ليس باسم الإسلام يقتل الصحافيون

ليس باسم الإسلام يقتل الصحافيون

المغرب اليوم -

ليس باسم الإسلام يقتل الصحافيون

توفيق بو عشرين

نامت باريس، أول أمس الأربعاء، حزينة، ونام العالم من حولها مرعوبا من مجزرة «شارلي إيبدو»، التي راح ضحيتها ثمانية صحافيين كانوا حول طاولة التحرير صباح الأربعاء، ومعهم أربعة من رجال الأمن كانوا يحرسون مقر الجريدة الساخرة، منذ تعرضها لحريق متعمد قبل سبع سنوات عندما نشرت رسوما ساخرة من رموز الدين الإسلامي…

هل توجد كلمات في قاموس اللغة تكفي لوصف ما جرى في فرنسا من اعتداء همجي على صحافيي «شارلي إيبدو»؟

ما جرى عمل بربري ووحشي بلا منازع، أن توجه سلاحا إلى ريشة، أو رصاصة إلى كلمة، أو خنجرا إلى رسم، فهذا إرهاب لا يوجد ما يبرره، اتفقنا أو اختلفنا مع أسلوب «شارلي إيبدو» في تناول مقدسات المسلمين. والقاتل الذي تصور عقله الصغير أنه «انتقم لمحمد ص» هو في الحقيقة انتقم من ملايين المسلمين في أوروبا، الذين سيجدون أنفسهم، صراحة أو ضمنا، في قفص الاتهام، باعتبارهم يشاركون القتلة الدين نفسه والاعتقاد ذاته.

الإدانة والشجب والغضب والتنديد والرفض ليست موجهة إلى عقل التطرف والإرهاب.. هذا عقل لا يدخل إليه شيء. لقد أغلق على نفسه كل الأبواب، ولم تعد له من وظيفة في الحياة إلا نشر العنف والقتل والهمجية، متوهما أن هذه مهمة مقدسة تخدم الإسلام! الإدانة موجهة إلى العقول التي مازالت تفكر، والتي لم تفقد علاقتها بالمنطق والعصر والحضارة. الإدانة موجهة إلى ملايين الشباب المسلمين حول العالم الذين يتعرضون يوميا لإغراء الفكر الديني المتطرف، وبضاعة الإرهاب العابر للحدود. هذه الإدانة الواسعة لمجزرة «شارلي إيبدو» هي صرخة عالمية لرفض هذا الفكر، وإعلان البراءة منه شرقا وغربا، شمالا وجنوبا…

لا شيء مقدس اليوم حول العالم إلا حرية الفكر والتعبير، وهذه هي الحقيقة التي لم يستوعبها جل المسلمين حول العالم، وخاصة الذين يعيشون في كنف الغرب وفي بلاده، وكما أن هناك في فرنسا من اختار الاستفزاز، هناك من اختار العقل والحكمة، وكما يوجد في فرنسا من ينتج ويسوق الخوف من الإسلام، هناك من يدافع عن الديانة الثانية في أوروبا، وعن حق أتباعها في ممارسة طقوسهم وشعائرهم بكل حرية واحترام، وكما أن هناك من اختار التحريض على المسلمين كعرض انتخابي لشراء أصوات اليمين المتطرف، هناك من يرفض الانجرار إلى هذه اللعبة الخطيرة… كل الآراء والتوجهات موجودة في باريس تعبر عن نفسها بكل وسائل التعبير إلا صوت الرصاص، إلا الدم.. هذا أمر خارج أصول اللعبة…

أوروبا فقدت أكثر من 20 مليون إنسان في الحرب العالمية الثانية، وإلى اليوم مازالت أسماء هؤلاء محفورة في ذاكرة الأجيال والعقل الجماعي للأمم الغربية، لهذا لديهم حساسية مفرطة من أي فكر عنيف أو متطرف أو إرهابي، وبمجرد أن تلوح في الأفق بوادر استعمال العنف ينتفض الناس هناك ويخرجون للتظاهر والشجب والرفض.

على المسلمين وقادتهم في كل مناطق العالم أن يرفعوا شعارا واحدا: «ليس باسمنا يقتل الصحافيون»، وليس باسم ديننا ترتكب المجازر. لقد احتفل جل المسلمين حول العالم مع المسيحيين قبل أيام بمناسبة رأس السنة الميلادية، وقدموا لبعضهم الهدايا بدون عقد ولا حساسية دينية، وهذا معناه أن الحرب ليست بين الأغلبية في الديانتين، بل بين الأقلية المتطرفة التي تريد أن تجر الآخرين إلى حرب دينية أو حضارية قاتلة…

العنف المتدفق من الجماعات المتطرفة والإرهابية له جذور في الفكر وله أسباب في الواقع، لكن ليس الآن وقت الدخول في تحليل وتشريح أسباب العنف والإرهاب والتطرف. الوقت وقت عزاء لأسر الضحايا وللزملاء في مجلة «شارلي إيبدو» ولفرنسا، ولكل مواطن حر حول العالم شعر بالغضب والحزن لمقتل ثمانية صحافيين وأربعة رجال أمن كانوا يحرسونهم…

جريمة «شارلي إيبدو» لن يدفع ثمنها، للأسف، من قام بها ومن خطط لها، سيدفع ثمنها آخرون مسلمون أبرياء اختاروا فرنسا للعيش أو الدراسة أو العمل. ستعطي فرنسا هدية كبيرة للقتلة إن هي سمحت بامتداد العقاب إلى كل المسلمين. هذا هو غرض الإرهاب، أن يجر الأغلبية إلى المعركة، وأن يضع المسلمين كلهم في سلة واحدة…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس باسم الإسلام يقتل الصحافيون ليس باسم الإسلام يقتل الصحافيون



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib