الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين

الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين

المغرب اليوم -

الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين

بقلم ـ توفيق بو عشرين

الملك يعزف لحن الغضب في خطبه إلى الأمة، ورئيس الحكومة يعزف لحن التفاؤل في تصريحاته للرأي العام. الملك يدعو إلى إحداث زلزال في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والعثماني يقول إنكم تحملون كلام الملك أكثر مما يحتمل. الجالس على العرش يقول إن مؤسسات الدولة، حكومة وبرلمانا وإدارة، في واد، والشعب في واد آخر، والعثماني يقول إن المتشائمين يضعون نظارات سوداء على أعينهم، لذلك لا يرون الأوراش المفتوحة في كل مجال.

نحن إمام مقاربتين مختلفتين لطبيعة الأزمة التي تتخبط فيها البلاد منذ سنة.. الأزمة التي دفعت الملك إلى استعمال أسلوب العلاج بالصدمة لتنبيه الطبقة السياسية والإدارية في مملكته بعد نازلة الريف التي كشفت عورة الاختلالات العميقة في الدولة.

الملك أعلن فشل النموذج التنموي المعتمد في المغرب طيلة 20 سنة الماضية، وهذه الخلاصة قالها البنك الدولي قبل هذا التاريخ، وقالها برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية الذي يضع البلاد في المرتبة 123، وقامت القيامة في الرباط، وخرجت الحكومة والمندوبية السامية للتخطيط تنتقدان منهجية pnud في تصنيف المغرب في مراكز متأخرة، واتهمتا برنامج الأمم المتحدة بأنه يظلم المغرب ولا يعرف كيف يحتسب الفقر والتهميش والمرض والجهل والأمية فيه، لكن، ولأن الواقع لا يرتفع، والأرقام لا تكذب، ها نحن رجعنا للإقرار بأن نموذجنا التنموي فاشل، لأنه لا ينتج غير الفوارق الاجتماعية والريع والفساد، وتداخل السلطة مع البزنس، وتضارب المصالح، وغياب آليات لتقييم السياسات العمومية وبرامج الدعم، والمخططات الاستراتيجية التي يعبر جلها من خارج قنوات القرار العمومي، بعيدا عن أعين الحكومة والبرلمان.

في آخر تقرير للبنك الدولي حول المغرب، قال خبراؤه إن المملكة الشريفة متأخرة بأكثر من نصف قرن عن جيرانها الأوروبيين في ما يخص مؤشرات التنمية، وإن المملكة بعيدة عن تركيا بمسافة 30 سنة… هذا حكم نهائي على هذا النموذج اللاتنموي في المغرب.

لكن، ما العمل؟ الملك غاضب لكنه لم يتخذ إلى الآن أي قرار عملي، والحكومة تبرد الأجواء، وتدعو إلى قراءة متفائلة لخطاب العرش وما تبعه من خطب، والبرلمان عاجز، ففاقد الشيء لا يعطيه، والنخب المستفيدة، في الإدارة والمؤسسات العمومية، تتصرف وكأنها غير معنية بالأزمة، والمجتمع حائر ولم يعد يفهم شيئا على الإطلاق، ففي الوقت الذي يدق الملك جرس الإنذار بشأن السكتة القلبية التي تعانيها البلاد، تعتقل السلطة الشباب الذين يخرجون للتظاهر في الشارع سلميا حاملين الإنذار نفسه الذي يردده الملك في خطبه! «فهم تسطا»، كما يقول شباب الفايسبوك اليوم.
من الغد يمكننا أن نجمع لجنة تتكون من 20 أو 30 من أفضل الخبراء المغاربة والأجانب، وأن نطلب منهم وضع خريطة طريق لنموذج تنموي جديد للمملكة للعشرين سنة المقبلة، ولن يستغرق الأمر منهم سوى بضعة أشهر ليضعوا برنامجا للنهوض بعجلة التنمية «المفشوشة»، لكن السؤال المطروح هو: من سيطبق هذا البرنامج على أرض الواقع، ويعطيه شحنة سياسية لدى الجمهور، ويدافع عنه في وجه التماسيح والعفاريت ومراكز مقاومة الإصلاح؟

لنعطِ مثالا صغيرا حول علاقة الاقتصادي بالسياسي، وعلاقة السياسي بالانتخابي.. لنفترض أن لجنة النموذج الاقتصادي الجديد أوصت الحكومة بإلغاء زيادة 600 درهم في أجور 900 موظف، التي تمت تحت الخوف من الربيع العربي سنة 2011، والتي أسهمت في تضخم كتلة الأجور التي تبلغ سنويا 140 مليار درهم في بلاد مداخيلها الضريبية لا تزيد على 200 مليار درهم. إذا لم تكن هناك حكومة قوية منبثقة من صناديق الاقتراع وتحوز مشروعية سياسية، فلن تستطيع أن تقوم بهذا الأجراء. لنفترض أن لجنة الخبراء أوصت الحكومة بتفعيل المقتضيات القانونية التي تجرم تضارب المصالح، وبفتح الطريق أمام القضاء لمحاكمة المفسدين أمام محاكم مالية مختصة، فهل تقدر الحكومة على اتخاذ هذا الإجراء إذا لم تكن حكومة قوية وشجاعة ولا تخشى إلا الله؟ لنفترض، ثالثا، أن لجنة الخبراء هذه أوصت الحكومة بصرف دعم مالي مباشر لثلاثة ملايين أسرة هي الأفقر في البلاد، مقابل رفع الدعم عن الغاز، وإسقاط جل الامتيازات الضريبية، ومراجعة دعم بعض القطاعات التي تحظى بالأفضلية دون قيمة مضافة، فهل تستطيع الحكومة أن تنفذ هذا المقتضى المعمول به في كل أوروبا من أجل مساعدة الفقراء على تدريس أبنائهم، وعلى الوصول إلى الحد الأدنى من الكفاف والكرامة؟ لقد رأينا كيف أخرج «التحكم» مخالبه أمام بنكيران عندما كان ينوي توزيع جزء من الأموال التي ربحها صندوق المقاصة بعد رفع الدعم المقدم للفقراء عن المحروقات، وكيف أخرجوا حجة ماكرة لتخويف الدولة من بنكيران تقول إن «بنكيران يريد أن يرشي الفقراء ليخلد في رئاسة الحكومة»، بل إن أول شروط أخنوش لبنكيران، في أول لقاء معه للبحث عن أغلبية حكومية في نونبر 2016، كان عدم رفع الدعم عن الغاز الذي يحتكر «الأخ أغاراس أغاراس» 70% من سوق توزيعه! واش غادي يدير نموذج تنموي جديد مع هادو!؟
التنمية مفهوم شامل، فيها نظام سياسي ديمقراطي، ونظام اقتصادي عصري ومنتج وعادل، ونظام اجتماعي مبني على التضامن والرعاية للأقل حظا، ونظام ثقافي مبني على الحرية والتعددية، ونظام إداري مبني على الفعالية وخدمة المواطن، ونظام قضائي مستقل وكفء، ولا أجندة له سوى تحقيق العدالة، ونظام تعليمي متطور، وله جسور مع سوق الشغل ومختبرات البحث العلمي، وكل هذه الأنظمة تجمع وتلف داخل «باكيدج» العقد الاجتماعي الجديد… غير هذا فإننا نرسم لوحات وردية فوق الرمال سرعان ما تمحوها الرياح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين الملك والعثماني يعزفان لحنين مختلفين



GMT 05:24 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

قمة الاستخفاف.. العاصمة الجديدة في القطرانة

GMT 03:38 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

يوم بيوم

GMT 05:02 2017 الخميس ,27 تموز / يوليو

الرواية لم تكتمل فصولاً بعد

GMT 06:25 2017 الثلاثاء ,04 تموز / يوليو

العثماني أطلق رصاصة فارغة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib