اللي تيحسب بوحدو…

اللي تيحسب بوحدو…

المغرب اليوم -

اللي تيحسب بوحدو…

توفيق بو عشرين

يقول المغاربة مثلا يعبر عن الاستسلام للقدر وقلة الحيلة إزاء التوقيت، يقولون: «فوق ما جا الخير ينفع»، ويقول الغربيون: «إن السياسة هي فن التوقيت».. شتان بين الثقافتين والعقليتين. أياما قبل عيد الأضحى، توصلت أكثر من 10 آلاف أرملة معوزة يحضن يتامى بمنحة رمزية من الحكومة (350 درهما عن كل يتيم في الشهر شرط أن يكمل دراسته). النساء اللواتي توصلن بهذه المنحة فرحن بها أيما فرح، واعتقدن أن الحكومة «جزاها الله خيرا» جمعت لهن مقدار ستة أو سبعة أشهر من هذه المنحة وأعطتها لهن أياما قبل محنة البحث عن ثمن الخروف في الأسواق، ولم يدر في رؤوسهن أن التأخير الذي حصل في تفعيل هذه المنحة سببه سياسي ولا علاقة له بإحساس وزارتي الداخلية والمالية بأحوال الفقراء وعذابهم. بوسعيد وحصاد تعمدا تأخير صرف هذه المساعدة الاجتماعية البسيطة للأرامل إلى ما بعد مرور الانتخابات الجماعية حتى لا تستفيد الأحزاب المشاركة في الحكومة، وفي مقدمتها حزب بنكيران، من بركة هذا الإجراء الرمزي، وهي محاولة من الداخلية لفصل التصويت في الانتخابات عن أي سياسة اجتماعية أو حصيلة حكومية أو أي إجراء في صالح الفقراء…
المشكلة ليست في عقل الداخلية والدولة العميقة التي لا تريد لصندوق الاقتراع أن يكون له أثر في أرض الواقع.. المشكل أيضا في العقل الحزبي المريض الذي يستسلم لقواعد اللعب غير المكتوبة. اسمعوا حميد شباط ماذا قال أسابيع بعد صدور مرسوم المنحة الاجتماعية للأرامل، التي كانت من اقتراح وزير الدولة الراحل عبد الله بها.. قال شباط في تجمع سياسي في فاس: «إذا خرج هذا المرسوم قبل الانتخابات الجماعية وإذا صرف هذا الدعم للأرامل فأنا أيضا سأصوت لصالح العدالة والتنمية!».
منذ أكتوبر 2014 ومرسوم دعم الأرامل يدور في أروقة الإدارة التي لم تستسغ أن توزع الحكومة 23 مليون درهم كل سنة على الأرامل المعوزات، في حين توزع الدولة مليارات الدراهم كل سنة على كبار الفلاحين في إطار المخطط الأخضر، وتوزع مليارات الدراهم على الإعفاءات الضريبية لصالح البرجوازيين، وتوزع المليارات من الدراهم على امتيازات أخرى لا تصل إلى الفقراء… إلى الآن لم تصادق اللجنة المختصة بصرف دعم الأرامل سوى على ملفات 10 آلاف معوزة، بينما هناك 40 ألف ملف تنتظر، فيما مصادر مطلعة على الخريطة الاجتماعية تقول إن في المغرب ما يزيد على 100 ألف أرملة يستحققن الدعم، وإن تعديل المرسوم وتبسيط إجراءاته يمكن أن يضاعف هذا العدد.
سمعت بعض كبار المسؤولين يستنكرون مرسوم «بنكيران وباها» لدعم الأرامل باعتبار أن هذا الدعم ما هو إلا رشوة انتخابية، وإذا سمحت به الدولة اليوم فهذا معناه أن المصباح سيزرع جذوره في أرض خصبة، ولن يستطيع أحد أن يقتلعه منها.
هذا منطق سلطوي متخلف لن يصالح المغاربة مع السياسة ولا مع المشاركة ولا مع صندوق الاقتراع. الحكومات في كل الأنظمة الديمقراطية تسعى إلى إرضاء جمهورها بقرارات وقوانين وسياسات عمومية. انظروا إلى قانون التغطية الصحية للفقراء في أمريكا الذي خاض من أجله الرئيس الأمريكي باراك أوباما معركة شرسة ضد الجمهوريين في الكونغرس وفي الإعلام. انظروا إلى سلة المساعدات الاجتماعية التي منحتها الحكومة الفرنسية للطبقات المعوزة والمتوسطة (تبلغ ميزانية دعم السكن في فرنسا حوالي 43 مليار أورو سنويا).
90٪ من السياسة اليوم تدور حول المسائل الاجتماعية والاقتصادية، وإذا نحن عطلنا القرار الحكومي في هاذين الحقلين فماذا بقي من السلطة في يد الحكومات المنتخبة؟ للأسف الشديد، عداوة بعض الأوساط الحزبية واليسارية للإسلاميين أعمت أعينهم، ودفعتهم إلى معارضة توزيع السلط حسب ما هو منصوص عليه في الدستور، دعك من تأويله وفق منهجية ديمقراطية، فهذا صار من الأحلام التي لا تراود أحدا.
منذ مجيء حكومة بنكيران إلى الآن تضاعفت الميزانية المخصصة للمسائل الاجتماعية (كانت في حدود خمسة ملايير درهم، وأصبحت الآن في حدود عشرة ملايير درهم، ومنها جرى تمويل برنامج المساعدة الطبية راميد، والزيادة في قيمة منحة الطلبة وعدد المستفيدين منها، علاوة على التأمين الصحي لهؤلاء، ومنها جرى تمويل برنامج تيسير وصندوق التكافل الاجتماعي…)، وكل هذه الإجراءات تبقى رمزية وغير كافية، وعوض أن نشن حملة معارضة مخدومة ضدها يجب تشجيعها وطلب المزيد منها لأن العدو الرئيس في المغرب هو الفقر واليأس والتهميش. ثم دعونا نتأمل هذه المفارقة.. جزء كبير من الذين استفادوا من المساعدات الاجتماعية الرمزية لهذه الحكومة إما لم يصوتوا في الانتخابات الأخيرة، أو صوتوا لحزب الأصالة والمعاصرة وأعيانه في البوادي، أما الذين صوتوا للعدالة والتنمية فجلهم من الطبقات الوسطى في المدن الكبيرة والتي تضررت من القرارات التي اتخذتها الحكومة في موضوع المقاصة وثمن الماء والكهرباء… بدأنا بمثل دارج سلبي، ونختم بآخر إيجابي يقول: «اللي تيحسب بوحدو تايشيط ليه».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللي تيحسب بوحدو… اللي تيحسب بوحدو…



GMT 16:51 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الانتصار

GMT 16:49 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إلى الكويت لحضور “قمة الخليج 45”

GMT 16:46 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران والدور الجديد لـ«حزب الله»

GMT 16:44 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران... وسورية المكلِّفة

GMT 16:42 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

من دفتر الجماعة والمحروسة

GMT 16:41 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

السلام في أوكرانيا يعيد روسيا إلى عائلة الأمم!

GMT 16:39 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

«وباء العنف الجنسي» في حرب السودان

GMT 16:38 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib