دبلوماسية خجولة

دبلوماسية خجولة

المغرب اليوم -

دبلوماسية خجولة

توفيق بوعشرين


انطلقت بالمغرب جولة جديدة من المفاوضات بين أطراف الحرب الأهلية في ليبيا برعاية الأمم المتحدة، واختيار المغرب لاستقبال مفاوضات شاقة ومعقدة بين أطراف النزاع الليبي، ومن خلفهم، أمر مهم بالنسبة للدبلوماسية المغربية التي بقيت على مسافة من هذا النزاع، ولم تتدخل مع هذا الطرف ولا ضد ذاك. لقد سبق للمغرب في 2011 أن استقبل الثوار الليبيين في الرباط، وجلسوا مع وزير الخارجية السابق، الطيب الفاسي الفهري، ومع ياسين المنصوري، المدير العام للمخابرات الخارجية، ووعد المسؤولون المغاربة ثوار بنغازي بالمساعدة المادية واللوجستيكية وحتى العسكرية، لأن الرباط كانت، كدول كثيرة، تعاني صداع الرأس بسبب حماقات العقيد القذافي، وبما أن أكثر دول العالم كانت تريد التخلص من دكتاتور باب العزيزية، فإن المغرب ساهم بنصيبه، لكن بعد ذلك وقف من بعيد يراقب صعود النزعات القبلية والجهوية بين الثوار، وفشلهم في الوصول إلى صيغة للتوافق على أحكام المرحلة الانتقالية، وسماحهم للسلاح بأن يكون أداتهم الرئيسة للحوار.

عندما تحول الربيع العربي إلى خريف، وانتقل الصراع بين الإخوة الأعداء إلى صراع إقليمي، حيث وقفت الإمارات العربية المتحدة ومصر إلى جانب حفتر، الذي يقصف شعبه بالطائرات، في حين ساندت تركيا وقطر الإسلاميين وحلفاءهم في «فجر ليبيا»، وهكذا عندما تدخل الدول الأجنبية على خط الخلافات الداخلية تتعقد الأمور، ويصير قرار الحرب والسلم خارج الأرض المتنازع عليها…

لنرجع إلى المغرب الذي يبدو اليوم، أكثر من أي وقت مضى، مؤهلا للعب دور دبلوماسي أكبر في محيطه وفي العالم العربي، وطبعا في إفريقيا.

لاحظوا أن وزارة الخارجية والتعاون لم تسوق هذا لقاء الحوار الليبي/الليبي على أهميته، ولم تعط أي بيانات أو معلومات عن دورها في إنجاح هذه المفاوضات التي يتابعها العالم أجمع، كما لم تعرف كيف تسوق مشاركتها في الحرب الجوية على داعش، والجميع استغرب كيف أن خبر وجود طائرات f16 مغربية تقصف الدواعش جاء على لسان الطيار الأردني الأسير لدى تنظيم الدولة، معاذ الكساسبة، قبل حرقه…

المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي استفاد، من مخرجات الربيع العربي، وهو الوحيد الذي دخل إلى ماكينة هذا الربيع وخرج سالما، وهو الوحيد الذي يستطيع الجالس على عرشه أن يأخذ عطلة من شهرين من بين كل الزعماء العرب اليوم، لهذا على دبلوماسيتنا الخجولة أن تستثمر نقاط القوة الداخلية في الخارج، وأن تضع تصورا للتحالفات والأدوار والمواقع التي يجب أن يتطلع إليها المغرب باعتباره بلدا عربيا أمازيغيا إسلاميا يعيش دينامية سياسية مهمة، حيث استطاع أن يدخل ويخرج من عواصف الربيع العربي، وأن يستوعب جزءا مهما من إسلامييه بإشراكهم في الحكم عوض فتح الزنازين والمنافي في وجوههم، كما أن المغرب من الدول العربية القليلة التي لم تجد التنظيمات المسلحة الراديكالية قطعة واحدة فوق أرضه. لا ننس أن القاعدة لها مكان في الأرض الجزائرية، وأن السلفيين المتطرفين لهم قطعة من الأرض التونسية، وأن داعش وصلت إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وأن تنظيم الظواهري أصبح يتحرك بسهولة وعلانية في اليمن، دعك من سوريا والعراق وليبيا، حيث تستولي داعش على مساحات جغرافية شاسعة تفوق مساحات دول أوروبية صغيرة.

صحيح رحل من المغرب أكثر من 2000 مقاتل في اتجاه العراق وسوريا، لكن هذه الهجرة المكثفة للجهاد العابر للحدود بقدر ما ستمثل مشكلة للمغرب مستقبلا، فإنها تظهر أن الأجهزة الأمنية عندنا ضيقت الخناق على «الجهاديين»، ولم يعد أمام هؤلاء إلا الرحيل لأن التربة المغربية لا تسمح بإقامة معسكر أو قاعدة أو مناطق يسيطر عليها مشروع الإرهاب العالمي…

كل هذه نقط قوة لا أرى أن دبلوماسيتنا المعطوبة توظفها جيدا، وهنا لا بد أن نتحدث عن استقالة رئيس الحكومة من السياسة الخارجية تحت مظنة أن الدبلوماسية اختصاص محفوظ كليا للملك، وهذا فهم مجانب للصواب. نعم، رئيس الدولة في جل الأنظمة السياسية هو الممثل الأسمى للدولة في الخارج، وملف السياسة الخارجية يقع تحت يده، لكن لرئيس الحكومة دورا يؤديه في الاستراتيجية التي يرسمها رئيس الدولة.

يحكي الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، في مذكراته أنه اصطدم بفرنسوا ميتران أيام كان الأول رئيس حكومة والثاني رئيس دولة في ما يعرف فرنسيا بـ«التعايش» (Cohabitation).. يحكي شيراك أنه تلقى مكالمة من الرئيس الأمريكي ريغان يطلب فيها منه كرئيس حكومة أن يسمح للطائرات الأمريكية بعبور الأجواء الفرنسية للاتجاه إلى ليبيا لضرب العقيد القذافي، فرد شيراك على ريغان بالرفض، وقال: «إن فرنسا لا تسمح لأحد بتوريطها في حرب لم تشترك في قرار خوضها».

وعندما وضع شيراك سماعة الهاتف اتصل بميتران وأخبره بفحوى محادثته مع ريغان، فما كان من الرئيس إلا أن قال لشيراك: «لقد تلقيت المكالمة نفسها، وكان رأيي نفس ما عبرت عنه بلسانك للبيت الأبيض». في اليوم الموالي خرج شيراك إلى وسائل الإعلام وقال: «إنني رفضت طلبا من ريغان بمرور طائرات أمريكية من الأجواء الفرنسية لقصف ليبيا، وإنني نفذت قرارا اتخذه رئيس الجمهورية». هذه الجملة لم تعجب الرئيس ميتران الذي كان يريد أن يبعد رئيس حكومته عن الشؤون الخارجية تماما، لكن هذا الأخير تشبث بحقه في المساهمة في تنفيذ السياسة الخارجية لأنها مربوطة بالسياسة الداخلية، وحاول مرارا إقناع ميتران بأن سياسة خارجية فرنسية واحدة بصوتين أمر ممكن بل ومطلوب…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبلوماسية خجولة دبلوماسية خجولة



GMT 19:50 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

نكتة سمجة اسمها السيادة اللبنانية

GMT 19:48 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

اكتساح حلب قَلبَ الطَّاولة

GMT 19:46 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

جاءوا من حلب

GMT 19:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

هو ظل بيوت في غزة يا أبا زهري؟!

GMT 19:39 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

... عن الانتصار والهزيمة والخوف من الانقراض!

GMT 19:37 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وانفقأ دُمّل إدلب

GMT 19:33 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 19:30 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بعيداً عن الأوهام... لبنان أمام استحقاق البقاء

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:51 2019 الجمعة ,21 حزيران / يونيو

شهر حزيران تميمة حظ لمواليد برج السرطان

GMT 13:31 2017 الثلاثاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

السفير المغربي سمير الدهر يتعرض إلى السرقة في حي يسيشيكو

GMT 19:54 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

والد حمزة منديل يرفض الرد على اتصالات نجله

GMT 02:43 2015 الإثنين ,14 أيلول / سبتمبر

حلى الزبادي بالأوريو

GMT 08:36 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركة "تسلا" تبني مصنعًا لإنتاج السيارات الأجنبية في الصين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib