيل



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 08:47 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تيك توك يتخلص من أكثر من 200 مليون فيديو مخالف خلال 3 أشهر

GMT 02:26 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

احتياطيات ورأسمال بنوك الإمارات تتجاوز 136 مليار دولار

GMT 03:01 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الدفاع الجديدي يهزم حسنية أكادير

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ميناء طنجة المتوسط يحصل عل قرض من مؤسسة التمويل الدولية “IFC”

GMT 22:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الطرق تواصل حصد أرواح المغاربة

GMT 21:19 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib