شعرية آفاق النبوءة في مجموعة ما أراه الآن

شعرية آفاق النبوءة في مجموعة ما أراه الآن

المغرب اليوم -

شعرية آفاق النبوءة في مجموعة ما أراه الآن

أحمد الشيخاوي

إنه وفي غمرة هذه الضوضاء الجارفة ،قلّما يحصل غنم الموافق للمنطق المصغي بعمق لروح الجمال كمعادل لإنسانيتنا، وغِبًّا ما يستظرف المهتمّ أو المتتبّع لحركية الشعرية العربية إجمالا، تجارب إبداعية على قدر من النجاح والصدى وأسباب الخلود والاستعصاء على عوامل المحو والتبدّد والصيرورة في خبر كان.تجارب من الندرة بمكان تكتسي صبغة الكونية من اعتبارات أصحابها في جديتهم والتزاماتهم و استشعارهم للحجم الحقيقي للمسؤولية الأدبية والفنية والثقافية ،ناهيك عن منقب جوهري متمثل في احترام الذات إلى جانب القدرات ، قبل الانشغال بهاجس الآخر كطرف فاعل ووازن في المعادلة لا غنى عنه باعتباره المعني الأول والأخير بما تبوح به التجربة مهما  تشدّدت وأوغلت في شخصنة  الحالة أو الموقف أو الفكرة أو الإحساس تبعا لفن تعبيري بعينه، يتحكم في  فعل أو خلق إبداعي هو في النهاية مرآة لهوية وكينونة المبتكر والمبدع.

وبالطبع صانع هذا ليس مجرد الوعي لوحده ، وإنما كذلك، قيام المسألة في شموليتها على لحمة وبنية مجتمعية ووجودية أوطد ما تكون بكمّ الطاقات الكامنة ومدى البراعة والتفنّن في نهج أسلوبية معينة وخاصة تتيح تفجير الدّفين وتمكّن من إضاءة الخيالات وفق ما يشبع الغاية و يولّد الفعل المدهش والممارسة المقبولة.

ومن ثم نجد الشاعر المغربي المقلّ خليل الوافي ،على صدر لائحة أبرز الأصوات الوالجة في جملة ما فذلكنا له، والمطابقة جدا لهذا الطرح المرغّب بخوض مقاربة المنجز الشعري على وجه التحديد عند تخوم اندغام الذهنية وتماهيها مع معايير مفاهيمية مستحدثة وداخل دائرة يمسحها ضوء الحسّ المواكب للطارئ والمستجدّ.

" أنا العربي الغاضب

أصرخ في وجه نفسي:

ماذا عساي فاعل؟

ويدي تخونها الإشارات

في ملح الجرح

............

أحاول تركيب الصورة المنفلتة؛

بين بغداد وبلاد الأندلس.

يا امرأة الليل،

لا أرى اسما يليق بي

في دروب القصيدة

والغروبة منشغلة بزي النساء

تخرج الغة عن صمتها

دون استحياء

..........

أنا العربي الغاضب

أسخر منك يا موتي

حين لا أجد في جيبي

وطنا يقرضني ساعة

للحلم."

 

 

كذلك هي ثيمة النبوءة تتدفّق لتطبع كامل الجسد التعبير والفني وتستغرق خارطة الرؤى في اتكاءها على ثقافة و إيديولوجية مناهضة راهن الخنوع والفوضى واللامعنى، دون النيل من خصوصيات التلقي أو الهيمنة والاستحواذ توجيهيا كان أم تثقيفيا أم ترفيهيا،على شروط آفاق الخطاب التّشاركيّ متسربلا بإيجابيات الموضوعي أو الآخر كلبنة مكمّلة وحلقة يفترض ألاّ تظل مفقودة وقاصية عن النص المفتوح بوصفه لعبة كلامية تنهل حدّ الاستنزاف من قاموس السهل الممتنع وتنكفئ على خام الهامشي والمألوف جدّا بهدف نقله وتحويله إلى خارق وغرائبي غير مألوف.

على هذا المنوال تحدث بلورة الغرض العام المحيل على عوالم جمالية ودوال تتناسل وسياقات موجّهة وقفا على ميكانيزمات النص العنونة .

هكذا نجد العتبة الأم للإضمومة قيد الدرس/ ما أراه الآن ، كإصدار أول في مسار شاعرنا،  يليه ديوان" صدى النسيان".. نجدها وقد نطقت بالحمولة الوجدانية وكادت تقول كلّ شيء ،إذا ما وقع استثناء ما أوكلت مهام النيابة فيه لتمفصلات العناوين الفرعية تقيّدا بتسلسل منطقي إن شكلانيا أو ضمنيا، تصاعديّ ومنطلق من الخاص صوب العام الذي يقود إلى عالمية الحالة وكونيتها التزاما بتجريب الفكرة كغلاف للإحساس والعكس بالعكس تماما.

إنه مهد الكلمات يدغدغها الحلم الناقص متواطئا مع انزلاقات برزخية من شأوها استعارة أو بالأحرى استراق مسافات تفشي الضياء  ونورانية البوح كضرب من اختزال للكينونة القابلة للنفي، في متتالية أسرار تفيض بها الظاهرة المحاصرة باستنطاقات فلسفية وصوفية وأسئلة وجودية تستفزّ الصميم الإنساني وتستنفر المحذوف والمفقود والمسكوت عنه والضارب بجذوره في ذاكرة النسيان.

إنها ذات شاعرة في انشغالاتها بتجارب ليلية لا تخدش العلائق بسيمياء الأنثى ككائن ونوع ورمز له أدواره الطلائعية  وضلوعه في تحلية استساغة الآني الحكر على قيدين أو وجهين أو بعدين تجدر تمثلاتهما واستحضارهما في متلازمة حب/حرب ،وجدلهما الأزلي.

وهو صلب ما نأى بشاعرنا عمّا ليس ضروريا  ولا رسائليا ،  شأن الثلة الناجية والمترفّعة على السّفاسف والفقاعات ، إيمانا وقناعة بضرورة غمس الذات في علقمية الكأس المعولمة لقضايا العروبة الكبرى.

وممّا لا شكّ فيه أن تذوّق عصارة كهذه كأس محايثة لهمّ المزاوجة بين هاجسي الحب والحرب، والمترعة فوق هذا بهذيانات الوجع الإنساني العابر لسطوة كاريزما اللون والجنس والمعتقد.. لا شك يسهم في بزوغ المعطى الجامع لولادة حقيقية هي في الكنه ثورة عاقلة لأحرف غير مهادنة تلهج بسرديات نبوءة ما لها صبغة خاصة ومخوّلة للإنسلاخ الروحي و المعرفي والفكاك من وضعيات تشخيص الداء تأمّما لمدارات التدخّل السريع و الأشدّ ملائمة عبر إفراز حلول مبطّنة بجماليات وحي القصيد.

كأن يقول:

" ما كان لي أن أحمل نسائم الندى

تحت إيقاع الرقص

والذبح قريب من الوطن...

تسقط أوراق ربيع يانعة

يأتي سريعا بريق عينيك..

قولي شيئا يمسح عني

دمع الصبا

والتربة العربية

العالقة في حلقي..."

حين تغدو للشاعر عين ثالثة تجعله يتخطى  الجاهز و غوايات الزبد والفقاعات ليدهشنا بكنوز وأسرار عوالمه المنطلقة من همّ إنساني مشترك.
طوبى لنا بألسن تقبض على جمر المعنى في مساءلة راهن مضطرب وخارطة مصطبغة بالدم.لكنه صهيل الحرف القادر على شقّ كوة في قلوبنا المقفرة لنتنفس بصيصا من أمل ،من فرح ،من نور..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شعرية آفاق النبوءة في مجموعة ما أراه الآن شعرية آفاق النبوءة في مجموعة ما أراه الآن



GMT 13:35 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 12:06 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

تحديات تحولات الكتابة للطفل في العصر الرقمي

GMT 10:49 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ضفضة_مؤقتة

GMT 11:06 2023 الأربعاء ,12 تموز / يوليو

لكى تعرفَ الزهورَ كُن زهرةً

GMT 20:08 2023 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

فلسطين بين رمضان والفصح المجيد

GMT 10:17 2023 الأحد ,22 كانون الثاني / يناير

مجانية الالقاب على جسر المجاملة أهدر قدسية الكلمة

GMT 11:02 2022 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بيروت تتوالد من رمادها وتتزين بكُتابها.

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib