استهداف لمؤسسة لبنانية

استهداف لمؤسسة لبنانية

المغرب اليوم -

استهداف لمؤسسة لبنانية

خيرالله خيرالله

 في الإمكان معالجة الأخطاء عبر اللجوء إلى القانون، وليس عبر النيل من المؤسسة التي لا بديل منها إلى إشعار آخر. من يريد خدمة البلد لا يلجأ إلى تدمير مؤسساته أو ما بقي منها.

لا يجوز بأي شكل الاستخفاف بخطورة الأشرطة المسرّبة عن التعذيب في سجن رومية اللبناني. لذلك، إنّ الردّ على الأشرطة لا يكون بالاكتفاء بمعاقبة مرتكبي هذا النوع من الجرائم التي تشكّل إساءة، ليس بعدها إساءة، لكل لبناني وللبنان عموما.

الردّ يكون، بالسعي إلى محاكمة سريعة لكلّ الموقوفين بتهم مختلفة. في مقدّمة هؤلاء، الموقوفون في قضايا ذات علاقة بالإرهاب. إضافة إلى ذلك، لابدّ من إنصاف شبّان لبنانيين من طلاب جامعة معروفة يقبعون في السجن منذ ما يزيد على سنة. هؤلاء موقوفون في قضايا لها علاقة بتعاطي المخدرات. هناك آخرون موقوفون ظلما بتهم ذات طابع جنسي. من المفترض في السلطات اللبنانية المختصة الاستفادة من تسريب شرائط التعذيب للانتهاء من التخلّف والظلم اللاحق بكثيرين، ومعالجة قضية السجون والإسراع في المحاكمات والتركيز على كيفية تعامل رجل الأمن مع المواطن. لا يمكن ترك رجل الأمن يتصرّف بطريقة يحتقر بها المواطن بغض النظر عن الأسباب التي أدّت إلى توقيفه.

ليس أفضل من تسريع المحاكمات كي ينال كلّ موقوف حقّه. يُدان المجرم، إذا كان ما يبرّر الإدانة، ويطلق البريء ويخفّ الضغط على السجون. الأهمّ من ذلك، أن على لبنان أن يثبت أنّه رائد في الدفاع عن حقوق الإنسان في المنطقة، وأنّه يستطيع أن يكون مختلفا عن الآخرين، خصوصا عن النظام السوري الذي أراد تحويل البلد إلى سجن كبير عن طريق فرض ثقافة لا علاقة لها بحقوق الإنسان.    

ما نشهده من تعذيب، هو في جانب منه من مخلّفات النظام السوري الذي حكم لبنان وتحكّم به طوال ثلاثة عقود، علما أنّ اللبنانيين لم يقصّروا في حق بعضهم بعضا خلال حربهم الداخلية. من المعيب إلا تكون هناك ثقافة جديدة ليست غريبة عن لبنان ترفض أوّل ما ترفض الظلم والتخلّف وحرمان السجين من حقوقه المعترف بها دوليا.

اعترف وزير الداخلية نهاد المشنوق بحصول أخطاء وأكّد أنّه يتحمّل المسؤولية. هذه شجاعة لا يتحلّى بها غير عدد قليل من المسؤولين اللبنانيين. أوضح أيضا أن السجون اللبنانية لا تستوعب أكثر من ألفين وخمسمئة سجين، في حين أن عدد السجناء في البلد يزيد على سبعة آلاف. ليس أفضل من الإسراع في المحاكمات كي يخفّ الضغط على السجون، خصوصا على سجن رومية، وذلك في انتظار بناء سجن جديد يليق بلبنان ويعطي صورة مختلفة عن البلد.

لبنان في حاجة إلى هذه الصورة التي سعى الوزير المشنوق إلى استعادتها منذ اليوم الأوّل الذي دخل فيه مبنى وزارة الداخلية. نجح أحيانا وفشل في أحيان أخرى. فشل بسبب النقص في الإمكانات، وبسبب وجود طموحات كبيرة لديه غير قابلة للتحقيق. إنّها طموحات غير قابلة للتحقيق بأي شكل، في ظل السلاح غير الشرعي لدى ميليشيا “حزب الله”. هذا السلاح المذهبي منتشر في كل أنحاء البلد الذي يعاني أيضا من حجم انعكاسات المأساة السورية عليه.

من لديه بعض من ذاكرة يستطيع استعادة الجهود التي بذلها وزير الداخلية من أجل تحسين الأوضاع في سجن رومية، والسعي إلى بناء سجن جديد يستند إلى فكرة السجن-المدرسة. من لديه بعض من ذاكرة، يستعيد أيضا الجهود التي بذلتها وزارة الداخلية من أجل جعل سجن رومية سجنا طبيعيا وليس “إمارة” وغرفة عمليات تصدر منها توجيهات لمنظمات إرهابية.

كان مفيدا نشر الأشرطة في هذا التوقيت، وهو توقيت غير بريء للتأكد من أمرين. أولّهما أن هناك ظلما لحق بسجناء، وهناك ممارسات ذات طابع وحشي في السجون اللبنانية تستدعي ملاحقة المسؤولين عنها.

الأمر الآخر الذي كشفه تسريب الأشرطة أنّ هناك من يريد تدمير المؤسسات اللبنانية الواحدة تلو الأخرى في ظلّ الفراغ الرئاسي المستمر منذ ما يزيد على سنة. من مارس التعذيب في رومية، وغير رومية، ينتمي إلى تلك الفئة المعروفة التي تريد ضرب إحدى المؤسسات اللبنانية التي لا تزال تعمل في خدمة اللبنانيين دون تمييز بين منطقة وأخرى، أو بين المذاهب والطوائف. مؤسسة قوى الأمن يمكن البناء عليها، وهي مؤسسة جامعة لم تنخرها الطائفية كما حصل مع معظم المؤسسات الرسمية الأخرى في لبنان.

من حقّ نهاد المشنوق الحديث عن “أبطال” مؤسسة قوى الأمن الداخلي. هؤلاء حاربوا الإرهاب بكل أشكاله. لم يميّزوا بين لبناني وآخر. دافعوا عن الدولة اللبنانية وكشفوا شبكات تخريبية، بمن في ذلك شبكة علي المملوك ـ ميشال سماحة وما يتفرّع عنها. هل جاء دور ضرب مؤسسة قوى الأمن الداخلي بسبب فعاليتها ودفاعها عن الدولة اللبنانية وليس عن حزب معيّن أو مذهب معيّن؟

يبدو هذا السؤال مشروعا في ضوء مزايدات بعض السياسيين الذين سارعوا إلى الشماتة بوزارة الداخلية. هؤلاء لم يفعلوا شيئا عندما كانوا في السلطة. تجاهلوا خصوصا وجود مشكلة في السجون، خصوصا إبّان حكومة “حزب الله” برئاسة النائب السنّي نجيب ميقاتي.

لعلّ أخطر ما رافق نشر أشرطة التعذيب تلك الحملة على مؤسسة قوى الأمن. هذه الحملة جزء لا يتجزأ من الحملة على ما بقي من لبنان حيث لا تزال هناك حكومة تسدّ الفراغ الناجم عن غياب رأس الدولة. لماذا تلك الرغبة في الانتقام من مؤسسة قوى الأمن؟ يبدو السبب معروفا. بل إنّه معروف أكثر من اللزوم. السبب عائد، أوّلا وأخيرا، إلى أن هذه المؤسسة لا تزال تمثّل لبنان بتنوعه، كما أن ولاءها للبنان أوّلا. هذه المؤسسة ليست محسوبة على طائفة أو مذهب أو منطقة.

ثمّة أخطاء حصلت. أخطاء لا يمكن الاستخفاف بها أو المرور عليها مرور الكرام. في الإمكان معالجة الأخطاء عبر اللجوء إلى القانون، وليس عبر النيل من المؤسسة التي لا بديل عنها إلى إشعار آخر. من يريد خدمة البلد لا يلجأ إلى تدمير مؤسساته أو ما بقي منها ولا يلجأ إلى النيل من وزير، ربّما كان من المآخذ عليه سعيه إلى أن يكون وزيرا للجميع، بما في ذلك “حزب الله” مع علمه بما يضمر هذا الحزب للبنان واللبنانيين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استهداف لمؤسسة لبنانية استهداف لمؤسسة لبنانية



GMT 18:55 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 18:50 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 18:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 18:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 18:43 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 18:41 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غول الترمبية والإعلام الأميركي... مرة أخرى

GMT 18:38 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الصراع في سوريا وحول سوريا

GMT 18:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 07:52 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
المغرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:45 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية
المغرب اليوم - أول رد فعل من داود حسين بعد إعلان سحب الجنسية الكويتية

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 16:24 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

ياسمين خطاب تطلق مجموعة جديدة من الأزياء القديمة

GMT 16:53 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب "الرجاء البيضاوي" يهدد بالاستقالة من منصبه

GMT 00:35 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف أسوس الجديد ZenFone AR

GMT 01:34 2016 الأربعاء ,19 تشرين الأول / أكتوبر

باي الشوكولاطة الشهي

GMT 07:04 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

القطب الشمالي يعدّ من أروع الأماكن لزيارتها في الشتاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib