يوم حزين في بيت العدالة

يوم حزين في بيت العدالة

المغرب اليوم -

يوم حزين في بيت العدالة

توفيق بو عشرين

«من الخطير أن تكون على حق عندما تكون الدولة على خطأ» (فولتير)
الجملة أعلاه مقدمة لا بد منها لكي نشرع في الحديث عن نازلة التحقيق القضائي الذي فتح مع 26 متهما باستعمال المال لشراء أصوات الناخبين في انتخابات مجلس المستشارين. هذا يوم حزين بالنسبة إلى وزير العدل والحريات ومشروع إصلاح العدالة، وكل ما قيل وما كتب عن ضمانات المحاكمة العادلة، وعن إبعاد القضاء عن التورط في حقل ألغام السياسة. لماذا أقول هذا الكلام؟
لنوضح ما لا نريد الدفاع عنه قبل تأكيد ما نريد الدفاع عنه. لا نريد الدفاع عن الإفلات من العقاب، ولا نريد التشويش على المسار القضائي المفتوح مع المتهمين باستعمال الأموال في بورصة الانتخابات، ولا نريد أن نساهم في إضعاف القضاء تجاه الأعيان الذين يفسدون العملية الانتخابية، وفي الأخير لا نريد جدلا سياسويا مع الحكومة والقضاة… أما ما نريده فهو احترام القانون، الذي يعد فيه الشكل أهم من الجوهر، كما عرف ذلك القانونيون. نريد احترام ضمانات المحاكمة العادلة، ونريد إبعاد القضاء عن وصاية السياسيين في الحكومة وخارجها، في المؤسسات وخارجها، هذه هي الحكاية ببساطة.
لنبدأ من البداية.. مساء يوم الأربعاء الماضي صدر بلاغ عن اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات، جاء فيه ما يلي: «تعلن اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات أن عدد الأشخاص الذين تمت متابعتهم أمام قضاء التحقيق بمختلف محاكم المملكة بلغ، إلى حدود يوم 7 أكتوبر 2015، ستة وعشرين (26) شخصا، من بينهم أربعة عشر (14) مترشحا لهذه الانتخابات، أعلن فوز عشرة (10) منهم بمقاعد في مجلس المستشارين، وفقا للقائمة التالية…».
أولا، لا يحق للجنة الحكومية المكلفة بتتبع الانتخابات، وهي مشكلة من وزارة الداخلية والعدل، أن تصدر بلاغا يوجه الاتهام إلى مشتبه فيهم لم يثبت عليهم شيء بعد. هذا اختصاص حصري للنيابة العامة وقاضي التحقيق، ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، أن يصبح توجيه الاتهام إلى المواطنين من صلاحية وزارة الداخلية أو الفلاحة أو الصيد البحري، ثم إن اللجنة الانتخابية انتهى عملها بانتهاء آخر حلقة في المسلسل الانتخابي، وفق الظهير المؤسس لها الذي ينص على أن: «اللجنة المركزية واللجان الإقليمية لتتبع الانتخابات تباشر مهامها في تقيد تام بالقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، دون المساس بالاختصاصات والصلاحيات التي يخولها القانون للأجهزة التشريعية والإدارية والقضائية»، واللجنة، والحالة هذه، مست اختصاص القضاء بشكل لا لُبْس فيه عندما وجهت اتهامات علنية من صلاحيات القضاء، وعلى هذه اللجنة أن تُساءل عن هذا الخرق للقانون.
ثانيا، بلاغ اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات خرق سرية التحقيق وقرينة البراءة، وهي من ضمانات المحاكمة العادلة. المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية تنص على الآتي: «تكون المسطرة التي تجري أثناء البحث والتحقيق سرية. كل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي». القانون يقول المسطرة، كل المسطرة، من الاستدعاء إلى التحقيق إلى الاستجواب.
السؤال الأخطر من هذا الخرق هو: من أخبر اللجنة المشتركة لتتبع الانتخابات، وهي جزء من الجهاز التنفيذي، بأن قضاة التحقيق في مختلف مدن المغرب (وهم سلطة قضائية مستقلة) قرروا متابعة المتهمين، والحال أن بلاغ اللجنة صدر 12 ساعة قبل أن يمثل المشتبه فيهم أمام قاضي التحقيق؟ فكيف علم وزيرا الداخلية والعدل بقرار قضاة التحقيق قبل صدوره؟
لنفترض أن التعبير خان اللجنة الحكومية لتتبع الانتخابات، وأن بلاغ اللجنة كان يقصد بعبارة: «تمت متابعتهم أمام قضاء التحقيق»، أن النيابة العامة، بعد أن اطلعت على فحوى المكالمات الهاتفية، تبين لها أن المشتبه فيهم يمكن أن يكونوا موضوع التماس بالمتابعة أمام قاضي التحقيق، وحتى في هذه الحالة كان يجب على النيابة العامة، كما تفعل مع جميع المشتبه فيهم، أن تستدعيهم، وأن تتحقق من هوياتهم، وأن تستمع إليهم قبل أن تقرر متابعتهم من عدمها أمام قاضي التحقيق. من قال للوكلاء العامين للملك إن الأصوات التي يسمعونها في أشرطة التنصت على المكالمات الهاتفية الموضوعة على مكاتبهم هي أصوات 26 متهما الذين فضحوهم في التلفزة أول أمس بأسمائهم الكاملة؟
أمس اتصلت بعدد منهم وسألتهم: «هل استمعت إليكم النيابة العامة قبل صدور هذا البلاغ؟»، فقالوا جميعا: «لا»، ثم سألتهم: «هل قرر قاضي التحقيق متابعتكم أمس عندما مثلتم أمامه؟»، قالوا: «لا، مازال البحث مستمرا ولم يقرر قاضي التحقيق شيئا»، فسألت مرة ثالثة: «ما هو شعوركم وأنتم ترون أسماءكم وصفاتكم في التلفزة الرسمية قبل الذهاب إلى قاضي التحقيق؟»، وهنا اختلفت الإجابات.. منهم من قال: «سامح الله وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، لقد أذانا في سمعتنا وشرفنا وعائلتنا»، وبعضهم قال: «هذا هو قضاء بلادنا يمشي بالريموت كونترول، وهو قدر وليس قضاء»، وبعضهم قال: «إن الهدف من هذه المتابعات هو الانتقام من حزب الاستقلال الذي قدم مرشحا ضد حكيم بنشماس. كان عليهم أن يخبرونا بالحقيقة لكي نمتنع عن منافسته، مادام المطلوب يوم إجراء انتخابات رئيس مجلس المستشارين هو تزكية مرشح الجرار في جلسة علنية»، والبعض قال: «إننا ندرس إمكانية الاستقالة الجماعية من الغرفة الثانية مادام الترشح للرئاسة سيدفع بلادنا إلى أن تشهد حفلا لذبح القانون وتوريط القضاء في دمه».
إن مسطرة التنصت على الهواتف معقدة جدا في القانون الجنائي المغربي، وهي لا تتم إلا بأمر من قاضي التحقيق، وعند الضرورة، ولفائدة البحث، كما تنص على ذلك المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، وهذا يفترض أن قضاة التحقيق فتحوا ملفات للمتابعين ولغيرهم قبل إجراء الانتخابات المهنية والجماعية والجهوية، وصولا إلى انتخابات مجلس المستشارين، بناء على شكايات أو وشايات أو معطيات أدلت بها النيابة العامة، وأقنعت قاضي التحقيق بلزوم خرق سرية المكالمات في فترة زمنية محددة لفائدة التحقيق، ولهذا، فإن جل الأحكام التي تصدر في الملفات التي يستعمل فيها التنصت على الهواتف كوسائل إثبات تنقض في محكمة النقض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم حزين في بيت العدالة يوم حزين في بيت العدالة



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib