الحق على الأفغان وعلى اميركا ايضا

الحق على الأفغان... وعلى اميركا ايضا!

المغرب اليوم -

الحق على الأفغان وعلى اميركا ايضا

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

من يستمع إلى خطاب الرئيس جو بايدن الذي يبرر فيه قرار الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان يصاب بنوع من الذهول. لا لشيء، سوى لانّ التركيز الوحيد في الخطاب كان على فشل الشعب الافغاني والجيش الافغاني في الوقوف في وجه "طالبان" بكلّ ما تمثّله من تخلّف على كلّ صعيد.

لم يتطرّق بايدن في ايّ لحظة الى جانب آخر في غاية الاهمّية، أي الى مسؤولية الإدارات الأميركية المتلاحقة طوال عشرين عاما في معرفة ما هي أفغانستان وما هي إمكانات النجاح فيها باستثناء قلب نظام "طالبان" الذي حمى أسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة" المسؤول عن "غزوتي نيويورك وواشنطن"، أي عن سقوط مئات الضحايا الاميركيين.

لعلّ أسوأ ما في الخطاب تعداد أنواع الأسلحة التي زوّد بها الاميركيون الجيش الافغاني وعجزه عن استخدامها عندما صارت هناك ضرورة لها. هل كانت حاجة الى عشرين عاما كي تكتشف اميركا بكلّ ما تمتلكه من أجهزة أنّ النظام الافغاني فاشل اصلا وانّ اشرف غني ليس افضل من حامد كرزاي؟

لم ينبس بايدن، المفترض ان تكون له خبرة طويلة في السياسة الخارجيّة، ببنت شفة عندما تعلّق الامر بالاخطاء الأميركية. في مقدّم هذه الأخطاء الذهاب الى حرب أخرى في العراق في العام 2003 والعجز عن الذهاب الى الجذور في أفغانستان. يعني الذهاب الى الجذور العودة الى طبيعة نشأة "طالبان"، فضلا عن دور جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستاني في قيام تلك الحركة التي استولت على كابول بين 1996 و2001، عندما انقلب السحر على الساحر وتبيّن ان الارهابي أسامة بن لادن يتحكّم بـ"طالبان" اكثر مما هي تتحكّم به. لم يشر بايدن للأسف الشديد الى دور الولايات المتّحدة في تشجيع "طالبان" على الوصول الى كابول والاستيلاء على السلطة.

استنادا الى تقارير محايدة، ظهرت حركة "طالبان" في العام 1994 في أفغانستان بعدما شهدت البلاد حربا مع القوات السوفياتية بين عامي 1979 و1989 ونزاعا داخليا في صفوف من كانوا يسمّون نفسهم "المجاهدين" إثر انهيار النظام الموالي للسوفيات في كابول في العام 1992.

نشأت الحركة في مدارس قرآنية في باكستان المجاورة حيث وجد الإسلاميون في "طالبان" ملاذا آمنا إبان النزاع مع القوات السوفياتية، وكانوا حينها بقيادة الملا محمد عمر الذي توفّى في العام 2003 ليخلفه الملا أختر منصور الذي قُتل في باكستان في العام 2016. يقود "طالبان" حاليا الملا هيبة الله أخوند زاده، في حين يرأس الملا عبدالغني برادر، وهو أحد مؤسسي الحركة، جناحها السياسي.

عرفت "طالبان" التي تسعى الى استعادة سيطرتها على افغانستان صعودا سريعا بدعم من باكستان وموافقة ضمنية من الولايات المتحدة. ففي تشرين الأول-أكتوبر 1994، سيطرت طالبان من دون عناء على قندهار عاصمة المملكة البشتونية السابقة في جنوب البلاد. بفضل ترسانتها العسكرية وقدراتها المالية التي جمعتها من الحروب والتي تتيح لها ضم قادة محليين، راكمت الحركة الانتصارات الميدانية وصولا إلى كابول التي سيطرت عليها في 27 أيلول-سبتمبر 1996. طردت "طالبان" الرئيس برهان الدين رباني وأعدمت علنا الرئيس الشيوعي السابق محمد نجيب الله.

وانكفأ القيادي البارز خلال حقبة مقاومة القوات السوفياتية أحمد شاه مسعود إلى وادي بانشير في شمال كابول حيث عمل على تنظيم صفوف المقاومة المسلّحة.

بعدما تولوا السلطة، فرض قادة "طالبان" رؤيتهم المتشددة للشريعة الإسلامية، وحظروا الألعاب والموسيقى والصور والتلفزيون... ومنعوا النساء من العمل وأغلقوا مدارس تعليم البنات. عمدوا ايضا إلى قطع أيدي السارقين وإعدام القتلة والمثليين علنا ورجم الزانيات بالحجارة حتى الموت، في ممارسات لقيت تنديدا واسعا لم يترك ايّ تأثير على ارض الواقع.

في آذار-مارس 2001، فجّرت "طالبان" تمثالين بوذيين عملاقين في باميان وسط افغانستان. ادّى ذلك الى موجة استنكار عالمية من دون فائدة تذكر. في مرحلة معيّنة، نُقل مقر السلطة إلى قندهار حيث أقام الملا عمر في منزل بناه أسامة بن لادن.

إضافة الى ذلك، استقطبت الأراضي الخاضعة لسيطرة "طالبان" الإسلاميين المتطرفين من مختلف أنحاء العالم، وتحوّلت هذه الاراضي إلى معسكرات تدريب خصوصا لتنظيم "القاعدة". ما الذي يمنع الان تكرار المشهد نفسه في غياب جواب عن السؤال الأساسي، وهو: هل تغيّرت "طالبان"... او هل يمكن لـ"طالبان" ان تتغيّر؟

عرض جو بايدن وجها واحدا من المشكلة التي واجهت اميركا في أفغانستان وذلك بغية تبرير الهزيمة التي لحقت ببلده. لم يشر لا من قريب او بعيد الى ان "طالبان" كانت مدعومة اميركيا في البداية وانّ الهمّ الأميركي كان محصورا وقتذاك في ان تكون أفغانستان ممرا لانابيب الغاز من جمهوريات اسلاميّة قريبة منها. لم يكن الهم الأميركي محصورا في يوم من الايّام في قيام أفغانستان جديدة وفق نظام جديد يحترم حقوق الانسان والمرأة وإن في حدودها الدنيا.

أسوأ ما يحصل حاليا انّ اميركا تترك أفغانستان وتترك معها صورة قوّة عظمى محتارة بأمرها. قوة عظمى لا تعرف ماذا تريد. فوق ذلك كلّه، لا تدرك القوة العظمى هذه أنّ "طالبان" مسؤولية أميركية أيضا وانّ عليها ان تتعلّم من تجارب الماضي القريب، خصوصا ان الانسحاب من أفغانستان سيوفّر فرصة لكثيرين، في مقدّمهم ايران، كي يجرّبوا التحرّش باميركا وجسّ نبضها.

يظلّ القاء المسؤولية على الآخرين بمثابة لجوء الى الحلّ السهل. نعم الحقّ على الأفغان. لكنّ الحق على اميركا أيضا التي أظهرت كم هي ضعيفة في مواجهة "طالبان" والتي يمكن أن تظهر ضعفها امام "الجمهوريّة الاسلاميّة" أيضا. هل اميركا ضعيفة الى درجة الاستسلام الكامل امام "طالبان"؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحق على الأفغان وعلى اميركا ايضا الحق على الأفغان وعلى اميركا ايضا



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib