فرنسا والأسئلة اللبنانية

فرنسا والأسئلة اللبنانية

المغرب اليوم -

فرنسا والأسئلة اللبنانية

خيرالله خيرالله
بقلم: خيرالله خيرالله

في كلّ كلمة من البيان الصادر عن اللقاء بين الرئيس ايمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان، بعد لقائهما في جدّة، ما يؤكّد ان لبنان عاجز عن استعادة موقعه في المنطقة.لا يستطيع لبنان القيام بايّ إصلاحات ولا ان يحافظ على حدوده ولا انّ تكون القوى الشرعية فيه من يحتكر السلاح. من هذا المنطلق، استقال جورج قرداحي ام لم يستقل من الحكومة اللبنانيّة. لن يقدّم ذلك ولن يؤخّر. ليس القرداحي سوى تفصيل صغير، بل تافه، في قضيّة تتجاوزه... في بلد صار في مهبّ الريح.

يكمن الخطأ الأساسي للرئيس نجيب ميقاتي، الذي يبذل من دون شكّ جهودا جبّارة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد، في قبول توزير اشخاص من هذا المستوى. ولكن، ما العمل عندما يكون نجيب ميقاتي، لأسباب خاصة به، على استعداد لتشكيل حكومة باي ثمن في اطار تفاهم بينه وبين المسؤولين الفرنسيين؟

ستبقى الاسئلة التي ستطرح نفسها في نهاية المطاف مرتبطة بموقع لبنان في المنطقة. هل هو بلد عربي ام لا؟ هل هو بلد صديق للعالم المتحضّر، في مقدّمه أوروبا... ام مجرّد جرم يدور في الفلك الإيراني؟هذا نوع الاسئلة التي يُفترض بفرنسا طرحها على نفسها قبل دخولها في وساطة بين بلد يحكمه "حزب الله" ويتحكّم به من جهة ودول الخليج العربي، في مقدّمها السعودية، من جهة أخرى.

انتقل لبنان من بلد ذي علاقة مباشرة متميّزة ومصالح مشتركة مع دول الخليج العربي إلى دولة معادية لهذه الدول التي هي باب رزق لما يزيد على نصف مليون عائلة لبنانيّة. ليس كلام شخص مثل جورج قرداحي عن اليمن سوى تعبير عن الوضع اللبناني كما هو، بل تعبير عن الجهل اللبناني، لا اكثر. إنّه وضع المتنطح لقضايا لا مصلحة للبنان في التنطح لها في وقت تحوّل البلد مصدر تصدير المخدرات وغير المخدّرات الى دول الخليج.

ما يطلبه الرئيس الفرنسي ووليّ العهد السعودي، اقرب الى طلب المستحيل. حسنا فعلت السعوديّة بان وضعت فرنسا امام امتحان. يكفي الكلام عن محافظة لبنان على حدوده، كي يتأكّد أي عاقل من ان لبنان لا يستطيع لبنان ذلك. قرّر "حزب الله" منذ العام 2012، وربّما قبل ذلك، التورط في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه. لا تستطيع الحكومة اللبنانيّة ان تفعل شيئا. الحدود بين لبنان وسوريا مفتوحة. ليس من سيطر عليها غير "حزب الله"، أي ايران.

يمثّل مثل هذا الوضع اللبناني القائم حالا مرضيّة يختزلها مذيع، لم يطرأ أي تطوّر على عقله السياسي يوما، صار يسمح لنفسه بان يتحدّث في السياسة العربيّة. لا يكفي ان تكون مذيعا ناجحا وأن تمتلك صوتا مقبولا حتّى تصبح صاحب رأي في السياسة وفي ما يدور في اليمن الذي يعاني من تعقيدات لا حدود لها. في مقدّم هذه التعقيدات تحوّل جزء من اليمن الشمالي الى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة ايرانيّة. هذا الجزء من اليمن الشمالي يمتلك حدودا طويلة مع المملكة العربيّة السعوديّة. كيف يمكن للبناني، أي لبناني، الدخول في متاهات يمنيّة من هذا النوع من اجل ان يكون "حزب الله" راضيا عنه... ومن اجل ان يثبت ولاءه للنظام الاقلّوي السوري الذي يخوض حربا مع شعبه. 

اذا كانت احداث الأسابيع الأخيرة كشفت شيئا، فهي أظهرت انّ لبنان يحتضر. ما صار على بساط البحث مصير لبنان الذي لا همّ لرئيس الجمهوريّة فيه، ميشال عون، سوى تأكيد انّه في تصرّف "حزب الله"، لعلّ ذلك يؤمّن وصول صهره جبران باسيل الى قصر بعبدا في السنة 2022.

كشفت الأسابيع الأخيرة أيضا انّ السياسة الفرنسيّة في لبنان سياسة لا طائل منها. ليس مطلوبا مواجهة "حزب الله"، لكنّه ليس مطلوبا أيضا الاستسلام لإيران في لبنان. ما فعلته فرنسا منذ تفجير ميناء بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020 رضوخ تام لإيران. تبيّن بكل بساطة ان فرنسا لم تعد تعرف لبنان ولا تريد ان تعرف ما هو "حزب الله" ولا تريد اخذ العلم بسلوك ايران داخل حدودها وخارجها، بما في ذلك في اليمن. لا تعرف فرنسا معنى تشكيل حكومة لبنانيّة يمتلك فيها "حزب الله" اكثريّة. لعلّ ابرز دليل على ان ايران ترفض أيّ تراجع في لبنان مسارعة وزير الخارجية الإيراني امير حسين عبداللهيان الى المجيء الى بيروت، مباشرة بعد تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، في أيلول – سبتمبر الماضي.

جاء عبداللهيان ليتحدث عن استعداد ايران لبناء محطات كهربائية في لبنان ولإعادة الحياة الى مرفأ بيروت. جاء ليقول ان ايران صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في لبنان في وقت عين فرنسا على الكهرباء ومرفأ بيروت.

لن تغيّر استقالة جورج قرداحي شيئا. هذا ما تعرفه دول الخليج جيّدا وفي العمق. تعرف دول الخليج اين صار لبنان وما الذي يفعله "حزب الله" في المنطقة كلّها وصولا الى اليمن. في المقابل، هل تعرف فرنسا انّ خدمة ايران في لبنان سياسة لا افق لها. افضل ما يمكن ان تفضي اليه هذه السياسة تكريس وضع يد "الجمهوريّة الاسلاميّة" الإيرانية على البلد الصغير وعلى بيروت تحديدا!

 يظلّ الكلام الجميل كلاما جميلا. ما الذي تستطيعه فرنسا في لبنان باستثناء الكلام الجميل عن بلد تغيّر فيه كلّ شيء. الأكيد ان ليس في استطاعتها تحويل هذا الكلام الى أفعال. أي الى ما تطالب به دول الخليج التي لم تقدّم سوى الخير الى لبنان الذي فيه رئيس للجمهوريّة يرفض الاعتراف بما يرتكبه "حزب الله". ما يقوم به "حزب الله" لمصلحة ايران جريمة في حق لبنان وفي حق العلاقات التي تربطه بدول الخليج.

مرّة أخرى. ما وزن فرنسا وما مدى تأثيرها على "الجمهوريّة الاسلاميّة" في هذه الظروف بالذات؟ الاهمّ من ذلك كلّه ان ايران تريد صفقة مع اميركا، مع "الشيطان الأكبر". لا يهمّها موقف فرنسا ولا تهمها مصلحة لبنان الذي تسوء حاله يوميا بعد يوم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا والأسئلة اللبنانية فرنسا والأسئلة اللبنانية



GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:35 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 08:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان
المغرب اليوم - غضب صلاح من بطء مفاوضات ليفربول واهتمام من باريس سان جيرمان

GMT 08:27 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
المغرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 16:38 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

إضافة 408 هكتارات من الحدائق والمساحات الخضراء في بكين

GMT 10:48 2019 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

جنون الريمونتادا

GMT 12:35 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

امرأة تعقد عقد جلسة خمرية داخل منزلها في المنستير

GMT 04:14 2019 الخميس ,31 كانون الثاني / يناير

ارتفاع سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الخميس

GMT 10:06 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

الطاعون يلتهم آلاف المواشي في الجزائر وينتشر في 28 ولاية

GMT 03:21 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

إعادة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك

GMT 10:21 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

فضيحة جنسية وراء انفصال جيف بيزوس عن زوجته

GMT 09:04 2018 الأربعاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

والدة "راقي بركان" تنفي علمها بممارسة نجلها للرقية الشرعية

GMT 05:06 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

جمهور "الجيش الملكي" يُهاجم مُدرّب الحراس مصطفى الشاذلي

GMT 06:44 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

"Il Falconiere" أحد أجمل وأفضل الفنادق في توسكانا

GMT 00:44 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

اكتشف قائمة أفخم الفنادق في جزيرة ميكونوس اليونانية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib