نهاية أسطورة الذهب الأسود

نهاية أسطورة الذهب الأسود

المغرب اليوم -

نهاية أسطورة الذهب الأسود

توفيق بو عشرين

الذهب الأسود يعيش أسوأ أيامه، والمتفائلون يقولون إن سعر برميل النفط سيتوقف عن النزول دون الأربعين دولارا لكنه لن يرجع إلى سنواته الذهبية حين كان سعر البرميل مكونا من ثلاثة أرقام (أي 103 إلى 110 وأكثر).. هذا عهد انتهى، أما المتشائمون فيقولون إن الأسوأ لم يأتِ بعد، وإن أسعار النفط ستنزل إلى 20 دولارا وأقل، كما وقع في الثمانينات، وإن النفط الصخري الأمريكي الذي تنزل كلفة إنتاجه يوما بعد آخر سيحطم أسطورة الذهب الأسود.

لماذا نزل وسينزل سعر النفط إلى هذا المستوى؟ خبراء النفط واستشاريو الأبناك والمؤسسات المالية يرجعون الأمر إلى ثلاثة أسباب؛ أولا التخمة التي أصيب بها السوق النفطي العالمي حيث العرض يفوق الطلب، والإنتاج لا يراعي حركة الاقتصاديات العالمية، التي ترتفع وتنخفض حسب الطلب وأداء الاقتصاد، خاصة في الصين التي ودعت نسبة النمو التي كانت تصل إلى 10٪، ودخلت إلى الوتيرة العادية للنمو. السبب الثاني وراء انهيار أسعار النفط سياسي هذه المرة. منظمة أوبيك التي تتحكم السعودية في قرارها اختارت ألا تراجع معدل الإنتاج اليومي من النفط، واختارت عن وعي وتخطيط ترك سعر النفط ينزل إلى ما دون 100 دولار للبرميل لتحقيق هدفين: الأول هو منع الأمريكيين من الاستثمار في إنتاج الصخر النفطي عالي الكلفة، فإذا نزل سعر برميل النفط إلى ما دون 100 دولار فهذا سيفرمل السباق الأمريكي على إنتاج الصخر النفطي الذي تعد تكلفته أعلى من استخراج النفط من باطن الصحراء (كلفة الأول تبلغ 40 دولارا للبرميل أو أكثر، أما الثاني فتتراوح كلفته ما بين دولار وعشرة للبرميل). الهدف الثاني الذي دفع السعودية إلى إغراق الأسواق العالمية بالنفط كان هو منع إيران، عدوتها التقليدية، من الاستفادة من أسعار عالية للنفط بعد رجوعها إلى سوق التصدير إثر الاتفاق النووي مع الغرب، لكن الذي حدث خالف جل التوقعات، فالإنتاج الأمريكي من النفط الصخري لم ينزل لأن الأبحاث العلمية في بلاد أوباما كل يوم تكشف عن اختراعات وتقنيات جديدة تخفض من سعر استخراج هذا الاحتياطي الضخم من النفط. السبب الثالث الذي ساعد على انهيار أسعار النفط يتمثل في أن التخمة التي أصابت السوق دفعت روسيا ونيجيريا وأذربيجان وكازاخستان، ودولا مصدرة كثيرة، إلى تخفيض ثمن بترولها لتجد مشتريا في السوق لحاجتها إلى الدولار، وهكذا عمت الفوضى غير الخلاقة، وانتعشت السوق السوداء، وأصبحت شركات كبرى تستثمر في هذا الارتباك، وتعمل على إنزال الأسعار أكثر لشراء مخزونات رخيصة من المادة الحيوية لاقتصاد العالم، وإعادة طرحها في السوق بعد صعود الثمن.

هذه أخبار سارة للدول المستهلكة للنفط في العالم، ومنها المغرب الذي سيستفيد فيه أصحاب السيارات من أسعار معقولة للنفط، كما سيستفيد الميزان التجاري المختل دوما في المملكة، لكن هذه أخبار سيئة للدول المصدرة للنفط، خاصة الدول العربية التي يعتمد مدخولها أساسا على استخراج النفط وبيعه، أو الدول التي يطلق عليها الأمريكيون تهكما «محطات وقود»، أي ليبيا والجزائر ونيجيريا ودول الخليج… التي تمثل عائدات النفط 90٪ من مداخيلها. هذه دول معرضة لمخاطر اقتصادية وسياسية كبيرة، خذ مثلا الجزائر: 90٪ من صادراتها إلى العالم نفط وغاز، و70 من مداخيلها تأتي من شيكات تصدير المحروقات. فسعر النفط الذي بلغ 100 دولار للبرميل سنة 2013 نزل إلى 40 دولارا للبرميل اليوم، وهذا معناه أن خزينة الدولة فقدت 60٪ من مدخولها، والمشكل أن نفقاتها تزداد يوما بعد آخر لأن جل المواد الأساسية فيها مدعومة من قبل الدولة، علاوة على أن كتلة الأجور متضخمة بفعل التوظيف السياسي في الإدارة كإجراء أقدم عليه بوتفليقة لشراء السلم الاجتماعي، ومنع الشباب من الانخراط في الحركات الاحتجاجية، فما هي الإجراءات التي اتخذتها جارتنا المتعبة؟ لجأت إلى الحلول السهلة، وهي تجميد ميزانية الاستثمار العمومي، وسحب أموال المدخرات الموجودة في الصناديق السيادية لتغطية العجز أملا في تحسن الأوضاع، ورجوع السعر القديم للبترول. الحلول السهلة غالبا ما تأتي بمشاكل جديدة أعقد من الأولى. الذي حصل أن توقيف الاستثمار العمومي دفع جل الشركات التي تشتغل مع الدولة إلى الإفلاس الذي قاد إلى ارتفاع معدل البطالة، وإلى الركود الاقتصادي، وإلى تدني العائدات الضريبية التي تدخل إلى صندوق الميزانية.

الآن البلاد كلها على كف عفريت، وليس وحده بوتفليقة من يرقد في غرفة الإنعاش.. البلاد كلها في غرفة العناية المركزة.

 

 

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية أسطورة الذهب الأسود نهاية أسطورة الذهب الأسود



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib