ليس دفاعا عن الصديقي

ليس دفاعا عن الصديقي

المغرب اليوم -

ليس دفاعا عن الصديقي

بقلم توفيق بو عشرين

يوجد عمدة الرباط، محمد الصديقي، في «الكوليماتور» تحت نيران كثيفة منذ أكثر من شهرين، بسبب ما أصبح يعرف إعلاميا بـ«أوراق ريضال»، والآن انتقلت الآلة السياسية والدعائية ضده من الاتهام إلى النطق بالحكم، إلى تنفيذ الحكم، إلى الإقامة الجبرية في منزله، ومنعه من الصلاة مع الملك محمد السادس والسلام عليه يوم الجمعة الماضي، كما يجري التحضير لمنعه مستقبلا من التوقيع على أي اتفاقية تهم مجلس مدينة الرباط. هذا معناه أن قرارا بالإقالة الضمنية له اتخذ قبل أن يصدر بحقه حكم أو إدانة أو حتى اتهام.

الحكاية بدأت يوم الجمعة قبل ساعة ونصف من صلاة الجمعة، حيث اتصل مدير ديوان والي الرباط، عبد الواحد لفتيت، بلحسن العمراني، نائب عمدة الرباط، وطلب منه الحضور للسلام على الملك بعد صلاة الجمعة عوضا عن العمدة المغضوب عليه. العمراني، نائب العمدة المبعد، رفض الحلول محل رئيسه لأن الأخير موجود في الرباط، وهو الأمر الذي دفع مدير ديوان الوالي إلى الاتصال بالعمدة الصديقي شخصيا طالبا منه عدم الحضور إلى مسجد الشيخ سيف في حي الرياض، فما كان من العمدة إلا أن استفسر عن أسباب منعه من الحضور كما جرت العادة، فقال له مدير ديوان الوالي: «اسمك غير موجود في لائحة الحضور، فلا تحرجنا بحضورك». عمدة الرباط لم يبلع هذه الإهانة، واتصل برئيس الحزب ورئيس الحكومة يعرض عليه الأمر، فما كان من بنكيران، كعادته، إلا أن مال إلى تهدئة الأمور، وطلب من الصديقي أن يمتثل لطلب الولاية، وأن يترك مكانه لنائب العمدة لحسن العمراني.. (بنكيران دائما يشتري الرخا).

هذه ليست المرة الأولى التي تسعى فيها ولاية الرباط إلى منع العمدة الصديقي من حضور نشاط ملكي، فقد سبق لها أن طلبت منه عدم حضور التدشين الملكي لمحطة القطار أكدال في 7 مارس الماضي، لكن تم التراجع عن هذا المنع بعد احتجاج حزب العدالة والتنمية، وتدخل بنكيران لدى وزير الداخلية، محمد حصاد، الذي تراجع عن قرار طرد العمدة من النشاط الملكي، وعندما حضر الصديقي تدشين محطة قطار أكدال طرح السؤال عن الكيفية التي تحدد بها وزارة الداخلية من يحضر ومن يغيب عن النشاط الملكي! الذي دفع إلى طرح هذا السؤال أن الصديقي، وقبل واقعة الجمعة الأخيرة، تلقى مكالمة هاتفية من الديوان الملكي لدعوته إلى حضور التوقيع على إنشاء سوق جملة كبير للخضر والفواكه في مدينة تامسنا. هذا كان يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، أي قبل حادثة الجمعة بيومين وبعد حادثة محطة القطار بشهر، ولولا أن التوقيع على الاتفاقية تأجل لأسباب تقنية، لكان العمدة الصديقي موجودا حول طاولة التوقيع أمام الملك… هذا معناه أن الديوان الملكي لا علاقة له بالموضوع، وأنه يتعامل مع العمدة بصفته الرسمية وليس بناء على أصداء معركته مع البام والداخلية، مادام القضاء لم يقل كلمته في الموضوع.

صاحب هذا الركن لا يعرف الصديقي، ولو التقاه في الشارع قد لا يتعرف عليه، وهو يتابع أزمة «أوراق ريضال» بعينين مفتوحتين دون تحامل مسبق، أو تبرئة غير مستحقة لعمدة منتخب في عاصمة المملكة، والملف الآن بيد القضاء، بغض النظر عن قانونية أو عدم قانونية مروره عبر قناة الوكيل القضائي للمملكة الذي يعتبر موظفا في وزارة المالية، لكن، في كل الأحوال، يجب احترام قرينة البراءة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته)، وكيف والحال أن العمدة المنتخب لم توجه إليه إلى الآن أي تهمة، ولم يطلع بعد على شكاية وزارتي الداخلية والمالية التي وضعت بين يدي الوكيل العام للملك بالرباط، فكيف نفرض على العمدة الإقامة الجبرية في بيته، ونمنعه من حضور الأنشطة الرسمية، حتى ولو كانت بروتوكولية؟ وكيف سنقنع الرأي العام بأن ملف الصديقي قضائي وليس سياسيا، قانوني وليس كيديا؟ فإذا كانت وزارة الداخلية قد اتخذت قرارا بمنع جميع المنتخبين الموضوعة ضدهم شكاية لدى وكيل الملك من حضور أنشطة ملكية، فلماذا استدعت ولاية الرباط مسؤولا في مقاطعة السويسي من «البام» إلى النشاط الملكي نفسه، رغم أن هناك شكاية ضده بتهمة أكبر من التهمة المفترض توجيهها إلى الصديقي؟ ثم إن قرار الداخلية منع عمدة انتخبه الرباطيون من حضور أنشطة رسمية هو عقاب إضافي غير منصوص عليه في القانون الجنائي، والقاعدة أن «لا جريمة ولا عقاب إلا بنص».

أيها السادة، إن «مزاج» بعض السياسيين ليس جزءا من القانون الجنائي.. البلد فيه قانون وقضاء ورأي عام، ولا يجوز للداخلية أن «تتعرى على خلق الله»، فإذا كان بنكيران قد اعتاد «التمرميد»، فإن المغاربة لا يمكن أن يطبعوا مع هذه التجاوزات. لقد كتبنا ضد التشهير بالمنتخبين الذين نشرت وزارتا العدل والحريات والداخلية أسماءهم قبل أن يوجه القضاء إليهم تهمة الفساد الانتخابي، وقد أظهرت الأحكام اللاحقة أننا كنا على حق، وأن المحاكم برأت العديد منهم، ولم تجد في مكالماتهم المسجلة ما يدينهم، في حين أقدم الرميد وحصاد على إدانتهم في التلفزة العمومية وفي وسائل الإعلام، ولطخا سمعتهم أمام أبنائهم وأقاربهم حتى قبل أن يتوصلوا باستدعاء المثول أمام قاضي التحقيق، ليتحقق من أن الأصوات التي سمعها في تقارير النيابة العامة هي أصواتهم أم لا، وما إذا كان لديهم تفسير حول ما نطقوا به في هواتفهم أم لا. وهؤلاء كانوا من أحزاب متعددة ومختلفة.

لا يقع اللوم، فقط، على وزارة الداخلية التي تتصرف كحكومة وسط الحكومة، ولا تراعي حرمة لمنتخب من الشعب، وتسمح لموظف صغير، مثل مدير ديوان الوالي، بإعطاء الأوامر بالهاتف للعمدة حتى دون أمر كتابي، اللوم يقع كذلك على بنكيران الذي لا يستطيع أن يدخل محمد حصاد إلى خيمة الحكومة، ويقنعه بالبرنامج الحكومي، وبضمانات المحاكمة العادلة التي نص عليها دستور المملكة. قديما قال المتنبي بيتا بقي محفورا في ذاكرة الشعر العربي، جاء فيه:

 من يهن يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بميت إيلام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس دفاعا عن الصديقي ليس دفاعا عن الصديقي



GMT 06:02 2018 الأحد ,25 شباط / فبراير

حان وقت الطلاق

GMT 07:26 2018 الجمعة ,23 شباط / فبراير

سلطة المال ومال السلطة

GMT 06:39 2018 الخميس ,22 شباط / فبراير

لا يصلح العطار ما أفسده الزمن

GMT 05:46 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الطنز الدبلوماسي

GMT 05:24 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

القرصان ينتقد الربان..

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib