خبر عربي سار… من الإمارات

خبر عربي سار… من الإمارات

المغرب اليوم -

خبر عربي سار… من الإمارات

خيرالله خيرالله

مبادرة عبدالله الغرير تبعث على استعادة الأمل بعالمنا العربي الذي صار عوالم عدة لا حديث فيها سوى عن الكوارث. سواء التي نشهدها، أو تلك التي في طريقها إلينا.

في الظلمة التي يعيشها العالم العربي، هناك من يضيء شمعة. مثل هذه الشمعة دليل شجاعة كبيرة أوّلا، فضلا عن أنّها دليل على أن هناك من لا يزال يؤمن بانتصار الخير على الظلم والتخلّف والاعتدال. ما أقدم عليه السيد عبدالله الغرير رجل الأعمال الإماراتي يؤكّد أنّه لا يزال هناك من يضيء شمعة بدل الاكتفاء بلعن الظلام.

قرّر الغرير تخصيص ثلث ثروته، أي نحو مليار ومئة مليون دولار، لنحو خمس عشرة ألف منحة دراسية لطلاب إماراتيين في البداية، على أن تشمل لاحقا طلابا عربا مقيمين في الإمارات أيضا. سيصرف المبلغ في السنوات العشر المقبلة، أي على مراحل. هذا يؤكّـد وجود رغبة مستمرة في الاستثمار في الإنسان وتطويره، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات إيجابية على المجتمع الإماراتي وعلى العرب المقيمين في الدولة.

في الواقع، إنّه استثمار في المستقبل. استثمار في الاعتدال، وفي الحرب على التطرّف والإرهاب والجهل بكلّ أنواعه، خصوصا أن الجهل هو الطريق الأقصر إلى التطرّف والإرهاب.

ما أقدم عليه الغرير مساهمة في بناء الدولة الحديثة في الإمارات. تندرج خطوته في سياق الخطّ الذي اعتمدته دولة الإمارات منذ تأسيسها. هناك حرص دائم على هذا الخط الذي يقوم على رفض التطرف بكلّ تلاوينه والسعي إلى تراكم المعرفة. ولذلك، ليس صدفة أن يأتي القرار القاضي بتقديم المنح في يوم التاسع عشر من شهر رمضان، وهو “يوم زايد الإنساني”، أي تكريما لباني الدولة الحديثة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي عرف كيف يكون الرهان على الإنسان، أي على المواطن الإماراتي، قبل أي شيء آخر.

في الإمارات، هناك من يفكّر في المستقبل وفي كيفية تطوير الدولة انطلاقا من تطوير الإنسان. أزمة العالم العربي هي حاليا أزمة الإنسان. ماذا يتعلّم العربي، ومن يعلّمه المادة التي يتلقاها في المدارس؟ وما هي طبيعة البرامج التعليمية التي تربّي الجيل الجديد على قيم مرتبطة بكلّ ما هو حضاري في هذا العالم؟

هذا النوع من الأسئلة طرح نفسه منذ فترة طويلة في الإمارات. قبل ما يزيد على عامين، مثلا، امتلك الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة حاليا، ما يكفي من الشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها. حرص، عندما كان لا يزال وزيرا للتعليم العالي على الدعوة، صراحة، إلى التشديد على اللغات الأجنبية مشددا على تعليم اللغة الإنكليزية. يعرف الشيخ نهيان أهمّية اللغة الإنكليزية ودورها في رفع مستوى التعليم، لذلك يقول “الأمر لا يتعلّق بفقدان الثقة بلغتنا العربية التي هي موضع فخر وطني بالنسبة إلينا. ولكن على المرء أن يكون واقعيا. هذا عصر اللغة الإنكليزية. إنّ الانتقال إلى اللغة الإنكليزية يسمح لنا بالاستعانة بأفضل الأساتذة في العالم، وليس فقط في العالم الذي يتكلّم العربية”.

    ما فعله عبدالله الغرير ليس فعل إيمان بالإنسان الإماراتي والعربي فقط. إنه إيمان بدولة الإمارات ومستقبلها. كذلك هو إيمان بانتصار ثقافة الحياة على ثقافة الموت

في النهاية، ما فعله عبدالله الغرير ليس فعل إيمان بالإنسان الإماراتي والعربي فقط. إنّه إيمان بدولة الإمارات ومستقبلها. كذلك هو إيمان بانتصار ثقافة الحياة على ثقافة الموت.

لا وجود لأسرار في عالمنا. هناك دول عدة، بعضها كبير وبعضها الآخر صغير، استطاعت التفوّق بفضل العلم ولا شيء غير العلم وتراكم المعرفة.

لنضع جانبا الولايات المتحدة وما تمتلكه من إمكانات. تفوّق الولايات المتحدة يعود إلى التفوق التكنولوجي والاستثمار في البحث العلمي، وإلى تمسّك المواطن الأميركي بالرغبة في العمل ساعات طويلة يوميا. هناك بلدان صغيرة مثل سنغافورة وفنلندا وكوريا الجنوبية تقدّمت بفضل العلم، ولا شيء آخر غير العلم.

تقهقرت مصر بسبب العلم أيضا. فالجهل يولد التطرّف والانغلاق وصولا إلى الإرهاب. لذلك رهان الرئيس عبدالفتاح السيسي على تطوير البرامج التربوية رهان في محلّه من أجل النهوض مجددا بمصر، التي كانت مطلع القرن العشرين متفوقة على دول أوروبية عدّة بينها أسبانيا وإيطاليا واليونان، وعلى دول آسيوية مثل كوريا الجنوبية التي صارت الآن دولة صناعية.

تبعث مبادرة عبدالله الغرير على استعادة الأمل بعالمنا العربي الذي صار عـوالم عدّة لا حـديث فيها سوى عن الكوارث. الكوارث التي نشهدها، وتلك التي تبـدو في طريقها إلينـا. لكنّ الأكيد أن مبادرة من هذا النوع تعزّز القدرة على الصمود في وجه العواصف التي ينذر بها السقوط الكبير للتفكير الذي يعتمد على المنطق والبديهيات.

يقول المنطق والبديهيات إن لا حضارة من دون علم. ولا علم حقيقيا من دون التعمّق في المعرفة والاستفادة من تجارب الآخرين. لذلك، يبدو كلام الشيخ نهيان بن مبارك، الذي صدر في صحيفة “نيويورك تايمز”، عن اللغة الإنكليزية والاستعانة بأفضل الأساتذة في العالم، وليس بأساتذة يحملون فكرا دينيا متخلفا كفكر الإخوان المسلمين، في غاية الأهمّية.

من يبحث عن مثل عربي عن أهمّية العلم ومستوى التعليم، يفكّر بلبنان. صمد لبنان بفضل العلم، وبفضل الأجيال التي تعلّمت في أفضل المدارس والجامعات. لعب مسيحيون لبنانيون دورا بارزا في الدفاع عن اللغة العربية وفي إدخال اللغات الأجنبية، على رأسها الفرنسية والإنكليزية البرامج التربوية، وذلك من دون أيّ عقد من أي نوع كان.

لم يقصّر المسلمون اللبنانيون في تعزيز العلم ونشر المعرفة والاعتدال. لعبت المقاصد الإسلامية دورها في هذا المجال. كذلك، الكلية العاملية في بيروت التي أسستها عائلة شيعية مستنيرة. لم يقف الدروز، يوما، في وجه فتح المدارس على يد الإرساليات الأجنبية، بل شجعوا على ذلك في مناطقهم ورحبوا به.

مضى نصف قرن ولبنان يقاوم بفضل العلم. لم يعلّم رفيق الحريري ثلاثين ألف طالب لبناني من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق والطبقات الاجتماعية عن عبث. كان يعرف ماذا يفعل. كان يبني الحجر والإنسان في الوقت ذاته. لذلك استهدف الرجل الذي أعاد الحياة إلى بيروت، والذي كانت جريمته نشر المعرفة ودعم مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسة الجيش… والمؤسسات التعليمية، بما في ذلك الجامعة الأميركية في بيروت التي تأسست في العام 1866.

من بين أسباب الخوف على لبنان، حاليا، هبوط المستوى التعليمي. مثل هذا التطوّر يثير القلق نظرا إلى أنّه يجعل مناعة البلد تضعف، خصوصا في وجه الهجمة المذهبية التي يشنّها “حزب الله” على مؤسسات الدولة، والأصحّ ما بقي منها.

مرّة أخرى، هناك خبر عربي سار. وهذا حدث نادر في أيّامنا هذه. كان لا بدّ لهذا الخبر أن يأتي من الإمارات، حيث هناك من لا يزال يراهن على الإنسان، وعلى أنّه لن يصح إلاّ الصحيح في نهاية المطاف!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خبر عربي سار… من الإمارات خبر عربي سار… من الإمارات



GMT 18:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 18:50 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 18:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 18:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 18:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 18:38 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 18:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib