بين إنقاذ لبنان وإنقاذ حزب الله

بين إنقاذ لبنان وإنقاذ "حزب الله"

المغرب اليوم -

بين إنقاذ لبنان وإنقاذ حزب الله

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

ما يعيشه لبنان حاليا هو من نتائج ممارسات صبّت كلّها في اتجاه إفلاس البلد سياسيا واقتصاديا. هل من إفلاس سياسي أكبر من أن يصبح وزير الخارجية اللبناني صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربيّة؟

تحقّق المطلوب من حكومة برئاسة حسّان دياب، تشكّلت مثل هذه الحكومة أم لم تتشكّل. المطلوب، على أرض الواقع، إبلاغ كلّ من يهمّه الأمر أن هناك في لبنان مرجعية تحدّد من هو رئيس الحكومة السنّي، تماما مثلما تحدّد من هو رئيس الجمهورية المسيحي. المطلوب إذلال أهل السنّة في لبنان بعد تهميش المسيحيين وبيعهم وهما. يتمثّل هذا الوهم في أنّ في استطاعتهم استعادة ما يسمّى حقوقهم، في بلد تتحكّم به ميليشيا مذهبيّة تتلقّى الأوامر من طهران.

كلّ ما عدا ذلك تفاصيل تندرج في لعبة جعل اللبنانيين يتلهّون بمشاكل وحزازات فيما بلدهم انهار عمليا. لا يدلّ على الانهيار الفعلي أكثر من أنّ المواطن لم يعد قادرا على التصرّف بأمواله المودعة في المصارف. هل من بلد في العالم، غير لبنان، يعاني من هذه المشكلة التي تعني قبل أي شيء أنّ تغييرا في العمق طرأ على طبيعة البلد ونظامه السياسي والاقتصادي؟

لا بدّ هنا من التذكير بما قاله الرئيس حسين الحسيني، وهو أحد آخر رجالات الدولة في لبنان من الذين تجاوزوا الطوائف والمذاهب والمناطق، عن “أنّ الحدّ من حرية تصرف المودعين بودائعهم يشكل خرقا فاضحا لأحكام الدستور اللبناني الذي ينص في مقدمته على أن النظام الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. وهو من الأركان الأساسية لميثاقنا الوطني”.

لم يتعرّض اللبنانيون لاعتداء، بهذا الحجم، على حقوقهم منذ الاستقلال في العام 1943 وحتّى قبل ذلك، منذ الإعلان عن قيام لبنان الكبير في العام 1920. بكلمات قليلة وصّف حسين الحسيني، رجل الاعتدال والسيّد الحقيقي، الذي كان رئيسا لمجلس النوّاب، جانبا أساسيا من المأساة اللبنانية التي يرفض المسؤولون استيعاب أبعادها. يتلهّى هؤلاء، بدلا من ذلك، بلعبة تشكيل حكومة برئاسة حسّان دياب بغية تصفية حسابات داخلية. لا يمكن لمثل هذه العملية إلّا أن ترتدّ عليهم عاجلا أم آجلا.

لماذا سترتدّ هذه الحكومة، في حال تشكيلها، على الذين يقفون خلفها؟ الجواب أنّ شخص حسّان دياب لا يحلّ أي مشكلة باستثناء مشكلة “حزب الله”، الذي يرفض الاعتراف بالأزمة العميقة التي يمرّ فيها من جهة، ومشكلة جبران باسيل من جهة أخرى. يعتقد باسيل أنّ مستقبله السياسي مرتبط بأن يكون عضوا في حكومة برئاسة سعد الحريري… وإلّا لن يصبح يوما رئيسا للجمهورية!

من يعرف ولو قليل القليل عن الوضع في لبنان والمنطقة والعالم، يستطيع تأكيد أن لبنان في حاجة إلى حكومة من نوع آخر لا علاقة لها بالأسماء المتداولة ولا علاقة لها بـ”حزب الله” الذي وجد أخيرا سنّيا على استعداد لأن يكون رئيسا لمجلس الوزراء بأي ثمن كان.

لا قيمة لأي حكومة لبنانية على رأسها شخص مثل حسّان دياب. يتبيّن كل يوم أن ما قاله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط صحيح وفي مكانه. قال جنبلاط بالحرف الواحد إنّ من يشكّل الحكومة في لبنان هذه الأيام هو جميل السيّد المدير العام السابق للأمن العام والنائب الحالي الذي يجسّد في شخصه كلّ أحقاد النظام السوري وإيران على لبنان المزدهر المنتمي إلى محيطه العربي. لم يجد حسّان دياب ما يردّ به على جنبلاط، بل تابع تشكيل حكومته وكأنّ شيئا لم يكن.

في وقت لا يزال المواطنون اللبنانيون في الشارع منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر وفي وقت استطاع “حزب الله” مع آخرين من الحاقدين على بيروت ولبنان تحويل التحرّك الشعبي في اتجاه حملة مركّزة على المصارف وعلى رياض سلامة حاكم المصرف المركزي بالذات، يتلهّى المسؤولون اللبنانيون بالقشور وتوابعها، أي بحصص في حكومة حسّان دياب.

ما يغيب عن هؤلاء أن مثل هذه الحكومة ولدت ميتة وأن الحاجة إلى التصالح مع الواقع ومواجهته بدل الهرب منه. هذا يعني بكل بساطة الاعتراف بأنّ كلّ ما حصل في السنوات الثلاث الأخيرة، أي منذ وصول ميشال عون إلى موقع رئيس الجمهورية، كان تراكما لسلسلة من السياسات الخاطئة في كلّ المجالات. هذا التراكم لا يمكن عزله عن ممارسات “حزب الله” في الماضي القريب بدءا باغتيال رفيق الحريري ورفاقه في الرابع عشر من شباط – فبراير 2005  وصولا إلى انتخاب رئيس الجمهورية الحالي. هذا التراكم لم يستهدف سوى إفقار لبنان ونشر البؤس فيه وتهجير خيرة العقول منه.

ما يعيشه لبنان حاليا هو من نتائج ممارسات صبّت كلّها في اتجاه إفلاس البلد سياسيا واقتصاديا. هل من إفلاس سياسي أكبر من أن يصبح وزير الخارجية اللبناني صوت إيران في مجلس جامعة الدول العربيّة؟ هل من إفلاس أكبر من ألّا يعود هناك مسؤول أميركي على استعداد لعقد لقاء مع رئيس الجمهورية اللبنانية عندما يذهب إلى نيويورك؟

هناك حلّ واحد أمام لبنان. هذا الحلّ اسمه حكومة لا علاقة لها لا بـ”حزب الله” ولا بجبران باسيل الذي يعتقد أن طريق بعبدا تحتّم عليه أن يكون في صفّ “المقاومة” و”محور الممانعة”. في النهاية، هناك إدارة أميركية لم تعد لديها مشكلة مع إفلاس لبنان وهناك دول عربية قادرة على مساعدة لبنان، لكنّها لن تقدم على أي خطوة في هذا الاتجاه من دون توافر شروط معيّنة. لماذا، إذًا، اللفّ والدوران في حلقة مغلقة من نوع هل تبصر حكومة حسّان دياب، أي حكومة جميل السيّد، النور أم لا؟

لا خيار آخر أمام “عهد حزب الله” الذي لعب دوره منذ العام 2016 تحديدا في إيصال لبنان إلى الانهيار والإفلاس سوى مواجهة الواقع. ما يحصل حاليا في لبنان إضاعة لوقت ثمين ليس إلّا. لا يمكن إنقاذ “حزب الله” وإنقاذ لبنان في الوقت ذاته. إمّا “حزب الله” وإمّا لبنان بكل أبنائه من مسيحيين وسنّة وشيعة ودروز وأبناء الطوائف الأخرى. ليس لدى اللبناني سوى لبنان. ليس لدى اللبناني ولدى الشيعة، قبل غيرهم، خيار آخر غير لبنان، وذلك بعيدا عن أوهام “المقاومة” و”الممانعة” التي لم تكن سوى ذريعة لإبقاء البلد مجرّد “ساحة” للنظام السوري أو لإيران.

آن أوان الخروج من مرحلة الهروب من الواقع، بما في ذلك الواقع الإقليمي. ألم يسمع المسؤولون اللبنانيون قبل أيام بأن مصر، وهي أكبر دولة عربية، وقّعت اتفاقا تستورد بموجبه الغاز من إسرائيل؟ ليس مطلوبا التطبيع مع إسرائيل لبنانيا بمقدار ما المطلوب أن يفكّر لبنان في كيفية حماية مصالحه ومصالح شعبه بدل الغرق أكثر فأكثر في الوحول والعقد ورغبات إيران في إخضاع سنّة لبنان بعد إخضاع مسيحييه ودروزه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين إنقاذ لبنان وإنقاذ حزب الله بين إنقاذ لبنان وإنقاذ حزب الله



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"

GMT 10:50 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

دب بني عملاق يشارك فى حفل زفاف روسى ويلتقط السيلفي

GMT 08:20 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ماي تؤكد تقدم مفاوضات "بريكست" ودعم الفترة الانتقالية

GMT 11:58 2015 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

دنيا عبد العزيز ضيفة نيرة شريف على نغم إف إم
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib