الوردي وياسمينة قصة نجاح وفشل

الوردي وياسمينة.. قصة نجاح وفشل

المغرب اليوم -

الوردي وياسمينة قصة نجاح وفشل

توفيق بوعشرين

بالميزانية نفسها، وفي القطاع نفسه، وبالصلاحيات نفسها، وفي بلد واحد، وفي فترة متقاربة، حقق وزير الصحة، الحسين الوردي، نتائج مهمة في وزارة الصحة لم تحقق منها ياسمينة بادو، التي سبقته في الوزارة، حتى 10٪. كل ما حققته المحامية الاستقلالية أنها تورطت في اختلالات كبيرة مازالت تلاحقها إلى اليوم، بشهادة تقارير المجلس الأعلى للحسابات، الذي كشف فضائح كبيرة في صفقة اللقاحات وثمنها وطريقة تخزينها والجدوى من اقتنائها أصلا. ياسمينة، التي ترى نفسها سياسية ناجحة ولهذا تستهدفها الصحافة المستقلة وتشنع عليها، يمكنها أن تقرأ فشلها في نجاح خلفها.

الوزير الوردي القادم من وسط فقير، نجح في تخفيض أثمنة أدوية عديدة، ونجح في مواجهة لوبي أطباء المصحات التجارية المتنفذ في القطاع، ونجح في إغلاق «غوانتنامو المغرب»، وأقصد بويا عمر، ونجح في تفعيل بطاقة الراميد، ونجح في أن يكسب ثقة المغاربة وإعجابهم، حتى وإن كانوا غير راضين عن مستوى خدمات المستشفيات العمومية والرعاية الصحية التي تقدم فيها، لكن الوزير لا يتحدث لغة الخشب مع الشعب، ولا يسوق الارتياح المضلل.. يتحدث مع المغاربة بلغة واضحة وصريحة، ويقول: «حققنا كذا ولم نحقق كذا، والعين بصيرة واليد قصيرة». هو طبيب لكنه لم ينحز إلى قبيلته، ولا تصرف بمنطق انصر أخاك ظالما أو مظلوما. منذ اليوم الأول دخل في معارك واضحة لتطبيق برنامجه وأفكاره وما يعتقد أنه صواب، وكاد يتعرض لاعتداء داخل البرلمان لأنه وزير شجاع لم يتهيب اللوبيات المتنفذة في القطاع، وهذا ما جعله يتصدر قائمة الوزراء الأكثر شعبية في هذه الحكومة، رغم أن المغاربة يعانون يوميا ضعف العرض الصحي. ماذا يعني هذا؟

هذا يعني، أولا، أن المغاربة يتفهمون إكراهات الواقع، ويصبرون على الدولة إذا وجدوا شخصا ذا مصداقية يتحدث معهم بلغة الحقيقة والصراحة، ويجتهد لسد الثغرات، ويتمتع بالشجاعة في مواجهة الأقوياء والتماسيح، ويقوم باتخاذ قرارات مهمة، خاصة القرارات السياسية التي لا تكلف درهما واحدا. ماذا كلف قرار تخفيض أثمنة الدواء الحكومة؟ وماذا كلف قرار فتح المصحات أمام الرأسمال الخاص غير شجاعة التصدي للسماسرة الذين يبيعون ويشترون في صحة المغاربة؟ وماذا كلف قرار إغلاق ضريح بويا عمر، الذي كان بعض المرضى النفسيين مقيدين في دهاليزه لمدة 20 سنة؟

حالة الوزير الاشتراكي الحسين الوردي تعني، ثانيا، أننا بلاد يحتل فيها شخص الوزير موقعا أهم من البرنامج الحكومي. نحن بلاد أشخاص لا مؤسسات، أفراد لا مشاريع… ومادام هذا هو واقعنا كبلاد متخلفة لم تصل بعد إلى اعتبار البرنامج أولا والشخص ثانيا، والمؤسسة أولا والفرد ثانيا، فلا مناص من دفع الأحزاب وأصحاب القرار في الدولة إلى بذل مجهود كبير في اختيار الأفراد الذين تعهد إليهم المسؤوليات العمومية. لقد ربحت حكومة بنكيران وحزب التقدم والاشتراكية، مثلا، مع الوردي أكثر مما ربحا مع نصف أعضاء الحكومة، وفي المقابل، خسرت الحكومة وحزب الحركة الشعبية مع وزيري الشوكلاطة والكراطة الكثير من النقط.. هذه أمثلة فقط، وإلا فهناك الكثير الكثير من الوزراء الذين فشلوا على مدار تاريخ المغرب في ملء مقاعدهم، والاضطلاع بمسؤولياتهم، حتى إن الملك الراحل الحسن الثاني كان لا يطمع في ربح أكثر من وزير أو اثنين في أية حكومة! وكان يقول: «إذا ربحنا وزيرا أو اثنين في أية حكومة فهذا إنجاز كبير».

إن مسار إنتاج النخب الوزارية عندنا مسار معطوب، وفيه اختلالات بنيوية عميقة أنتجتها السلطوية وغياب الديمقراطية، فمن جهة، هناك قناة «المخزن»، حيث تتجه جل الكفاءات إلى المرور عبرها إلى مواقع المسؤولية، فتتحول هذه النخب إلى تقنوقراط لهم كفاءة الشواهد والمدارس العليا والخبرة، لكنهم يفتقرون إلى أي التزام السياسي أو ارتباط شعبي أو هم إصلاحي، وبعضهم تحول إلى شبه «مرتزق» يدعو كل صباح بالدعاء الانتهازي المعروف: «الله ينصر من أصبح». طبعا هناك استثناءات، وهناك تقنوقراط كان لهم من الالتزام الأخلاقي أكثر من النخب المنحدرة من الأحزاب السياسية، لكن، في العموم، تحول التقنوقراط إلى آلة بدون روح سياسية، ولأن الطبيعة تخشى الفراغ، فإن الانتفاع المادي عوض الالتزام السياسي لدى هؤلاء.

القناة الثانية للاستوزار كانت هي الأحزاب السياسية بكل أنواعها، ولأن الأحزاب السياسية الحقيقية كانت مقموعة لسنوات طويلة، فإن جل الكفاءات هربت منها، ولم يبق وسطها غير المناضلين الذين يحملون رؤوسهم فوق أيديهم. جل هؤلاء يعرفون كيف يعارضون الحكم لكنهم لا يعرفون كيف يحكمون، خاصة أن بعضهم ظل في المعارضة زمناً طويلا… لما وقع الانفراج بين القصر والأحزاب، وبدأت هذه الأخيرة ترشح الوزراء، وقعت كوارث حقيقية، وبدأ جل زعماء الأحزاب يقدمون نماذج لا تصلح لإدارة دكان بقالة في حي شعبي، وليس وزارة مؤتمنة على مصالح الشعب. غابت المعايير الموضوعية في اختيار الوزراء، وحضر المال والولاء والارتباطات العائلية، وغيرها من الاعتبارات غير الموضوعية، والنتيجة ما نراه وما نسمعه عن وزراء فشلوا في تدبير حياتهم الخاصة، ونجحوا في الوصول إلى الوزارات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوردي وياسمينة قصة نجاح وفشل الوردي وياسمينة قصة نجاح وفشل



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib