بنكيران يحلم

بنكيران يحلم

المغرب اليوم -

بنكيران يحلم

توفيق بو عشرين

دعا رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، في افتتاح الجمع العام للمجلس الأعلى للوظيفة العمومية أمس، إلى إصلاح الإدارة، وتغيير نظرة هذه الأخيرة إلى المواطنين، وتحسين الخدمات والاستقبال داخلها، وتكريس فكرة وجود الإدارة لخدمة المواطنين».
هذا كلام جميل وشاعري، وهذه ليست المرة الأولى التي يسمع فيها المغاربة شعار «الإدارة في خدمة المواطنين»، لكنهم، منذ 60 سنة -وهو عمر الإدارة الحالية- لم يعثروا لهذا الشعار على تطبيق فعلي على أرض الواقع... الجديد أن بنكيران زاد من جرعة نقد الإدارة، لكنه نقد لا ينفذ إلى عمق آلة الإدارة التي تملك قدرة كبيرة على مقاومة الإصلاح، خصوصا إذا كان إصلاحا محمولا على نعش الخطب والنوايا الحسنة.
عندما يضع المواطن رجله في الكوميسارية أو المقاطعة أو الوزارة أو مصلحة الضرائب أو العمالة أو الولاية أو المحكمة... أول شيء يتبادر إلى ذهنه، حتى قبل أن يدخل إلى واحدة من هذه المرافق العامة، هو البحث عن «واسطة» من أحد يشتغل في واحدة من هذه الإدارات أو المنشآت يسهل له قضاء أغراضه، وهي في الغالب أغراض مشروعة، وكثيرا ما تكون بسيطة، لكن المساطر المعقدة في الإدارة، و«الاستعلاء» الذي يتعامل به أغلب الموظفين مع المواطنين، والرشوة التي تنخر جل مرافق الإدارة، تجعل من حياة المواطن جحيما في هذه الإدارة. بعد أن يبحث المغربي المسكين عن واسطة، يبدأ في إعداد نفسه، أولا، لانتظار وقت طويل جدا من أجل قضاء أغراضه، ثم، ثانيا، التفكير في استعمال الرشوة لجعل «القطار يتحرك»، ثم، ثالثا، التحلي بالصبر وضبط النفس وعدم إغضاب الإدارة والقائمين عليها مخافة الانتقام منه...
هل هذه صورة سوداء عن الإدارة بكل مرافقها؟ لا أعتقد. نعم هناك تفاوت بين إدارة وأخرى، وهناك تفاوت في الإحساس بظلم الإدارة بين القرية والمدينة، وبين المتعلم والأمي، وبين الفقير والغني... لكن في جميع الأحوال الإدارة في بلادنا بمثابة حجر كبير في حذاء المواطن البسيط إذا وقف يزعج وإذا تحرك يدمي.. دعك من المستثمر، فهذه قصة أخرى...
هل سيغير بنكيران «عدوانية» الإدارة بالدعاء والفاتحة والوصايا العشر في الملتقيات والندوات؟ لا أظن ذلك.
عيب الإدارة في بلادنا وعموم البلاد المتخلفة من عيوب النظام السياسي الكثيرة. عيب الإدارة في عقيدتها.. في شهادة ميلادها الأولى. الإدارة الحديثة في المغرب أنشئت على يد المستعمر الفرنسي والإسباني، ويوم وضع المستعمران هياكلها وبناياتها وقوانينها وأعرافها بثا فيها «روحا» استعمارية. إنها أداة لتطويع الأهالي، ووسيلة لجمع الضرائب، وسلاح للاستغلال وليس لخدمة المواطن الذي لم يكن المستعمر يعترف له بهذه الصفة، بل كان ينظر إلى المغاربة كأهالي «les indigenes».
عندما خرج الاستعمار ورثت دولة الاستقلال هذه الإدارة، ولم تغير فيها شيئا. الذي تغير فقط في هذه الإدارة هو  ولاؤها.. كان ولاؤها الأول للاستعمار، فصار لنظام الاستقلال...
ظل البدوي يعطي السلام العسكري للشيخ والقائد والدركي، كما كان يفعل مع الحاكم العسكري زمن الاستعمار، وبقي المواطن يخاف إدارته في المدينة كما كان الوضع في السابق...
الإصلاح الإداري يبدأ من «تفكيك» هذه العقيدة، وإعادة بناء عقيدة أخرى تجعل من الإدارة أداة لخدمة المواطن وليست لخدمة النظام. عن هذه الوصفة نريد من بنكيران أن يحدثنا، وأن يعرض تصوره وعمله لإعادة تحرير الإدارة من قبضة هذه العقيدة... إدارة نصرف عليها ثلث الميزانية (105 ملايير درهم سنويا) من أجل أن تحول حياتنا إلى جحيم كل يوم...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بنكيران يحلم بنكيران يحلم



GMT 06:33 2025 الإثنين ,17 شباط / فبراير

الذروة؟!

GMT 06:32 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

تقرير من أمريكا

GMT 06:28 2025 الإثنين ,17 شباط / فبراير

تعفن الدماغ!

GMT 06:27 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مع أى «ترامب» نتحدث؟

GMT 21:39 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

ذئب ميونيخ... وتعدد الأسباب

GMT 20:42 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

يا مال الشام!

GMT 20:41 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

أزمة المنظمات الدوليّة والإقليمية

GMT 20:38 2025 السبت ,15 شباط / فبراير

طريق الرياض للسلام العالمي

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 22:35 2025 الإثنين ,17 شباط / فبراير

رامز جلال يكشف عن اسم برنامجه الجديد في رمضان 2025
المغرب اليوم - رامز جلال يكشف عن اسم برنامجه الجديد في رمضان 2025

GMT 20:42 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 13:39 2023 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

أغماني يُحذر من آثار حرب غزة على قطاع السياحة المغربي

GMT 08:19 2021 الإثنين ,03 أيار / مايو

مواصفات وأسعار فولكس فاجن تيجوان موديل 2021

GMT 01:51 2020 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

شركة جينيسيس تقدم أول إنتاجها من موديلات SUV الفاخرة

GMT 07:40 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة رواية "الخواجا" في نادي التجاريين بالقاهرة الأربعاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib