جدار برلين والمرحلة العربية

جدار برلين والمرحلة العربية

المغرب اليوم -

جدار برلين والمرحلة العربية

بقلم - خير الله خير الله

سقط مع جدار برلين نظام عالمي وضعت أسسه نهاية الحرب العالمية الثانية واتفاقات بين كبار المنتصرين فيها. في الواقع، لم يكن هناك سوى منتصرين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
في التاسع من تشرين الثاني – نوفمبر 1989، أي قبل ثلاثين عاما، سقط جدار برلين. مع سقوط الجدار سقطت أشياء كثيرة من بينها الاتحاد السوفييتي، الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في بدايات العام 1992. قبل ذلك، توحّدت ألمانيا وتحرّرت كلّ دول أوروبا الشرقية من نير الشيوعية التي لم تكن سوى شعارات فارغة لا هدف لها سوى فرض هيمنة الاتحاد السوفياتي بالحديد والنار وعبر شخصيات كاريكاتورية على جزء من أوروبا.

لم يقتصر الأمر على تحرّر ألمانيا الشرقية وعودتها الى ألمانيا، بل تحرّرت تشيكوسلوفاكيا، التي صارت دولتين هما تشيكيا وسلوفاكيا. تحرّرت بولندا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا. أصبح حكام مثل الديكتاتور الروماني نيقولاي تشاوتشيسكو في مزبلة التاريخ.

سقط مع جدار برلين نظام عالمي وضعت أسسه نهاية الحرب العالمية الثانية واتفاقات بين كبار المنتصرين فيها. في الواقع، لم يكن هناك سوى منتصرين هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، اللذين قررا اقتسام العالم وتحويله إلى مناطق نفوذ لكلّ منهما.

    تعاطى حكام المنطقة الشرق الأوسطية من العرب، كلّ على طريقته في مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين

مع سقوط جدار برلين، انتهت عمليا الحرب الباردة التي دامت أقلّ من خمسة وأربعين عاما. الأهمّ من ذلك كلّه، أن الاقتصاد الحرّ انتصر على الاقتصاد الموجّه الذي تبيّن أنّه لا يستطيع أن يبني دولا بمقدار ما يستطيع أن يبني مؤسسات أمنية تدير دولا. حاول ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس للاتحاد السوفييتي إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر “بيرسترويكا” و”غلاسنوست”، لكنه اكتشف في نهاية المطاف أن بلدا مثل الاتحاد السوفييتي لا يستطيع لعب دور القوة العظمى في المدى الطويل في غياب اقتصاد قوي.

مرّ العالم في السنوات الثلاثين الماضية بمراحل عدّة. من الهيمنة الأميركية الكاملة على القرار الدولي، إلى صعود الصين وتحوّلها إلى قوة اقتصادية تتحدّى الولايات المتحدة من دون أن تتحدّاها… إلى عودة روسيا، بفضل فلاديمير بوتين، إلى لعب دور خارج حدودها ولكن من دون أحلام كبيرة في حجم تلك التي راجت أيّام الاتحاد السوفييتي.

تظلّ روسيا دولة متخلفة اقتصاديا، لكنّها دولة خطرة بسبب امتلاكها الصواريخ البعيدة المدى والسلاح النووي. هذا ما حذر منه غورباتشوف في الذكرى الثلاثين لسقوط جدار برلين. دعا غورباتشوف في حديث مع “بي.بي.سي” إلى التخلص من السلاح النووي الموجود لدى أميركا وروسيا وآخرين، والذي ما زال يشكل خطرا على العالم كلّه. ما يعطي فكرة عن حدود دور روسيا خارج حدودها كونها لا تواجه حاليا مشاكل كبيرة في سوريا بسبب الغطاء الأميركي لوجودها العسكري في هذا البلد المفتّت.

بعد ثلاثين عاما على سقوط جدار برلين ودخول العالم مرحلة القطب الواحد ثم مرحلة الفوضى المنظمة التي يرعاها حاليا دونالد ترامب في ظلّ تقلّص كبير للدور الأوروبي على كلّ صعيد، لا بد من العودة إلى مرحلة السنوات العربية التي ترافقت مع انتهاء الحرب الباردة. قلّة بين الزعماء العرب التقطت رياح التغيير. كان الملك حسين بين هذه القلّة التي لا يتجاوز عدد أفرادها أصابع اليد الواحدة. استوعب باكرا أخطار العاصفة التي بدت المنطقة مقبلة عليها فباشر إصلاحات سياسية كبيرة في الأردن بدءا بإعلان فكّ الارتباط مع الضفّة الغربية في 1988. وما لبث أن اتبع ذلك بإجراء انتخابات عامة في الأردن وذلك بعد سنوات طويلة من غياب الحياة البرلمانية. جاء موعد الانتخابات التي أشرفت عليها حكومة برئاسة الأمير زيد بن شاكر في الثامن من تشرين الثاني – نوفمبر 1989، أي في اليوم الذي سبق سقوط جدار برلين. هل الأمر صدفة أم أنّه دليل على الرؤية الثاقبة للحسين بن طلال؟

امتلك العاهل الأردني الراحل ما يكفي من الخبرة في شؤون المنطقة والعالم كي يذهب سريعا إلى استيعاب ما سيترتب على نهاية الحرب الباردة وانعكاسات ذلك على دول المنطقة وكياناتها. انعكس الاستيعاب الأردني الباكر للمستجدات الإقليمية والدولية على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. فهم “أبوعمّار”، بعد تحرّره من القيود السوفييتية التي حوّلت قضيّة فلسطين ورقة في يد موسكو، أنّه لم يعد أمامه سوى السعي إلى الذهاب إلى واشنطن معتمدا سياسة واقعية. تمثّلت هذه السياسة بإدانة الإرهاب علنا في مؤتمر صحافي انعقد في جنيف ثم ببدء حوار على مستوى معقول مع الإدارة الأميركية. كانت تونس، حيث مقرّ قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، المكان الذي استضاف ذلك الحوار، الذي عطلته لاحقا مواقف الزعيم الفلسطيني الخرقاء من الاحتلال العراقي للكويت في الثاني من آب – أغسطس 1990.

    بعد ثلاثين عاما على سقوط جدار برلين ودخول العالم مرحلة القطب الواحد ثم مرحلة الفوضى المنظمة التي يرعاها حاليا دونالد ترامب في ظلّ تقلّص كبير للدور الأوروبي على كلّ صعيد، لا بد من العودة إلى مرحلة السنوات العربية التي ترافقت مع انتهاء الحرب الباردة

جاء سقوط جدار برلين في وقت كان لبنان يمرّ في مرحلة جديدة بعد إقرار اتفاق الطائف، برعاية سعودية، في الثلاثين من أيلول – سبتمبر من العام 1989. شعر النظام السوري بخطورة هذا الاتفاق عليه، خصوصا أنّه كان يحظى بغطاء عربي ودولي. كانت ردة الفعل الأولى لدمشق التخلّص من الرئيس المنتخب رينيه معوض في الثاني والعشرين من تشرين الثاني – نوفمبر 1989 نظرا إلى أنّه كان يمتلك تلك التغطية اللازمة التي ستجبر السوري على بدء التفكير في الانسحاب عسكريا من الأراضي اللبنانية. نجح الرهان السوري على التخلّص من رئيس الجمهورية الجديد رينيه معوض. وفّر له صدّام حسين فرصة لا تعوّض لتعويم نفسه وذلك عندما اعتقد أنّ شيئا لم يتغيّر في هذا العالم وأنّ الاتحاد السوفييتي ما يزال موجودا وأنّه يمكن اللعب على المنافسة بين القوتين الكبيرتين ضمن هامش معيّن.

جاءت الفرصة التي التقطها حافظ الأسد من خلال الاحتلال العراقي للكويت. سارع الأسد الأب إلى الانضمام إلى التحالف الدولي، على رأسه أميركا، الذي كان يستعد لحرب استعادة الكويت من العراق. كان الوجود العسكري السوري الرمزي في حفر الباطن كافيا كي ينسى العالم الوجود العسكري السوري في لبنان، الذي بقي حتّى العام 2005. كان دمّ رفيق الحريري، الذي لعب دورا محوريا في التوصّل إلى اتفاق الطائف، كفيلا بإخراج السوري من لبنان.

تعاطى حكام المنطقة الشرق الأوسطية من العرب، كلّ على طريقته في مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين. هناك من فهم التغييرات العالمية مثل الملك حسين وهناك من لم يفهمها مثل صدّام حسين وهناك من حاول أن يفهم مثل ياسر عرفات وهناك من استلحق نفسه مثل حافظ الأسد.

هناك أخيرا الراحل علي عبدالله صالح، الذي التقط كلّ الإشارات التي كان مطلوبا التقاطها، فذهب إلى تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من أيار – مايو 1990. صحيح أن موقف الزعيم اليمني الجنوبي علي سالم البيض ساعده في تحقيق الوحدة، لكن الصحيح أيضا أنّ هذه الوحدة، التي باتت الآن من الماضي، ما كانت لتتحقق لولا سقوط جدار برلين…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جدار برلين والمرحلة العربية جدار برلين والمرحلة العربية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib