رسالة الجنوب الشيعية وطرابلس السنّية

رسالة الجنوب الشيعية وطرابلس السنّية

المغرب اليوم -

رسالة الجنوب الشيعية وطرابلس السنّية

بقلم - خير الله خير الله

تبقى الحاجة بكلّ بساطة إلى الانتهاء من عهد "حزب الله" ورموزه المسيحية. من دون ذلك، لا أمل بتحقيق الثورة اللبنانية أي وعد من وعودها.

أقرت الحكومة اللبنانية، بعد جهود مضنية، سلسلة من الإجراءات التي لا بأس بها من أجل وضع حدّ للعجز في الموازنة وتوفير أمل للمواطن العادي بتحسين وضعه المعيشي. كان الهدف من كلام رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، بعد جلسة للحكومة، نزع فتيل الأزمة التي يعاني منها لبنان، والتي أدت إلى نزول نصف الشعب إلى الشارع. لم يخف الحريري تعاطفه مع المتظاهرين مبديا كلّ تفهّم للأسباب التي دعت إلى قيام ما يمكن وصفه بـ”ثورة شعبية لبنانية” على كلّ المستويات الشعبية، وفي كلّ المناطق والطوائف.

ما ظهر واضحا، من خلال ما شهده لبنان يوم الاثنين، أن المواطن العادي لا يؤمن بالطقم السياسي الذي يحكم بالبلد، ولا بالنظام الذي فرضه “حزب الله” على اللبنانيين والذي جعل لبنان يمرّ بسلسلة من الأزمات، وصولا إلى الأزمة الأخطر المتمثّلة في وضع النظام المصرفي اللبناني الذي يبقى وحيدا العمود الفقري للاقتصاد بعدما أمعن “حزب الله” في عزل لبنان عن محيطه العربي.

ليست المشكلة في الإجراءات الإصلاحية التي أعلن عنها سعد الحريري، وهي إجراءات كان مفترضا إقرارها وبدء العمل بها قبل سنوات عدّة. تكمن المشكلة بكلّ بساطة في أن لا وجود لفريق عمل متجانس قادر على تنفيذ خطّة إنقاذية بدل أن يكون لبنان مجرّد ورقة إيرانية لا أكثر.

ما لا مفرّ من العودة إليه، أنّ من بين أسباب فقدان الدولار في السوق اللبنانية إغراق السوق بالعملة السورية من أجل شراء العملة الأميركية وذلك بغية تغطية عمليات شراء النفط لسوريا أيضا وليس للبنان وحده…

يجد لبنان نفسه في وضع لا يحسد عليه. يتجاوز الأمر ورقة إصلاحات اقتصادية في ظلّ عجز مستمرّ عن معالجة أيّ مشكلة مطروحة، بدءا بالكهرباء وصولا إلى النفايات. كلّ ما في الأمر أنّ تغييرا في العمق حصل في تركيبة النظام اللبناني فرضه “حزب الله” الذي يصرّ على تشكيل حكومات تقع تحت سيطرته لا مكان فيها لأيّ قدرة على النقاش الجدّي والأخذ والردّ. ما سمّاه “حزب الله”، الذي أتى برئيس الجمهورية الحالي وفرضه على اللبنانيين، بـ”الديمقراطية التوافقية” ليس سوى الطريق الأقصر لفرض دكتاتورية ونظام متسلّط على لبنان واللبنانيين، بغية تحويله إلى مستعمرة إيرانية. ما نشهده حاليا هو سعي إيراني للحلول مكان الوصاية السورية التي بدأت في 1990 والتي مهّد لها اغتيال الرئيس رينيه معوّض. بعد اغتيال رينيه معوّض، في 1989، صار اتفاق الطائف الذي في أساس الدستور اللبناني الحالي ينفّذ على الطريقة السورية. بعد اغتيال رفيق الحريري في 2005، صار مطلوبا تنفيذ اتفاق الطائف على الطريقة الإيرانية. ألم يقل قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني، بعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان (في أيّار- مايو 2018) إن “الجمهورية الإسلامية” صارت تمتلك أكثرية في البرلمان اللبناني؟

هناك حاجة إلى تغيير في العمق في لبنانهناك حاجة إلى تغيير في العمق في لبنان

ليس تدفّق اللبنانيين على وسط بيروت مباشرة بعد إعلان سعد الحريري عن الورقة الإصلاحية التي أقرّت في مجلس الوزراء سوى دليل على رغبة شعبية في الذهاب إلى أبعد. هناك حاجة إلى تغيير في العمق في لبنان، تغيير يعيد البلد إلى وضعه الطبيعي. هذا يعني بوضوح عودة لبنان إلى العيش في ظلّ نظام ديمقراطي فيه حكومة وفيه معارضة مهمتها محاسبة هذه الحكومة، وليس إيجاد شراكة بين الزعماء السياسيين بهدف التغطية المتبادلة على الفساد والهدر والتهريب.

لا شكّ أنّ لدى سعد الحريري كلّ النيّات الطيبة، لكنّ العين بصيرة واليد قصيرة، خصوصا أنّ معظم العرب سحبوا يدهم من لبنان. سدّت في وجهه كلّ المخارج وذلك في وقت لم يعد سرّا أن المواطنين العاديين، من كلّ الطوائف، ملّوا من ممارسات رئيس “التيّار الوطني الحرّ” جبران باسيل الذي يعتقد أن تزلّفه لـ”حزب الله” سيوصله إلى رئاسة الجمهورية.

ليس العرب وحدهم الذين سحبوا يدهم من لبنان. هناك إدارة أميركية تتصرّف تجاه لبنان في الوقت الحاضر، تماما كما تصرّفت إدارة باراك أوباما تجاه ثورة الشعب الإيراني في العام 2009. تفاديا لإزعاج ملالي إيران، تخلّى أوباما عن الشعب الإيراني كما تخلّى لاحقا عن الشعب السوري. كان هدفه التوصّل إلى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني بغض النظر عمّا يحلّ بالإيرانيين والسوريين. تحقّق له ما أراد صيف العام 2015. ما الذي يريده دونالد ترامب هذه الأيّام؟ ما هو نوع الصفقة التي تُطبخ مع إيران، أو مع غير إيران، والتي تجعله لا يرى ما الذي يحصل في لبنان؟

إلى جانب ما تشهده بيروت، هناك قمع مورس في جنوب لبنان واستهدف الشيعة الذين انتفضوا في وجه عهد “حزب الله” في لبنان. هؤلاء أظهروا أنّهم لبنانيون أولا، وأن كلّ ما يقال عن غياب أي مقاومة للهيمنة الإيرانية على شيعة لبنان غير صحيح إطلاقا.

إذا لم يكن هناك اقتناع بوجود تحرّك شيعي حقيقي في مقاومة “حزب الله” ومن لفّ لفّه، تكفي نظرة إلى ما تشهده مدينة طرابلس ذات الأكثرية السنّية للتأكد من أنّ اللبنانيين ما زالوا متمسّكين بثقافة الحياة. عمل كثيرون في لبنان، من بينهم “حزب الله” على وصف طرابلس بأنّها قندهار. كشفت طرابلس، التي لم تنم طوال الأيام الأربعة الماضية على صوت الموسيقى الصاخبة معلنة انضمامها للثورة على عهد “حزب الله”، وجهها الحقيقي. إنّها مدينة لبنانية أخرى ترفض الظلم. من لا يعرف طرابلس، لا يعرف أنّها مدينة ترفض ثقافة الموت وإلصاق تهمة الإرهاب والتعصّب والتزمت بها. عمل النظام السوري طويلا من أجل زرع الطائفية والمذهبية في طرابلس. أثار السنّة على المسيحيين، ثم أثار العلويين على السنّة. ارتكب كلّ أنواع المجازر من أجل إخضاع المدينة. لكنّ طرابلس بقيت لبنانية، على الرغم من أنّها امتداد طبيعي لحمص وللساحل السوري… ولكلّ أهل السنّة السوريين الذين يتعرّضون للظلم والقهر والقمع بأشكالها المختلفة منذ نصف قرن.

هناك رسالة أهل الجنوب الشيعة، وهناك رسالة من أهل طرابلس السنّة والمسيحيين. هناك انتماء إلى لبنان أكثر من أي وقت. هذه الرسالة التقطها سعد الحريري من خلال كلمته التي أعلن فيها عن الإصلاحات والتي أكد فيها وقوفه مع المتظاهرين. هؤلاء يصنعون المستقبل، هؤلاء يتلون من خلال مقاومتهم لـ”حزب الله” فعل إيمان بلبنان.

تبقى الحاجة إلى ما هو أهمّ من الإصلاحات. الحاجة الحقيقية إلى فريق عمل ينفّذ الإصلاحات وليس إلى شراكة بين مجموعات لا همّ لها سوى نهب البلد. الحاجة بكلّ بساطة إلى الانتهاء من عهد “حزب الله” ورموزه المسيحية. من دون ذلك، لا أمل بتحقيق الثورة اللبنانية أي وعد من وعودها!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة الجنوب الشيعية وطرابلس السنّية رسالة الجنوب الشيعية وطرابلس السنّية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء

GMT 22:53 2017 السبت ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المغربي ينجح في اختراق جرائم العصابات المنظمة

GMT 23:47 2017 الجمعة ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلى علوي تستعيد ذكرياتها في الطفولة في "صالون أنوشكا"

GMT 06:26 2016 السبت ,24 كانون الأول / ديسمبر

عبود قردحجي يُؤكِّد أنّ 2017 ستكون مختلفة لمواليد "الجدي"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib