فرنسا التي نحب فرنسا التي نكره

فرنسا التي نحب.. فرنسا التي نكره

المغرب اليوم -

فرنسا التي نحب فرنسا التي نكره

توفيق بو عشرين

وقف مئات الفرنسيين في طابور طويل أمام أحد المستشفيات، حيث يرقد جرحى هجمات باريس، ينتظرون دورهم للتبرع بالدم من أجل إنقاذ الضحايا الذين يوجدون بين الحياة والموت. آلاف الفرنسيين نزلوا إلى ساحة الجمهورية وسط باريس يعزفون الموسيقى، ويتحدون الخوف رغم إعلان حالة الاستثناء، ورغم أن السلطات الفرنسية أوصت مواطنيها بلزوم منازلهم إلا للضرورة القصوى.
دومنيك دوفيلبان، رئيس الوزراء الفرنسي السابق، يرفض استخدام عبارة «فرنسا في حرب»، التي وصف بها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الهجمات الإرهابية، وقال دوفيلبان: «إن هذا معناه السقوط في لعبة العدو، ودفع الفرنسيين إلى الحرب الأهلية ضد بعضهم».

افتتاحية جريدة «لومانيتي» كتبت، تعليقا على دعوات اليمين الفرنسي إلى طرد الأجانب من فرنسا، قائلة: «محاربة الإرهاب تفرض علينا أن نبقى مجتمعا مفتوحا ومتسامحا يرفض تحميل مواطنينا من الديانة الإسلامية مسؤولية رفع راية الجهاد. مجتمع يقاوم العنصرية بكل أشكالها». على الخط نفسه ذهبت جريدة «ليبراسيون» وكتبت: «التسامح هو المستهدف من وراء هجمات باريس الإرهابية، وأحسن رد على الإرهابيين هو أن نبقى أوفياء لقيمنا الإنسانية».

البرلماني الأوروبي اليساري Mélenchon قال في برنامج على «فرانس2»: «مواطنونا من الفرنسيين من أتباع الديانة الإسلامية ليسوا مسؤولين عن هجمات داعش. هم أيضا ضحايا مثلنا، وعلينا أن نحتضنهم، وأن نحمي تعدديتنا واختلافنا، وحتى تناقضاتنا، فرنسا ليست بيضاء، لا مسيحية ولا أمة عرقية ولا حتى لغة فرنسية.. فرنسا قطعة أرض عنوانها الجمهورية، ومبادئها هي الحرية والمساواة والإخاء، ومضمون هذه الجمهورية هو التعددية والعلمانية والديمقراطية.. الباقي كله اختلاف وتباين وتعدد…».

هذه هي فرنسا التي يعرفها العالم، كبلد عريق ودولة قوية وأمة لها تاريخ وحضارة تجر وراءها إشعاعا عالميا، وتنهض من الكبوات والهزائم والأزمات أكثر قوة لأن روحها سليمة وعقلها لا يتوقف عن العمل، لكن هناك فرنسا أخرى تطل من شقوق اليمين المتطرف الذي تعبر عنه الجبهة الشعبية وزعيمتها الممقوتة، ماري لوبان، التي دعت أول أمس إلى خارطة طريق عنصرية للرد على هجمات باريس.. خارطة من ثلاث نقاط مبسطة وعنصرية وخادعة وشعبوية: أولا، إقفال المساجد التي تروج الفكر المتطرف، مع أن هذا النوع من الفكر لا يروج أساسا في المساجد بل في النيت وعلى الفايسبوك والتويتر والهواتف المحمولة. ثانيا، طرد المهاجرين غير الشرعيين من فرنسا، بمن فيهم اللاجئون من الحروب والأزمات، وكأن زعيمة اليمين العنصري توجه الاتهام إلى مئات الآلاف من الباحثين عن فرصة عمل أو دراسة أو عيش بالحد الأدنى في فرنسا، وتجعلهم جميعا مشاريع جهاديين. ثالثا، تجريد الفرنسيين المتطرفين من الجنسية الفرنسية، وإسقاط المواطنة عنهم، وهذه قمة الحماقة أن تصبح فرنسا محكمة تفتش في عقائد الفرنسيين، تصنف: هذا متطرف، وهذا على أبواب التطرف، وهذا معتدل، وهذا قريب من الاعتدال.. هؤلاء الإرهابيون من أبناء داعش ولد الكثيرون منهم وتربوا في فرنسا، وهم أبناء هذه الدولة بما لها وما عليها أجدادهم قاتلوا مع الفرنسيين ضد الاحتلال النازي وآباؤهم بنوا فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، ثم إن دولة القانون لا تعترف بتصنيف المواطنين إلى متطرفين ومعتدلين، وشعارها المقدس هو: «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، والقانون لا يحاكم الأفكار، مهما كانت متطرفة، بل يحاكم الأفعال الإجرامية، أما الأفكار فمشمولة بحرية التعبير..

هذه هي فرنسا، فيها الأبيض والأسود، فيها النزعة الإنسانية وفيها الغرائز البدائية.. فيها صوت العقل وفيها صوت الجهل، والأمل ألا تسقط الطبقة السياسية والنخب الحاكمة والإعلام المؤثر في ردود الفعل غير المحسوبة. نعم، الحادث كبير، وحصيلة الضحايا ثقيلة، و13 نونبر في باريس هو المرادف لـ11 شتنبر في نيويورك، لكن مع هذا يجب على فرنسا ألا تكرر حماقات جورج بوش الابن الذي خاض حروبا خاسرة ضد تنظيم القاعدة انتهت بميلاد داعش، النسخة الأكثر توحشا وإرهابا وتطرفا، وأين؟ في العراق الذي احتله مدة 10 سنوات، وكان يريد أن يجعل منه واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط.

النصف ساعة التي قام فيها «أسود الدولة الإسلامية»، كما تسميهم داعش، بقتل 132 فرنسيا.. النصف ساعة هذه ستغير السياسة الدولية بشكل كبير، وستعيد هجمات باريس نقطة محاربة الإرهاب إلى أجندة الدول الكبيرة، وستضع حدا للحرب السورية مهما كان الثمن، وسيرجع الود بين الرئيس الروسي فلادمير بوتين والرئيس الأمريكي باراك أوباما والقادة الأوروبيين، وسينسى العالم أزمة أوكرانيا، وسيتشكل حلف جديد للقضاء على داعش، وستتم إعادة رسم الحدود التي نسيت بين دول الاتحاد الأوروبي، وسترجع نقاط التفتيش إلى مكانها القديم، وستغلب على كلام أوروبا لغة الأمن والمخابرات والمعلومات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا التي نحب فرنسا التي نكره فرنسا التي نحب فرنسا التي نكره



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib