ابحث عن الجزائر

ابحث عن الجزائر

المغرب اليوم -

ابحث عن الجزائر

توفيق بو عشرين

يوم الجمعة الماضي اتصل بي صحافي تونسي من إحدى الإذاعات الخاصة، يطلب تعليقي على «التظاهرات الشعبية التي تعم شوارع المملكة منادية بإسقاط النظام المغربي»، فقلت لزميلي التونسي: «ما هو مصدرك بخصوص هذه ‘‘الثورة المغربية السرية؟’’»، فرد على سؤالي وهو جازم مما لديه من أخبار عن انتفاضة مغربية عارمة ضد المخزن، ولا يطلب غير تعليقي على الحدث الأهم في نظره، قائلا: «لقد جاء هذا الخبر في وكالة الأنباء الجزائرية وفي عدد من الصحف هناك»، فضحكت حتى أحسست بأنه تضايق، وقلت له: «لا تبحث عن أخبار المغرب في الجزائر. ابحث عنها في وكالات أنباء مهنية ومحترمة. للأسف، جيراننا يكتبون عن المغرب ما يتمنون حصوله لا ما يقع فعلا على أرض الواقع، وإذا كنت تريد أن تعرف ماذا يحدث في المغرب فالأمر بسيط، هناك 10 آلاف أستاذ متدرب يطالبون، في تظاهرات سلمية ترفع صور الملك محمد السادس، بتوظيفهم في أسلاك الوظيفة العمومية، ويطالبون الحكومة بزيادة قيمة المنحة بـ100 دولار. اليوم هم غاضبون لأن قوات الأمن واجهت بعض تظاهراتهم بقوة مفرطة، وهناك اليوم لجنة تحقق في هذه الحادثة التي وصلت إلى البرلمان. وهكذا، فإن الشبان والشابات الذين يتظاهرون في الشارع يتمنون بقاء النظام لتوظيفهم السنة المقبلة لا زواله…». في الأخير انتزعت منه الضحك بهذه الجملة الأخيرة، وانتهت المكالمة بعبارة: «لا خبر إذن».
هذه مقدمة لأرجع إلى الانتصار الدبلوماسي الذي حققه المغرب في ستوكهولم الأسبوع الماضي. السفير السويدي، الذي كُلّف بإعداد تقرير عن احتمال اعتراف بلاده بالدولة الصحراوية المزعومة، وضع خلاصته الأسبوع الماضي، وهي خلاصة نزلت بردا وسلاما على الدبلوماسية المغربية. قال السفير: «هناك شرط قانوني مفتقد في الدولة الصحراوية المعلنة من طرف واحد على الأراضي الجزائرية، وهو السيطرة على الأرض، فهي موجودة فوق أرض أخرى غير المتنازع عليها». هذا ليس هو السبب الحقيقي وراء إحجام السويد عن الاعتراف بجمهورية عبد العزيز، فالسويد تعرف أن البوليساريو موجودة في مخيمات بالأراضي الجزائرية منذ السبعينات، وأن لا سلطة لها على المناطق المتنازع عليها، وأنها لا تحكم سوى 25٪‏ من الصحراويين في مخيمات بأراضي الجيران. الذي دفع السويد إلى إقفال ملف الاعتراف بالجمهورية الصحراوية المزعومة هو الضغط الاقتصادي الذي مارسه المغرب وأصدقاؤه على السويد، ورغبة هذه الأخيرة في تهدئة الحروب التي اشتعلت حول دبلوماسيتها مع السعودية أولا، ومع إسرائيل ثانيا.
أخبرني مسؤول رفيع في الدولة المغربية بأن الجزائر ساهمت بشكل مباشر في تسخين طاجين الأزمة الدبلوماسية بين السويد والمغرب، وأن الجارة الشرقية اقترحت صفقة على ستوكهولم بموجبها تعمل الجزائر ونيجيريا وجنوب إفريقيا على تجنيد البلدان الإفريقية للتصويت لصالح السويد لدخول مجلس الأمن هذه السنة، مقابل اعتراف هذه الأخيرة بالجمهورية الصحراوية، وأن السويد استشارت في وقت مبكّر إسبانيا بخصوص هذا الأمر، فكان رأي هذه الأخيرة أن «ابتعدوا عن هذا الموضوع». ولما رأت إسبانيا أن السويد لم تقتنع بهذا الرأي، سربت الخبر للرباط التي تحركت بسرعة وبحزم، وحتى عصبية، فضغطت على السويد بطريقتين؛ الأولى اقتصادية، بتجميد عدة مشاريع تجارية وصناعية وخدماتية لشركات سويدية بالمغرب، والورقة الثانية دبلوماسية، حيث طلبت الرباط من أصدقائها في العالم العربي وأوروبا التدخل لثني ستوكهولم عن الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، لأن هذا الاعتراف سيعقد الملف الموجود في الأمم المتحدة أكثر مما سيساهم في حله، وأن مشكل المغرب مع جزء من الصحراويين سياسي وحقوقي، وأن الجزائر هي التي نفخت فيه ليصبح انفصاليا، وأن هناك مشروعا للحكم الذاتي موضوعا على الطاولة قد يشكل حلا تاريخيا للنزاع الذي طال أكثر من 40 سنة.
السويد، كأي دولة في العالم، تقيم توازنات دقيقة بين مواقفها الدبلوماسية ومصالحها الاقتصادية، فهي، في النهاية، دولة وليست جمعية حقوقية أو أهلية، والحكومات فيها ستحاسب في صناديق الاقتراع على عدد مناصب الشغل التي خلقتها، ونسبة النمو التي حققتها، وعدد الشركات التي ساعدتها على الرفع من رقم معاملاتها في الداخل والخارج، ولن تحاسب من قبل الناخب السويدي على عدد الدول التي اعترفت بها، أكانت دولا حقيقية أم مزعومة.
أنا أضيف سببا ثالثا لهزيمة الجزائر وأصدقائها في هذه المعركة الدبلوماسية في البلاد الإسكندنافية.. إنه سعر البترول والغاز الذي فقد 70٪‏ من قيمته، ومعه فقدت الجزائر ثقلها الدبلوماسي وتأثيرها الاقتصادي على شركائها الذين يحسبون كل شيء بالدولار.
إخواننا الجزائريون مازالوا يشتغلون بخرائط قديمة حول أصدقائهم وأعدائهم، ولم يفهموا بعد أن أكبر خطر على الجزائر اليوم هو البطالة في صفوف الشباب، والفقر وسط السكان، والجمود السياسي، وصراع الأجنحة العسكرية والأمنية في غرفة مرض الرئيس، ونزول أسعار الغاز والبترول في اقتصاد يعتمد كليا على تصدير هاتين المادتين. مازال إخواننا الجزائريون سجناء حرب الرمال وأحقاد الستينات، ينظرون إلى المستقبل في مرآة الماضي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ابحث عن الجزائر ابحث عن الجزائر



GMT 23:36 2024 الأربعاء ,07 آب / أغسطس

قوّة إسرائيل المقلقة بين تعطيلها وتفعيلها

GMT 18:04 2024 الخميس ,04 كانون الثاني / يناير

نكد الحروب الأهلية

GMT 17:50 2023 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

دولة الرئيس السفير

GMT 18:22 2023 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

كارثة البر وفجيعة البحر

GMT 20:31 2023 السبت ,02 أيلول / سبتمبر

هل تنجح الجزائر في إطفاء نيران النيجر؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 11:33 2024 السبت ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة
المغرب اليوم - أسلوب نقش الفهد الجريء يعود بقوة لعالم الموضة

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib