4 شتنبر يوم سيكون له تاريخ

4 شتنبر يوم سيكون له تاريخ

المغرب اليوم -

4 شتنبر يوم سيكون له تاريخ

توفيق بوعشرين

هناك صور تختصر آلاف الكلمات، وهناك صور تُغني عن ساعات من الكلام، والصورة التي وجدتها تعكس المشهد الانتخابي لما بعد الرابع من شتنبر هي تلك الصورة التي التقطت لحميد شباط، وإدريس لشكر، وإلياس العمري، ومصطفى الباكوري، ليلة الجمعة الماضية، وهم مجتمعون على عجل في شارع العرعار بحي الرياض بالرباط في اجتماع طارئ لبحث كارثة اكتساح «البي جي دي» للمدن الكبيرة وللعواصم الإدارية والاقتصادية والعلمية والفلاحية..كانت وجوههم شاحبة وابتساماتهم مصطنعة، ومنهم من أصدر بيانا ناريا للتنديد بالتزوير الذي وقع في الانتخابات حتى قبل إعلان نتائجها، التي تأخرت وزارة الداخلية في إعلانها إلى غاية الساعات الأولى من صباح أول أمس السبت حتى لا تعطي صورة صادمة لنتائج المعارضة في المدن دون القرى …

لنترك الصور التي تختزل الأحداث، ونحاول قراءة مشهد ما بعد الرابع من شتنبر، حيث الأرقام المعلنة من قبل وزارة الداخلية (مضللة) أو لا تقول كل شيء..ماوراء الأرقام المعلنة لأول انتخابات جماعية بعد دستور 2011، وبعد الحَراك المغربي الذي حرك البركة الآسنة، هناك حقائق سياسية لا يجب إغفالها…

أولا: حزب الأصالة والمعاصرة حصل على المرتبة الأولى من حيث مقاعد الجماعات المحلية، فيما حصل البي جي دي على المرتبة الأولى في عدد مقاعد مجالس الجهات، وحصل الجرار على 6665 مقعدا بواسطة مليون و300 ألف صوت، فيما حصل البي جي دي على 5021 مقعدا فقط، لكن بمليون ونصف مليون صوت، أي بفارق 200 ألف صوت، أي نظام انتخابي هذا الذي يُعطي مقاعد أقل لحزب حصل على أكبر عدد من الأصوات؟

ثانيا: هرب الأصالة والمعاصرة وأحزاب أخرى إلى البوادي حيث التصويت الفردي، وحيث الاختيار يقع على الأشخاص، وليس على الأحزاب، وحيث التصويت يتأثر بالمال والنفوذ والقبيلة والأعيان والفقروالأمية، فيما سيطر حزب العدالة والتنمية على المدن حيث التصويت سياسي، وحيث الطبقة الوسطى متحررة نسبيا من سلطة المال ونفوذ الأعيان وضغط السلطة، طبقة وسطى تختار الحزب وسمعته وبرنامج وخطابه، وليس الشخص وماله ونفوذه …

ثالثا: لأول مرة في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب ومنذ 1963، وإلى اليوم، مرورا بكل الانتخابات الجماعية، وحتى التشريعية لم يتمكن أي حزب من حصد نتائج كبيرة وكاسحة في المدن كالتي حققها المصباح في هذه الانتخابات، حيث فاز بالأغلبية المطلقة في الدار البيضاء (11 المقاطعة من أصل 16) والقنيطرة (بأغلبية 70٪)، وطنجة (6 مقاطعات على 6). أما فاس التي كانت قلعة شباط، فقد نزعها منه إدريس الأزمي الذي لم يسبق له أن ترشح لأي انتخابات، وفاز بست مقاطعات من ست، كما فاز المصباح بالأغلبية المطلقة في الراشدية وأكادير وسلا ومكناس وتمارة وتارودانت وإنزكان والشاون. فيما حصل على المرتبة الأولى في تطوان والداخلة ومدن أخرى كثيرة، وهذا معناه أن المصباح سيتحكم في 80٪ من ميزانيات الجهات والجماعات في المغرب، فيما سيترك للآحزاب الأخرى 20 في المائة من الميزانية.

رابعا: في غضون أربع سنوات، منحت الطبقة الوسطى في المدن تفويضا سياسيا صريحا لحزب العدالة والتنمية، ولزعيمه عبد الإله بنكيران. المرة الأولى في 2011، حيث كان الربيع العربي يدق على الأبواب بقوة، إذ كان التفويض الانتخابي من الشعب يقول: (هيا يا بنكيران (قم بالإصلاحات في ظل الاستقرار وأرنا نجاعة هذه الوصفة)، ثم رجعت الطبقة الوسطى في المدن بعد أربع سنوات وأعطت لبنكيران تفويضا جديدا يقول: (واصل مسلسل الإصلاحات وحارب الفساد المعشعش في المدن، ولا تلتفت إلى المعارضة، وانقل تجربة الحكومة إلى المجالس المحلية). الآن أمام بنكيران فرصة كبيرة وتحد كبير، وإذا نجح في إدارة المدن بطريقة جديدة وفعالة ومنتجة ونزيهة، فإنه سيكرس زعامته الكبيرة على المشهد السياسي. وإذا فشل، فإن إدارة المدن الكبرى ستأكل شعبيته السياسية، وستطيح به كما فعلت مع الأحزاب الأخرى.

خامسا: كان أصحاب (التحليلات المخدومة) والحملات الإعلامية المسعورة يعتقدون أن حزب المصباح سيكون ضحية تصويت عقابي من قبل الناخب بسبب الحصيلة الحكومية التي رأوا أنها كارثية، والذي حدث عكس ذلك تماما، فالطبقة الوسطى عاقبت المعارضة وطردتها من المدن احتجاجا على أسلوبها الشعبوي غير المنتج لأي بدائل، أو خطاب عقلاني في مواجهة الحكومة. لقد انتقلت مقاعد المصباح في الانتخابات الجماعية من 1513 سنة 2009 إلى 5021 سنة 2015، وانتقلت كتلة الأصوات التي اقترعت لصالحه من 774000 صوت في 2009 إلى مليون ونصف المليون صوت. هذا فيما فاز بربع مقاعد الجهات وترك الثلاث أرباع الأخرى للأحزاب الثمانية …هذا له معنى واحد، المواطنون بدؤوا يصوتون سياسيا، أي عن وعي وعن رؤية وعن برنامج وعن تواصل. أصبحت الطبقة الوسطى تهتم بالانتخابات أكثر، وتستعمل صوتها للجزاء وللعقاب، ولم تعد هذه الفئة في غالبيتها تصوت خوفا أو طمعا أو تأثرا بالمال أو السلطة، وخاصة في المدن والحواضر الكبرى (في الرباط حصل الشاب بلا فرج عن فدرالية اليسار على أربعة مقاعد، فيما لم تحصل أحزاب عريقة على أي مقعد). ما حدث ليلة 4 شتنبر سيدخل التاريخ وهو يؤشر، حسب زعمي، على بداية جيدة لانتقال ديمقراطي هادئ ومتدرج، خاصة إن بقي حزب العدالة والتنمية في صباغته الأولى، وأخذ على عاتقه حماية أصوات الناس وآمالهم وترجمتها إلى إصلاحات عميقة، وليس فقط، مجرد أوراق للتطبيع مع السلطة، وللوصول إلى قلب الدولة العميقة… 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

4 شتنبر يوم سيكون له تاريخ 4 شتنبر يوم سيكون له تاريخ



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 18:00 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 17:57 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 17:51 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم مجانى وإلزامى (٦)

GMT 17:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

«المناقيش» سر تعثر لقاء السنباطى وفيروز!!

GMT 17:46 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حكمة نبيل العزبى!

GMT 17:44 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الشركات العامة

GMT 17:42 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أمر شائن!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:14 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 18:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 14:11 2015 السبت ,23 أيار / مايو

العمران تهيئ تجزئة سكنية بدون ترخيص

GMT 17:38 2022 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه الذهب يسجل رقماً قياسياً لأول مرة في مصر

GMT 15:13 2018 الأحد ,03 حزيران / يونيو

تغلبي على الخوف من عيوب جسدك مع ارتداء الحجاب

GMT 15:12 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

عمران فهمي يتوج بدوري بلجيكا للمواي تاي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib