ماكينش معامن…

ماكينش معامن…

المغرب اليوم -

ماكينش معامن…

توفيق بو عشرين

نحن بلاد منفتحة على العالم أكثر من أي بلد عربي آخر لأسباب جغرافية وتاريخية وسياسية. نحن بلاد تبعد 12 كيلومترا فقط من المياه الدافئة عن الأراضي الأوروبية، ونحن بلاد اختارت أن تكون ملتقى طرق اقتصاديا وثقافيا وحضاريا وسياسيا بين الشرق والغرب الشمال والجنوب سعيا إلى التموقع الضروري لاكتساب التأثير في المحيط الإقليمي والدولي، ولجلب الاستثمار ولتشجيع السياح، ومساعدة الصادرات المغربية على الوصول إلى الأسواق الدولية، وعموما الانفتاح وسيلة المغرب لاكتساب قوة ناعمة في الوقت الذي لا تملك المملكة قوة صلبة، عسكرية أو اقتصادية، تدافع بها عن مصالحها في عالم معقد يتحدث لغة واحدة هي القوة والمصلحة.. وهذا الاختيار الذي قام به المغرب منذ الاستقلال له إيجابيات كثيرة في بلاد لا نفط فيها ولا غاز، لكن هذا الاختيار له فاتورة وكلفة والتزامات يجب التقيد بها، وفي مقدمة هذه الالتزامات أن تحرص المملكة على صورة إيجابية لها في الخارج، وأن تعتني بهذه الصورة، وأن تطورها يوما بعد آخر، وأن تزيل من الطريق كل ما يمكن أن يمس علاماتها التجارية والسياسية والثقافية والحضارية لأن الأمر ليس إكسسوارات يمكن الاستغناء عنها، ولكنه مسألة حيوية للدفاع عن المصالح الاستراتيجية للمملكة…

نحن نصرف على هذه الصورة المليارات كل سنة من أجل أن تظل بارزة (احتضان المنتدى العالمي لحقوق الإنسان كلف 12 مليار سنتيم مثلا، وتنظيم منتدى رجال الأعمال الذي عقد قبله في مراكش كلف حوالي نصف المبلغ الأول، هذا نموذج فقط وإلا فإن الدولة المغربية تصرف المليارات كل سنة على احتضان أنشطة في الداخل والخارج وعلى حملات إعلامية وتواصلية لبيع صورتها في الخارج كبلد منفتح في طريقه إلى الدمقرطة والتحديث واحترام حقوق الإنسان، وأنه يسير إلى الأمام ببطء أحيانا وسرعة أخرى لكنه لا يرجع إلى الوراء…).

هذا «الإعلان» أو هذه الصورة التي نبيعها للعالم تأتي جهات في الدولة وتفسدها، فتصبح أمام طرف يبذل مجهودا كبيرا لبيع صورة إيجابية وطرف آخر من بني جلدتنا يفعل المستحيل من أجل تشويه سمعة البلد، وإفساد العمل الذي تقوم به الجهة الأولى، حتى إن المرء يتساءل أحيانا عن قدرة أعدائنا على الإساءة إلينا أكثر مما نفعله نحن مع أنفسنا «يخربون بيوتهم بأيديهم».

سنعطي ثلاثة أمثلة سريعة عن هذه السياسة المتناقضة للدولة تجاه صورة البلد ومصالحه في الخارج…

الصورة الأولى: اجتهاد وزير الداخلية منذ أشهر في وصم المغرب بأنه بلد يقمع الحريات ويصادر نشاط الجمعيات، ولا يبالي بأحكام القضاء الإداري الذي أصدر إلى الآن حكمين قضائيين ضد أم الوزارات، وكان هذا يكفي ليراجع حصاد سياسته ضد الجمعيات الحقوقية والصحفية التي يطاردها منذ مدة، وأن يبحث عن طرق أخرى للحوار معها غير المنع وسياسة غلق الأفواه… الأسبوع الماضي منع جمعية الحقوق الرقمية من تنظيم نشاط عادي جداً، فما كان من الألمان الذين كانوا يرعون هذا النشاط إلا أن نقلوه إلى معهد جوته، ولكم أن تتصوروا التقرير الذي سيكتبه السفير الألماني في الرباط إلى بلاده تلك الليلة… ثم نسأل لماذا لا تستثمر ألمانيا، وهي أول قوة صناعية في أوروبا، في المغرب سوى 3٪ من استثماراتها الموجهة إلى إفريقيا كل سنة…

الصورة الثانية: تحول مباراة كرة قدم إلى مباراة لكرة الماء في ملعب مولاي عبد الله الذي صرفت الوزارة عليه 22 مليار سنتيم، ثم اكتشفنا واكتشف العالم معنا أن الشركة الإسبانية التي تكلفت بإعداد الملعب للموندياليتو شوهت صورتنا أمام العالم، وأن الذين كلفوا بمتابعة الإنجاز معها ومراقبتها وتنزيل دفاتر التحملات معها كانوا ودودين للغاية معها، وكانت النتيجة أن العالم سخر منا ومن ملاعبنا وذكرنا بأننا كنا ننوي تنظيم كأس العالم في يوم ما…

الصورة الثالثة: هي صورة منازل تنهار على رؤوس ساكنيها في العاصمة الاقتصادية بفعل ميلمترات من الأمطار، والأدهى من كل هذا أن الوقاية المدنية (هذا اسم مستعار يجب مراجعته لأنها لا تقي المواطنين من أي شيء) لم تحضر سوى بعد ساعات من وقوع الحادث في قلب الدار البيضاء، أما أم المهازل، على وزن أم المعارك، فهي أن في الدار البيضاء وحدها آلاف المنازل الآيلة للسقوط منذ سنوات، والحكومة لا تفعل أكثر من التفرج على المأساة، وإحصاء الضحايا عندما يسقطون، وإبداء الأسف وشيء من الحزن ثم استئناف الحياة في انتظار ضحايا جدد.

لا أجد من تعليق أفضل من عبارة الكوميدي المبدع كبور (حسن الفد): «ماكينش معامن»…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماكينش معامن… ماكينش معامن…



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib