إنها أكثر من عشيقة

إنها أكثر من عشيقة

المغرب اليوم -

إنها أكثر من عشيقة

توفيق بو عشرين

من أزمة إلى أخرى، ومن سوء فهم إلى آخر أكبر منه، ومن حادثة سياسية إلى أخرى دبلوماسية.. هكذا تبدو العلاقات الفرنسية-المغربية وقد دخلت إلى منطقة اضطراب جوي قوي، ولا أحد في قيادة الطائرة لديه حل أو حتى تصور للحل...
حادثة زيارة القبطان أديب لغرفة الجنرال المريض، عبد العزيز بناني، في مستشفى «فال دوغراس»، وتركه رسالة شديدة اللهجة لشخص على سرير المرض.. حادثة ليست كبيرة جدا، وفي أجواء عادية كان يمكن للبلدين أن يتجاوزاها بسهولة، وما كان سفير فرنسا، الذي كان دائما يحظى بالتوقير والاحترام، سيجد نفسه أمام ياسين المنصوري، المسؤول الأول عن جهاز مكافحة التجسس، مطالبا بتقديم تفسير لتساهل إدارة المستشفى العسكري مع ضابط منشق، والسماح له بإزعاج الجنرال رقم واحد في المملكة.
عادة ما يستدعى السفراء إلى وزارات الخارجية، حتى في أحلك الظروف، وليس إلى مقرات المخابرات... كانت الرسالة واضحة من المسؤولين المغاربة إلى «الأم فرنسا».. الرسالة تقول: «انتبهي يا باريس، المملكة المغربية ليست عشيقة كما توهم سفيركم السابق في واشنطن.. المملكة لن تتساهل بعد اليوم مع المستعمر السابق، وسترد الإساءة بأكثر منها»...
أين المشكل إذن؟
البعض يقول إن النفوذ المتنامي للمغرب في إفريقيا يزعج باريس.. هذا كلام لا دليل عليه. أولا، التحرك المغربي في مالي، وفي عدد من الدول الإفريقية، كان بتنسيق مع فرنسا التي رحبت به، ودعت إلى تقويته أكثر لمواجهة التطرف والإرهاب في حزام إفريقي شديد الاضطراب والتعقيد. ثانيا، المصالح المغربية في إفريقيا مازالت ضعيفة جدا، والذي ينافس فرنسا ليس المغرب بل الصين. ثالثا، كلما استفاد المغرب من علاقات اقتصادية في إفريقيا، استفادت فرنسا كذلك، وهي التي تتوفر على نفوذ وأسهم ورأسمال وخبرة وأطر كثيرة في النسيج الاقتصادي المغربي، وفي قطاع المال والأعمال والتجارة والصناعة... ثم ينسى الخطاب الشعبوي، الذي ينتج هذا النوع من الكليشيهات والتحاليل المبتسرة، أن باريس شكلت لجنة بقيادة هوبير فيدرين قبل سنة، وكلفتها بوضع خطة لإعادة إنعاش النفوذ الاقتصادي الفرنسي في إفريقيا، وكانت ثالث توصية لهذه اللجنة هي الاعتماد على دول صديقة لفرنسا، مثل المغرب، لدخول أسواق إفريقيا الفرانكفونية، واستغلال اللغة وقرب المغرب وخبرة بعض شركاته لتوسيع نفوذ باريس في القارة السمراء...
أين المشكل إذن؟
المشكل يتمثل في اليسار الحاكم في فرنسا، والذي لا يعرف تقنيات اليمين في الحفاظ على علاقات متميزة مع الرباط، خارج القنوات الرسمية والاتفاقيات الدولية... لو كان شيراك أو ساركوزي في قصر الإليزيه لما سمح لكوموندو من الشرطة بطرق بيت السفير المغربي في باريس بحثا عن عبد اللطيف الحموشي، مدير المخابرات المغربي الذي كان مطلوبا للتحقيق في مزاعم بوقوفه خلف تعذيب مغاربة وفرنسيين في معتقل تمارة... اليسار الفرنسي، وبسبب ثقافته التي تنفر من الملكيات والأنظمة الوراثية، لا يرى أنه مطالب بترك مشاعره السياسية والثقافية خارج دائرة العلاقات بين الدول المحكومة بالمصالح والتصرف بمنطق الاستمرارية، لا أشياء أخرى.
ولفرنسا مصالح كبيرة في المغرب، والذي يريد دليلا واحدا على ذلك ما عليه إلا أن يطالع أرقام الشيكات التي ربحتها «فيفاندي» من وراء صفقة اتصالات المغرب، والذي يريد أن يعرف حجم الدلال الذي يعامل به المغرب فرنسا ما عليه إلا أن يطالع خروقات شركة «أمانديس» التابعة لـ«فيوليا»، وعدم احترامها لدفتر التحملات، ومع ذلك هناك من يدافع عنها، وهناك من يريد أن يعوضها بالمليارات قبل أن تغادر الشمال.
كان المغرب ينتظر من فرنسا أن تغير قوانينها التي تسمح بمقاضاة أي مغربي أمام محاكم باريس، ولهذا علق العمل بالاتفاقيات القضائية، وبعضها عمره أكثر من نصف قرن، لكن الإليزيه لم يتحرك، والحكومة الفرنسية ردت بشكل تهكمي على احتجاج المغرب، حيث قال وزير خارجيتها: «إن المغرب ضرب دبابة بسلاح نووي»، تعبيرا عن المبالغة في رد الفعل على استدعاء الحموشي من قبل الشرطة الفرنسية... الآن سنرى المزيد من الأسلحة ترفع في وجه فرنسا، فهل سترد هذه الأخيرة بالمثل أم ستنحني للعاصفة إلى أن تمر؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها أكثر من عشيقة إنها أكثر من عشيقة



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 00:54 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب
المغرب اليوم - روحي فتوح لتولّي رئاسة السلطة الفسطينية حال شغور المنصب

GMT 22:21 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
المغرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib