العثماني يطرق الباب الخطأ

العثماني يطرق الباب الخطأ

المغرب اليوم -

العثماني يطرق الباب الخطأ

بقلم - توفيق بو عشرين

يقول المثل الفرنسي: «لا تطلق النار على سيارات الإسعاف».. إنها أخلاق الحرب، عسكرية كانت أم سياسية، لكن يبدو أن رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لم يسمع بهذا المثل، أو لم يعد يميز بين السيارات التي تمر إمامه، ليعرف من منها للإسعاف، ومن منها لنقل الأموات، ومن منها لنقل خصومه الحقيقيين. لقد أطلق الطبيب النار على وزير أقيل من منصبه، ولم تعد لديه الإمكانية للرد أو للدفاع عن نفسه، وقال العثماني، في الاجتماع الشهير مع شبيبة حزبه في بوزنيقة قبل أسبوعين: «الحسين الوردي، الذي كان يلقبه بنكيران بأحسن وزير صحة في تاريخ المغرب، هو، في الحقيقة، أسوأ وزير صحة مر من هذه الوزارة». لم يقف رئيس حكومة أبريل هنا، بل انتقد ما سماه الوضعية الامتيازية التي كان يتمتع بها حزب التقدم والاشتراكية في عهد بنكيران، والأكثر مدعاة إلى الاستغراب أن العثماني، وعوض أن يعتذر عن الهجوم على إنسان أعزل، رجع إلى غرفة العمليات في المستشفى مجروحا بتحميله وزر سقوط منارة المتوسط، قفز بخفة إلى نفي جزء من الخبر الذي نشر عن انتقاده الشراكة مع PPS، وسكت عن زلة مهاجمة الوردي واعتباره أسوأ وزير في تاريخ المغرب، معتقدا أنه سيخرج من الورطة بأقل ثمن، وهذا هو أسلوب العثماني.. اللعب على الكلمات، وقول نصف الحقائق، والاختباء وراء الغموض، وترويج نظرية المؤامرة، من أجل إثارة الدخان في الهواء، حتى لا تكشف الحقائق أمام الناس، وعوض أن يعترف بخطأ مهاجمة وزير هو من اقترحه ليستمر في وزارة الصحة في حكومته، نصح شباب حزبه بأن يحذروا المؤامرات التي تحاك من أجل تقسيم الحزب، والتشويش على الحكومة، وقال، في لقاء ثانٍ مع شبيبة حزبه في الدار البيضاء نهاية الأسبوع الماضي، إن «جيوب المصالح ومراكز مقاومة الإصلاح لن تبقى مكتوفة الأيدي عندما تمس مصالحها ومراكزها»، وأنا أسأل: عن أي جيوب مصالح يتحدث العثماني؟ ومن هي هذه الجهات التي مست حكومته امتيازاتها وريعها ومصالحها حتى تتحرك للتشويش عليها؟ العكس هو الصحيح، مراكز مقاومة الإصلاح، ولوبيات الريع والفساد، وجناح الاستبداد في الدولة، تصلي شكرا لله كل صباح أن أعطاها حكومة مثل حكومة العثماني، وخلصها من لسان طويل مثل لسان بنكيران.
منذ صعوده إلى الأمانة العامة للحزب، والدكتور العثماني يحاول أن يقوم بحملة علاقات عامة وسط الحزب من أجل إصلاح صورته التي مست، ومشروعيته التي ظهر منسوبها في نسبة التصويت التي صعد بها إلى الأمانة العامة، لكن الطبيب أخطأ الطريق في رحلة استعادة «العذرية السياسية»، فعوض أن يركز عمله وتفكيره على الرفع من أداء الحكومة، وتقوية مركزها الدستوري إزاء الدولة، ومركزها السياسي لدى الرأي العام.. عوض ذلك ركب العثماني في الحافلة الرخيصة التي تقوده إلى منصات الخطابة في اجتماعات داخلية للحزب، وأمام الميكروفونات حيث يلعب على حبلين؛ الأول هو وضع كل وسائل الإعلام في كفة واحدة، وكتابة شعار كبير على بابها يحمل اسم: ‘‘الكذب والتشويش على الحكومة، والانخراط في مؤامرة لتقسيم الحزب والنيل من مكانته لدى الرأي العام’’، معتقدا أنه سيلقح عقول الناس ويخدرها عن التفكير في ضعف الحكومة، وارتباك قيادتها، وانقسام الحزب حول تقييم تجربتها.
أما الطريق الثاني الذي سلكه العثماني للرفع من أسهمه في بورصة الحزب، فهو ضرب «تركة بنكيران»، التي نسجت حولها صورة غير حقيقية، حسب العثماني، لذلك، هاجم رئيس الحكومة الحسين الوردي الذي كان وزيرا مدللا عند بنكيران، وتبعه الرميد، في مقابلة مع موقع العمق، قائلا: «حكومة العثماني أول حكومة تعد مشروع القانون المالي بصفتها السياسية، وقبلها كانت الإدارة هي التي تضع مشروع القانون المالي وليس الحكومة».. إنه تقطار الشمع على بنكيران، رغم أن العثماني والرميد كانا شريكين معه في الحكومة السابقة، ورغم أن الوزراء الذين «يسلخون بنكيران» موجودون في مواقعهم بفضل الأصوات والمقاعد التي حصل عليها بنكيران في انتخابات 2016.. إنهم يأكلون الغلة ويسبون الملة، كما يقول المثل المغربي.
هل توجد جهات تتآمر على الحزب؟ نعم توجد، والسياسة كلها مؤامرات وليست أماكن للعبادة والبر والإحسان، لكن العثماني لا يقصد العنوان الحقيقي لها؟ هل توجد وسائل إعلام «كونكتي»، وتتلقى الأمر اليومي للتشويش على الحكومة وعلى وزرائها؟ نعم، ذلك مؤكد، لكن، ليست كل وسائل الإعلام «قنافذ لا أملس فيها». هل المؤامرات والإعلام المخدوم هما اللذان سيحددان مصير الحكومة ومصير التجربة؟ بالقطع لا، الذي سيحدد مصير الحكومة ومصير الحزب هو أداء أبنائه، وشجاعة أو جبن قادته، وتجرد نخبه أو ميلها مع أهواء السلطة والمكانة والجاه والمال، لذلك يقول العقلاء: «اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العثماني يطرق الباب الخطأ العثماني يطرق الباب الخطأ



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 15:34 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام
المغرب اليوم - سعد لمجرد يكشف عن عمل جديد مع الفنانة إيلي أفرام

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib