بطة قد تصبح عرجاء

بطة قد تصبح عرجاء

المغرب اليوم -

بطة قد تصبح عرجاء

توفيق بو عشرين


تأملت صورة الحكومة الثالثة لعبد الإله بنكيران فوجدتها باهتة، لا شيء فيها يبعث على التعليق أو الاهتمام.. وزير يعوض وزيرا.. وزيرة تأخذ مكان وزيرة… كان يمكن أن يكون التعديل الثالث للحكومة في الربع ساعة الأخيرة من عمرها أفضل من هذا بكثير لو كانت هناك رؤية سياسية لدى أحزاب الأغلبية.

كان يمكن، مثلا، تقييم أداء الحكومة كلها وإعادة ترتيب الأولويات، وجمع حقائب مشتتة في وزارة واحدة، والتخلي عن كثير من الوزراء الذين لا يقدمون أية قيمة مضافة، وتقليص عدد وزراء حكومة هي الأكبر في العالم من حيث أعداد الوزراء (38 وزيرا)، لكن شيئا من هذا لم يقع.

بعد أكثر من سنة على فضيحة مول الشوكلاط، وستة أشهر بعد فضيحة ملعب مولاي عبد الله، وبعد شهرين من أخبار الكوبل الحكومي، جاء التعديل الحكومي لينزل الأربعة من سفينة الحكومة ويصعد آخرون مكانهم. الرابح الأكبر في هذه العملية هو الوزير المخضرم امحند العنصر، الذي حطم جميع الأرقام القياسية في عدد الوزارات التي دخل إليها منذ سنوات الثمانينات من القرن الماضي إلى اليوم.. إنه سياسي يتلون مع كل عصر ومرحلة وحكومة وخطاب وقطاع… السيد امحند، وقد اقترب من عقده الثامن، وجد أنه يصلح لوزارة الشباب والرياضة، وأنه رجل لم يفقد شيئا من حيويته، ولهذا قال مع نفسه: «لماذا أظل في وزارة إعداد التراب الوطني لأمضي جل الوقت في الصراع مع الوزير الآخر في القطاع نفسه؟ لأنتقل إلى وزارة مهمة وكبيرة وفيها ‘‘مايدار’’ عوض الجلوس في الوزارة الأولى، عفوا.. الثانية»… العنصر كان وزير داخلية ثم أصبح وزير التعمير وإعداد التراب الوطني، وها هو في ظرف ثلاث سنوات يصبح وزيرا للشباب والرياضة، وقبلها كان وزير دولة بلا حقيبة، وكان وزير فلاحة وقبلها وزير البريد، وكان وكان وكان… إنه رجل خلق ليكون وزيرا، أما مفتاح نجاحه فهو أنه لا ينفع ولا يضر.. هكذا خلقه الله تمثالا من لحم ودم…

لنرجع إلى الجدية.. كاتب هذه السطور يرى أن بنكيران ما كان عليه في هذه الظروف الصعبة التي يمر منها أن يدخل وجوها جديدة إلى الحكومة. كان يكفي تكليف الوجوه القديمة بتسيير الوزارات التي غادرها أصحابها، وبعض هذه الوزارات كانت فارغة من الأصل، فالسيد الكروج، مثلا، لم يكن يقوم بشيء مهم في ربع وزارة مع الشيخ بلمختار…

نحن اليوم على أبواب الصيف، ولم يبق للحكومة إلا قانون مالي واحد ستعده آخر هذه السنة قبل أن تذهب إلى الانتخابات التشريعية في 2016، قبل أن تمر من محطة 2015، وهذا معناه أن الحكومة ستصير بطة عرجاء إذا لم ترتب أوراقها من الآن.

الجميع يعرف أن الأغلبية الحالية ليست على قلب رجل واحد، وأن كل حزب فيها له حساباته الخاصة. لقد رأينا، مثلا، كيف تحولت أغلبية عباس الفاسي، شهورا قبل الانتخابات السابقة لأوانها في 25 نونبر، إلى ما يشبه قطعا من الزجاج يستحيل جمعها، حتى إن حزب الأحرار في نسخته المزوارية وضع بيضه في قفة G8، وانتقل إلى المعارضة وهو مازال وزيرا للمالية في الحكومة، كما أنه امتنع عن الرد على هواتف الوزير الأول عباس الفاسي، وتوقف عن التوقيع على أي شيء اعتبره يخدم الحملة الانتخابية للاستقلال…

لقد اجتمعت الأغلبية حديثا، واتفقت على التنسيق في الانتخابات الجماعية المقبلة، لكنها لم تصل إلى درجة التحالف المنسق بينها، وإذا كانت الحسابات مختلفة في الانتخابات المحلية، فكيف ستكون في الانتخابات التشريعية حيث كل طرف «كيضرب على عرامو»؟ المشكل ليس هنا.. المشكل أن الحكومات الائتلافية في المغرب تصاب بالشلل في السنة الأخيرة من عمرها، كما أن أغلبية الحكومات تلاقي صعوبات كبيرة في الحركة في بداية عهدها، وهو ما يعني أن الزمن الحكومي لا يتجاوز سنتين إلى ثلاث سنوات في المغرب. هذا دون احتساب الأزمات الداخلية وبطء الإدارة، وسرعة السلحفاة التي تمشي بها آلة التشريع في البرلمان، ما يعني أن فرصا كبيرة للإصلاح تضيع، وإلقاء نظرة بسيطة على أداء حكومات وبرلمانات بلدان صغيرة، مثل بلجيكا واليونان والبرتغال أو حتى تركيا، يظهر إلى أي حد الإنتاج التشريعي ضعيف في بلادنا، وكذلك الأداء التنفيذي.

طبعا شلل الحكومة يعتبر خبرا سارا للمعارضة لو كان لديها بديل آخر وتصور آخر عن الأوراش الكثيرة في المغرب، لكن الواقع شيء آخر. إذا جمعت زعماء المعارضة في غرفة واحدة وقلت لهم: «تفضلوا.. اعرضوا برامجكم للمستقبل وتحدثوا في كل شيء سوى موضوع واحد هو بنكيران ولغة بنكيران وأسلوب بنكيران»، فأغلب الظن أنهم سيصابون بالخرس، أو سيعتذرون عن المشاركة في هذه اللعبة…

أبواب النجاح مفتوحة لمن يدفعها.. هذا مثل صيني قديم يحتاج وزراء حكومة بنكيران إلى أن يعلقوه على أبواب مكاتبهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بطة قد تصبح عرجاء بطة قد تصبح عرجاء



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib