الشمول المالي وموقف مصر الاقتصادي

الشمول المالي وموقف مصر الاقتصادي

المغرب اليوم -

الشمول المالي وموقف مصر الاقتصادي

عادل عامر

الشمول المالي يلعب دورًا اجتماعيًا مهما من حيث الاهتمام الأكبر بشريحة محدودي ومتوسطي الدخل وكذلك المرأة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال ضمان وصول الخدمات المالية لهم، خاصة أن 34% من سكان مصر لديهم حسابات مصرفية، وأن الخدمات المصرفية الرقمية يستفيد منها نحو 9 ملايين مشترك.
إن هذه الأرقام تشير إلى أن هناك تغيرا كبيرا يحدث بالفعل داخل القطاع المصرفي، كما أن ما يحدث على أرض الواقع من اهتمام بالمشروعات الصغيرة وتوفير الدعم المالي والإداري لها وتمويل التجمعات الصناعية وتعظيم العائد للبنوك على تمويل هذا القطاع حقق طفرة كبيرة لهذا القطاع.
لذلك موضوع "الشمول المالي" خلال الآونة الأخيرة كقضية بارزة على أجندة الاجتماعات الاقتصادية والمالية الدولية، بما في ذلك أجندة مجموعة العشرين وصندوق النقد والبنك الدوليين، خاصة عند الحديث عن دور التمويل في التنمية.
ويتمثل الشمول المالي في تمكين ذوي الدخل المحدود من الاستفادة من الخدمات المالية بتكلفة معقولة، حيث تشير دراسة أصدرها البنك الدولي العام الماضي إلى أن نحو نصف البالغين في أنحاء العالم، أو نحو 2.5 مليار نسمة لا يحصلون على خدمات مالية رسمية، و75% من الفقراء لا يتعاملون مع البنوك بسبب ارتفاع التكاليف وبعد المسافات، والمتطلبات المرهقة في غالب الأحيان لفتح حساب مالي. ولا يدخر سوى نحو 25% من البالغين في العالم الذين يكسبون أقل من دولارين في اليوم أموالهم في مؤسسات مالية رسمية.
وعلى صعيد الدول العربية، يتضح ضعف الشمول المالي أيضا، حيث إن نسبة 18% فقط من السكان في البلاد العربية لديهم حساب مع مؤسسة مالية، مقارنة مع 43% في البلدان النامية ككل و24% في دول أفريقيا جنوب الصحراء.
والوضع يختلف في دول مجلس التعاون الخليجي من حيث انتشار الخدمات المصرفية، حيث تبلغ نسبة السكان الذين لديهم حسابات مصرفية 82% في البحرين وقطر و73% في الكويت و70% في السعودية و84% في الإمارات.
كما تتميز الخدمات المصرفية في الأسواق الخليجية بتطورها واستخدامها أحدث التقنيات لتقديم كل الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول والإنترنت، لكننا يمكن التنبيه إلى ملاحظتين مهمتين هنا.
الأولى وهي أن هناك شمولا ماليا كبيرا في دول المجلس لا يعني أن كل الشركات والأعمال في القطاع الخاص تحصل على التمويلات اللازمة وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتمويل الأصغر ورواد الأعمال والمهنيين والحرفيين.
فهذه لا تزال حصتها متواضعة من إجمالي القروض ولا تتجاوز 10-15%، لذلك لا بد من ربط موضوع الشمول المالي بمدى وصوله إلى الفئات والشركات المستحقة وليس مجرد انتشاره جغرافيا أو سكانيا.
وتنبع أهمية التمويل متناهي الصغر وتمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لما له من دور كبير في تطبيق مفهوم الشمول المالي، وإدماج أكبر عدد الشركات في الاقتصاد الرسمي، ويجب وضع تعريف واضح للمشروعات متناهية الصغر مع صياغة آلية للعمل والتعاون مع شركات ضمان مخاطر الائتمان لدعم القطاع.
أما الملاحظة الثانية فهي أن الشمول المالي المتوسع والمنافسة الشديدة بين البنوك أدت إلى إغراق الأسواق الخليجية بالخدمات المصرفية وخاصة للأفراد عبر تشجيع القروض الاستهلاكية، مما أدى إلى بروز مشاكل اجتماعية واقتصادية كثيرة لدى العوائل الخليجية، لذلك لا بد من التركيز على مفهوم حماية المستهلك من محاولات الإغراق هذه عبر تشديد اللوائح الخاصة بالقروض والتمويلات الشخصية.
إن توفير التمويل لأصحاب المشاريع بالغة الصغر ورواد الأعمال الصغار الذين يدخلون قطاع الأعمال لأول مرة يمثل تحديا يتعين على الجهاز المصرفي في دول المجلس التعامل معه. كما أن هناك، في بعض الأحيان، حاجة لتوفير تمويل شخصي لشريحة العملاء ذوي الدخل المنخفض.
ولا يمكن للبنوك التجارية أن تملأ الفجوة في هذا المجال لأن الإقراض لهذا القطاع يتطلب نهجاً وأساليب عمل مختلفة عما هو سائد ضمن القطاع المصرفي.
ويمكننا في هذا المجال النظر إلى التجربة الناجحة للاقتصادي المعروف محمد يونس الذي توجت جهوده بجائزة نوبل على ما بذله من جهود في مجال المؤسسات المالية المتخصصة لتلبية احتياجات تمويل المشاريع بالغة الصغر في بنجلاديش.
ويمكن هنا إنشاء مؤسسات خاصة أو شركات تمويل متخصصة في تقديم التمويل للأعمال متناهية الصغر في دول مجلس التعاون الخليجي، تبعاً لشروط وقواعد تنظيمية تحددها البنوك المركزية. فالتمويل للمؤسسات متناهية الصغر يندرج ضمن التمويل المتخصص، الذي يحتاج توفيره إلى مؤسسات مالية متخصصة.
كما يمكن مواصلة التوسع في استخدام التكنولوجيا في الشمول المالي، حيث تعد المدفوعات من أبرز المجالات التي يمكن للتكنولوجيا إحداث تطور نوعي فيها، بحيث يتم التشجيع على استخدام التكنولوجيا التي تمكن بشكل مباشر وبسيط وآمن إتمام المدفوعات من قبل شخص لآخر، ضمن رقابة وتوجيهات المصارف المركزية.
يتطلب الشمول المالي توافر القدرة لدى الأفراد ومؤسسات الأعمال على الحصول على الخدمات المالية واستخدامها بفعالية بأسعار معقولة وبطريقة مسؤولة. وقد أظهرت بحوث البنك الدولي الخاصة بالمؤشر العالمي لتعميم الخدمات المالية أن حوالي 38٪ من إجمالي السكان البالغين على مستوى العالم لا يتمتعون بالقدرة على الحصول على الخدمات المالية الرسمية. وعلى الرغم من التقدم المحرز على صعيد تعزيز الخدمات المصرفية المقدمة للأفراد، وكذلك التأمين وأسواق الأوراق المالية والتمويل الأصغر والخدمات المالية غير الرسمية، ما زال هناك المليارات من البشر الذين لا تصل إليهم الأنظمة المالية الرسمية. ولن يؤدي إشراك الناس في القطاع المالي الرسمي إلى تحسين معيشتهم وحسب ولكنه سيسهم أيضاً في سلامة الأنظمة المالية ذاتها.
فالأزمة المالية العالمية ألقت الضوء على هشاشة الأنظمة المالية وأهمية الربط بين الاشتمال المالي والاستقرار والنزاهة وحماية المستهلك المالي. وتعمل الحكومات والجهات المانحة وصناعة الخدمات المالية، على نحو متزايد، على تعزيز الاشتمال في القطاعات المالية لضمان توافر الخدمات لجميع الأفراد، بما في ذلك أصحاب الدخول المنخفضة.
الشمول المالي؟ هو إتاحة الخدمات المالية "حسابات التوفير، حسابات جارية، التأمين، التمويل والائتمان، وغيرها" لمختلف فئات المجتمع سواء كانت مؤسسات أم أفراد، والعمل على تمكين هذه الفئات من استخدام تلك الخدمات، على أن يتم تقديم الخدمات المالية بجودة مناسبة وبأسعار معقولة من خلال القنوات الرسمية للنظام المالي الرسمي.
ترجع أهمية الشمول المالي لوجود علاقة وثيقة بينه وبين الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي، فمثلًا عند توفير وإتاحة تمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة يعمل ذلك على دعم النمو الاقتصادي، كما يؤثر الشمول المالي على الجانب الاجتماعي من حيث الاهتمام الأكبر بالفقراء ومحدودي الدخل، والوصول إلى الأفراد والمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر. هذا بالإضافة إلى تحقيق المصلحة العامة التي تتعلق بخلق فرص عمل، ما يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي،
وبالتالي خفض معدلات الفقر، وتحسين توزيع الدخل، ورفع مستوى المعيشة، كما ترجع أهمية الشمول المالي إلى ما سيوفره من خدمات مالية بطرق سهلة وبسيطة وبأقل التكاليف، "كالدفع عن طريق الهاتف المحمول على سبيل المثال".
وتقوم البنوك المركزية بوضع قواعد وتشريعات هدفها تيسير إجراءات المعاملات المصرفية بكل أشكالها. وكذلك تقوم بالموافقة على إتاحة خدمات مالية مبسطة مثل استخدام الهاتف المحمول في عمليات الدفع الإلكترونية والعمليات المالية الأخرى، وتحفيز القطاع المالي خاصة البنوك على نشر الثقافة المالية.​

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشمول المالي وموقف مصر الاقتصادي الشمول المالي وموقف مصر الاقتصادي



GMT 16:46 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جحيم الغلاء المعيشي يجلد ظهر اليمنيين

GMT 06:49 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 17:59 2021 الأحد ,24 تشرين الأول / أكتوبر

شركات بورصة الدار البيضاء ترفع رقم معاملاتها

GMT 10:02 2021 الأحد ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أداء أسبوعي إيجابي في بورصة الدار البيضاء

GMT 03:37 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأحمر

GMT 22:30 2021 الأربعاء ,29 أيلول / سبتمبر

بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم
المغرب اليوم - المغرب يفقد 12 مركزاً في تصنيف مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
المغرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
المغرب اليوم - اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib