إيران ونهاية زمن التذاكي على أميركا

إيران ونهاية زمن التذاكي على أميركا

المغرب اليوم -

إيران ونهاية زمن التذاكي على أميركا

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

إيران لم تستوعب أن نشر الخراب والبؤس لا يمكن أن يكون سياسة، وأن إنشاء ميليشيات مذهبية في هذا البلد أو ذاك لا يمكن إلا أن يرتدّ على صاحب فكرة هذه الميليشيات.

ليس في استطاعة النظام الإيراني تغيير جلده. يعود ذلك إلى أنّ هذا النظام قام أصلا على فكرة “تصدير الثورة” وعلى رفض الاعتراف بالشعب الإيراني وطموحاته. تؤكّد ذلك الكوارث التي حلّت بالمنطقة كلّها وبإيران نفسها. وفي مقدّم هذه الكوارث تأتي الحرب العراقية – الإيرانية.

اندلعت تلك الحرب في أيلول – سبتمبر 1980 وانتهت صيف العام 1988 بإعلان آية الله الخميني “المرشد” وقتذاك تجرّع كأس السمّ.

كان هناك دائما خلاف على التاريخ الحقيقي لاندلاع تلك الحرب. يعتبر العراق، حين كان صدّام حسين رئيسا للجمهورية أنّها اندلعت في الرابع من أيلول – سبتمبر، عندما راحت “الجمهورية الإسلامية” المعلنة حديثا تتحرّش بالعراق عسكريا على طول الحدود بينهما. في المقابل تعتبر إيران أنّ البداية كانت بالهجوم الواسع الذي باشره الجيش العراقي في الثاني والعشرين من ذلك الشهر، وهو هجوم ظنّ صدّام حسين بخبرته السياسية المحدودة بما يدور خارج حدود العراق، أنّه سيؤدي إلى هزيمة عسكرية سريعة لإيران وسقوط النظام الجديد.

ما حدث، عمليا، أنّ “الجمهورية الإسلامية” كانت المستفيد الأوّل من تلك الحرب نظرا إلى أن الخميني الذي كان قام بانقلابه على الليبراليين والمعتدلين من الذين شاركوا في الثورة على الشاه وتخلّص منهم الواحد تلو الآخر، استغلّ الهجوم العراقي إلى أبعد حدود. لا حاجة إلى استعادة لتفاصيل الأحداث التي شهدتها إيران منذ عودة الخميني ورحيل الشاه، بما في ذلك التخلّص من حكومة مهدي بازركان بموازاة احتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز دبلوماسييها طوال 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979
لا يستطيع النظام الإيراني إلا أن يكون متشددا. لا لشيء سوى لأنه ليس لديه أيّ خيار آخر، أي خيار أن تكون إيران دولة طبيعية. لو كانت دولة طبيعية، لكانت عثرت على صيغة تعايش مع العراق بدل متابعة زرع الخراب والدمار طوال تلك السنوات الثماني للحرب من أجل إحياء الروح الوطنية الفارسية والتخلّص من الجيش النظامي، جيش الشاه، عن طريق إرساله إلى جبهات الحرب.

منذ انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية، وهي حرب انتهت بشبه انتصار عراقي، لم يتغيّر شيء في “الجمهورية الإسلامية” التي اعتقدت أنّ في استطاعتها دائما التذاكي على الإدارات الأميركية المتلاحقة. أكثر من ذلك، لا يمكن لإيران التراجع عن كلّ ما حقّقته من انتصارات منذ العام 2003 تاريخ الاجتياح الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدّام حسين. كان العراق الجائزة الكبرى بالنسبة إلى إيران. حققت إيران حلما تاريخيا بالانتقام من العراق، خصوصا بعد انتقال قادة ميليشيات مذهبية عراقية حاربت إلى جانب “الحرس الثوري” إلى بغداد على ظهر دبابة أميركية.

في ظلّ هذه المعطيات، يستحيل على إدارة دونالد ترامب التعاطي مع إيران كما لو أنّها تتعاطى مع دولة طبيعية يمكن الأخذ والرد معها. تعود المشكلة في إيران، في هذه الأيّام بالذات، إلى أنّ ليس هناك في طهران من يريد الاعتراف بأنّ زمن التذاكي على الأميركيين انتهى. ما خسرته إيران من خلال تصفية الأميركيين لقاسم سليماني هو خسارة لجوهرة التاج في الإمبراطورية التي حلم “الحرس الثوري” بإقامتها في المنطقة. هذا الحلم تجدّد في العام 2003 إثر تسليم جورج بوش الابن العراق على صحن من فضّة إلى إيران.

ليس أصعب من أن تتصالح إيران مع الواقع، بما في ذلك مع أن العراق الذي تريد تحويله إلى محميّة إيرانية، من منطلق مذهبي قبل أيّ شيء آخر. ليس العراق بلدا سهل المراس، كما أنّ لدى العراقيين من الشيعة العرب ما يكفي من الشعور الوطني كي ينتفضوا في وجه الاستعمار الإيراني بكل أشكاله وكلّ أدواته.

ليس العراق وحده الذي يستعصي على إيران. هناك استثمار كبير في سوريا لا يبدو أنّ ثمّة فائدة منه في المدى الطويل. هذا الاستثمار حمل إيران على صرف مليارات الدولارات من أجل بقاء بشّار الأسد في دمشق. ليس سرّا أن رئيس النظام السوري وضع نفسه منذ خَلَفَ والده في الجعبة الإيرانية من منطلق الإعجاب الشديد بشخص الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله والشعارات التي يطلقها. في نهاية المطاف، ما نتيجة الاستثمار الإيراني في سوريا الذي شمل إرسال مقاتلين من “حزب الله” للدفاع عن نظام بشّار الأسد وتغيير التركيبة الديموغرافية في مناطق معيّنة، على رأسها دمشق ومحيطها وكلّ الشريط الحدودي اللبناني – السوري، فضلا عن الذهاب إلى حلب وجوارها؟ الجواب أن فلاديمير بوتين، جاء إلى دمشق في لحظة معيّنة ليقول بكلّ صراحة إن سوريا باتت في عهدة روسيا ولا أحد غيرها، وأنّ كل الضمانات المطلوبة إسرائيليا هي في عهدة موسكو ولا أحد غيرها.

استثمرت إيران في الخراب. على الرغم من ذلك، يظلّ نظامها غير قابل للتغيير، خصوصا أنّها تعتقد أن لدى “الجمهورية الإسلامية” ما تقدّمه لجيرانها وما هو أبعد من جيرانها، أي إلى اليمن على سبيل المثال وليس الحصر.

جاء وقت مواجهة الحقيقة. هناك ما هو أبعد من تصفية قاسم سليماني. هناك عودة لإيران إلى أخذ حجمها الطبيعي والتخلّي عن وهم القوة العظمى في المنطقة. لا يبدو أن ذلك مقبول في طهران ذات الشهيّة المفتوحة على المزيد من النشر للبؤس في غير بلد عربي.

نعم، لا يمكن لإيران أن تتغيّر لأنّ أي تغيير يعني اعترافا بالفشل من جهة، واعترافا بالشعب الإيراني وطموحاته من جهة أخرى. إنّ آخر ما يهمّ الشعب الإيراني هو الانتقام لقاسم سليماني الذي تبيّن أن كلّ استثماراته خارج الحدود الإيرانية كانت من النوع الذي لا فائدة تذكر منه. حسنا، خاضت إيران الحرب على الشعب السوري إلى جانب بشّار الأسد، أي مستقبل لبشّار بعد كلّ الذي حلّ بسوريا. بل أي مستقبل لسوريا؟

لنضع العراق جانبا، ما الفائدة من استثمار مليارات الدولارات في “حزب الله” غير إيصال لبنان إلى حال الانهيار التي وصل إليها، في حين أنّه كان يستطيع الاستفادة من موقعه الجغرافي ومن احتضان العرب له بدل أن يكون بلدا معزولا يبحث عن أصدقاء كما الحال الآن.

لا شيء ينجح مثل النجاح. هذا ما لم تستطع “الجمهورية الإسلامية” استيعابه. لم تستوعب خصوصا أن نشر الخراب والبؤس لا يمكن أن يكون سياسة، وأن إنشاء ميليشيات مذهبية في هذا البلد أو ذاك لا يمكن إلا أن يرتدّ على صاحب فكرة هذه الميليشيات. ليس ما ينفع إيران “الجمهورية الإسلامية” في شيء قبل التصالح مع شعبها أوّلا.

قد يهمك ايضا
أردوغان وميركل يبحثان هاتفيا المستجدات في ليبيا وسوريا
رسالة أممية مِن "الوفاق" والرئيس التركي يُوضِّح دور الوجود العسكري التركي في طرابلس

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران ونهاية زمن التذاكي على أميركا إيران ونهاية زمن التذاكي على أميركا



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"

GMT 10:50 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دب بني عملاق يشارك فى حفل زفاف روسى ويلتقط السيلفي

GMT 08:20 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ماي تؤكد تقدم مفاوضات "بريكست" ودعم الفترة الانتقالية

GMT 11:58 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دنيا عبد العزيز ضيفة نيرة شريف على نغم إف إم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib